تنفذ المملكة العربية السعودية منذ التاسع من سبتمبر 2017 حملة اعتقالات تعسفية واسعة، طالت حتى الآن أكثر من 43 شخصا، بينهم أكاديميين وكُتَّاب وصحفيين ورجال دين وشعراء ورجال أعمال، ومنهم سلمان العودة، وعوض القرني، وحسن فرحان المالكي، وعصام الزامل وعبدالله المالكي وآخرين من مناطق مختلفة من البلاد وتوجهات متنوعة. أعد ناشطون قائمة ضمت أسماء الأشخاص الذين اُعتقِلوا في الحملة، في محاولة لمواجهة الكتمان الذي أحاط بالمعلومات حول الحملة القمعية ومخاوف الأسر من الحديث عنها، وما زال Number يتزايد حتى نشر هذا البيان.
مع وقع حملة الاعتقالات، ظهرت عبر وسائل اعلامية وشبكات التواصل الإجتماعي إتهامات للمعتقلين بالتجسس والإرتباط بدولة خارجية، وذلك قبل عرضهم على المحكمة، وقبل إجراء أي تحقيقات. تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن الحكومة السعودية تستخدم الإعلام في التضليل وتشويه صورة من يملكون وجهة نظر مختلفة عنها لتبرير قمعهم.
في 11 سبتمبر 2017، أصدرت وكالة الأنباء السعودية بيانا نقلت فيه عن “مصدر مسؤول بأن رئاسة أمن الدولة تمكنت خلال الفترة الماضية من رصد أنشطة استخباراتية لمجموعة من الأشخاص لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة ومصالحها ومنهجها ومقدراتها وسلمها الاجتماعي بهدف إثارة الفتنة والمساس باللحمة الوطنية”. جهاز أمن الدولة هو جهاز اسْتحْدَث في 21 يوليو 2017 في إطار التغييرات التي قام بها ولي العهد الجديد محمد بن سلمان. الجهاز المستحدث يضم 5 هيئات، بينها المديرية العامة للمباحث وقوات الأمن الخاصة وقوات الطوارئ الخاصة، والتي تعد الأكثر ضلوعا في الاعتقالات وانتهاكات حقوق الإنسان.
عددت الصحف الرسمية ما اعتبرته قائمة “جرائم تندرج تحت طائلة الأعمال الإرهابية” للمعتقلين من دون أن تذكر اسمائهم، وبينها: (1) التحريض بشكل مباشر وغير مباشر ضد الوطن ورموزه. (2) المشاركة بشكل مستمر في المؤتمرات واللقاءات والندوات المشبوهة. (3) التغرير بالشباب واستدراجهم بالمال والجنس والمخدرات لتبني منهجهم. (4). تحريضهم للشباب للانخراط في نشاطات معادية. (5) ارتباطهم بدعم مباشر وغير مباشر بتنظيمات تستهدف المملكة. (6) التواصل والإسهام في أنشطة مشبوهة تضر بأمن الدولة واللحمة الوطنية. (7) تكرار أنشطتهم وعدم التزامهم بالتعهدات رغم العفو عنهم سابقًا. (8) استمرارهم وتماديهم في أنشطتهم العدائية ضد الدولة والمجتمع. (9) وجود سوابق أمنية وجنائية للبعض منهم.
ترتبط بعض هذه التهم التي عددتها الوسائل الإعلامية الرسمية بالخلاف مع دولة قطر، حيث أن العلاقات مع المنظمات والنشاطات التي تم ذكرها كانت ممارسات معتادة وطبيعية في ظل العلاقات الاعتيادية بين شعوب دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنها باتت مُجرمة بعد الخلاف.
وقد قامت الحكومة السعودية في مارس 2013 بعملية مشابهة، فقد أعقبت توترات وتصعيد بينها وبين إيران، اعتقالات تعسفية واسعة في عدة مدن طالت 32 شخصا اتهمتهم السعودية فيما بعد بالتجسس لصالح إيران، وبعد قرابة ثلاث سنوات من تلك الإعتقالات، بدأت محاكمتهم دون توفر أدنى شروط المحاكمة العادلة، ومن ثم حكمت على خمسة عشر منهم بالقتل.
هذه الحملة القمعية تأتي في سياق القمع المتزايد منذ بداية العهد الجديد للحكم. فمنذ تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في يناير 2015 تزايدت إنتهاكات حقوق الإنسان. كما إنه مقابل إعلان رؤية 2030 وإلى جانب توسع صلاحيات محمد بن سلمان وشغله لمناصب مثل وزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية ونائب رئيس مجلس الوزراء، وآخرها تنصيبه في 21 يوليو 2017 وليا للعهد، لوحظ إتساع قبضة القمع وتضاءلت مساحة حرية التعبير.
ففي 2 يناير 2016 تم إعدام المطالب بالعدالة الإجتماعية الشيخ نمر باقر النمر إلى جانب 46 شخصا آخرين بينهم أطفال ومتظاهرين مثل علي الربح ومصطفى أبكر ومشعل الفراج ومحمد الشيوخ، وذلك بموافقة الملك سلمان. وفي يونيو 2017 وبعد موافقة الملك سلمان أيضاً، تم إعدام 4 متظاهرين بعد إخضاعهم للتعذيب ومحاكمتهم بعيدا عن أصول المحاكمات العادلة. تُنفذ عقوبة القتل في السعودية بأمر الملك أو من ينيبه بحسب المادة السابعة عشرة بعد المائتين من نظام الاجراءات الجزائية. “تنفذ الأحكام الصادرة بالقتل، أو القطع، أو الرجم، أو القصاص في النفس أو فيما دونها، بعد صدور أمر من الملك أو مِمْن ينيبه”.
إلى جانب القمع وإنتهاكات حقوق الإنسان، دخلت السعودية في أزمة إقليمية جديدة. فعلاوة على حربها مع اليمن التي أودت بحياة أعداد هائلة من المدنيين في ظل مطالب تحقيق دولية اشتباها بضلوعها في ارتكاب جرائم حرب، أعلنت الحكومة السعودية في 4 يونيو 2017 عن قطع العلاقات مع دولة قطر. إنطوت الإجراءات التي قامت بها السعودية إلى جانب عدد من الدول ضد قطر، على الكثير من إنتهاكات حقوق الإنسان، انعكست بشكل جلي على العائلات ورجال الأعمال، إضافة إلى مزيد من القيود على حرية الرأي والتعبير والصحافة.
إن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، تشير إلى أن الإعتقالات الأخيرة التي قامت بها الحكومة السعودية بحق العشرات من الدعاة والكتاب والشعراء، لم تنطوي على مبررات قانونية، وتشكل إنتهاكا لحقوق الإنسان، خاصة أن التهم الفضفاضة التي أشارت لها أجهزة الإعلام الرسمية، صدرت قبل إجراء تحقيقات وقبل محاكمتهم، وجاءت على إثر تغيّر مواقف سياسية للحكومة.
وتشير المنظمة إلى أن عدم وجود تهم رسمية ومحددة قبل القبض عليهم، يقود للشك بإن الإعتقالات التعسفية وما يعقبها من خطوات محتملة تمارس في السعودية، كالسجن الإنفرادي المطول والتعذيب والحرمان من المحامي ومن حقوق متعددة كإمكانية الطعن القانوني في الإعتقال وغير ذلك، سيجعل المجال مفتوحا لأجهزة المباحث والإدعاء والقضاء من الإستغلال السياسي من خلال تكوين وبلورة وتلفيق إتهامات، وحرمان المعتقلين من حقهم في إفتراض البراءة.
تعرب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان عن خشيتها من المعلومات التي تنقالتها الوسائل الإعلامية الرسمية السعودية والتي تشير إلى أن النيابة العامة تعتزم “المطالبة بتطبيق الأمر الملكي رقم 44/أ الصادر في 3 فبراير 2014، والخاص بنظام مكافحة الإرهاب وتمويله، والذي ينص على معاقبة المنتمين للتيارات المتطرفة بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على عشرين سنة”، وتطالب المنظمة الحكومة السعودية بالإفراج الفوري عن كافة المعتقلين تعسفيا لأسباب سياسية، وفي حال مواجهتهم تهما قانونية تشدد المنظمة على أهمية تأمين شروط المحاكمة العادلة والعلنية لهم قبل الاعتقال، والكف عن تشويه سمعتهم في الإعلام الرسمي.