فيما تتهيأ المملكة العربية السعودية لتطبيق قرار رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في 24 يونيو 2018، شهدت أوضاع النساء في البلاد تدهورا مقلقا.
وكان الملك السعودي قد أصدر أمراً في 26 سبتمبر 2017 بتطبيق أحكام المرور ولائحته التنظيمية على أن تتضمن إصدار “رخص القيادة – على الذكور والإناث على حد سواء، وأن تشكل لجنة على مستوى عال من وزارات : (الداخلية، والمالية، والعمل والتنمية الاجتماعية)؛ لدراسة الترتيبات اللازمة لإنفاذ ذلك”، وهذا ما أنهى عقودا كانت السعودية الدولة الوحيدة في العالم التي تحرم النساء من قيادة السيارة.
روجت الحكومة السعودية للأمر الملكي على أنه تحول في سياسة الدولة تجاه حقوق المرأة، ففي لقاءات ولي العهد محمد بن سلمان الإعلامية بينها مع قناة “سي بي إس” الأميركية في 18 مارس 2018، أكد أن خطوة القيادة هي البداية لإعطاء النساء بقية حقوقهن، من أجل “المساواة مع الرجل“.
بعد تصريح محمد بن سلمان بشهرين، وفي وقت كان يُنتظر أن يترجم تصريحه الى بداية فعلية في إستكمال بقية حقوق المرأة في البلاد، أقدم جهاز رئاسة أمن الدولة الذي يرجع للملك سلمان مباشرة، على خطوات قمعية مباغتة ضد قياديات وناشطات في مجال حقوق المرأة، ما ألقى بظلال الرهبة والتخويف على الجيل العريض من النساء والفتيات اللاتي ينشطن في مطالب حقوقية متنوعة، الأمر الذي قد ينعكس على تحجيم نشاطهن بعد الإعتقالات وماصاحبها من حملة إعلامية رسمية شرسة.
ففي مايو 2018، أقدمت الحكومة السعودية على سلسلة إعتقالات تعسفية، طالت رموزا نسائية في مجال حقوق المرأة، وشابات من الناشطات في حملات المطالبة والدفاع والمناصرة، كان من بين أبرز أنشطتهن على مدى سنوات وعقود، هو الضغط لإعطاء النساء حقوقهن وأبرزها الحق في قيادة السيارة. من بين المعتقلات المدافعة عن حقوق الإنسان لجين الهذلول التي كانت قد أوقفت سابقا لمدة 73 يوما بسبب إنتهاكها حظر القيادة، كما أن من بينهن المدافعة عزيزة اليوسف التي لعبت دورا قياديا في الحراك النسائي المطالب بإيقاف حرمان المرأة من قيادة السيارة، والمعروفة بدفاعها عن حقوق الإنسان ومعتقلي الرأي. حملة الإعتقالات طالت أيضا المدافعة إيمان النفجان، التي كانت قد تعرضت سابقا لمضايقات على خلفية دورها في حملة المطالبة بحق المرأة بقيادة السيارة، مثل الإستدعاءات المتكررة والضغط من أجل توقيع تعهدات بوقف الأنشطة.
إضافة إلى ذلك إعتقلت الحكومة السعودية المدافعة نوف عبد العزيز الدوسري في 6 يونيو 2018 على خلفية نشاطها الحقوقي وخاصة في مجال الإعتقالات التعسفية وحقوق المرأة. وبعد يومين على إعتقالها أُعتُقِلت المدافعة مياء الزهراني بسبب تضامنها معها عر نشرها لرسالة كانت قد كتبتها نوف قبل إعتقالها.
وكانت الحكومة السعودية قد ألقت القبض في فبراير 2018 على المدافعة نهى البلوي وأوقفتها 3 أسابيع، ويُعتقد أن السبب تغريداتها التي طالب بحقوق المرأة، والتمثيل السياسي، وفصل السلطات، والإفراج عن سجناء الرأي والعلاقة بين السعودية و”إسرائيل”..
إضافة إلى ذلك إعتقلت الحكومة السعودية والدة المعارض المقيم في لندن عبد الله الغامدي، السيدة المسنة عايدة الغامدي، بسبب تلقيها هدية من إبنها تتمثل في مبلغ مالي بسيط، ويعتقد أن هذا الإعتقال ضمن سلسلة إجراءات إنتقامية من نشطاء الخارج، بدأت تبرز مؤخرا.
إلى جانب الإعتقالات الأخيرة لا زالت عدد من المدافعات عن حقوق الإنسان في السجن، وبينهن المدافعة نعيمة المطرود التي حكم عليها بالسجن 6 سنوات بموجب قانون مكافحة الإرهاب على خلفية نشاطها الحقوقي، والمدافعة إسراء الغمغام. كما لاتزال السعودية تمارس أساليب قمعية أخرى كالمنع من السفر للمدافعة سمر بدوي على خلفية نشاطاتها في مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وكذلك تمارس السعودية وعلى نطاق متوسع التحقيق مع النساء وإجبارهن على توقيع تعهدات بعدم ممارسة أي نشاط وتهديدهن بالإعتقال في حال مارسوا أي نشاط مشروع.
تضاف هذه الإعتقالات والإنتهاكات إلى قوانين مكتوبة أو عُرفية لا زالت تكرس التمييز بحق النساء، وخاصة مسألة ولاية الرجل على المرأة، فعلى الرغم من صدور أوامر تسمح للنساء بالحصول على بعض الخدمات، وبغض النظر عن مدى فاعلية هذه الأوامر ومدى تطبيقها على أرض الواقع، إلا أن النساء لا زلن ممنوعات من السفر دون أذن الولي، كما لا زالت بعض المؤسسات ترفض توظيف النساء من دون موافقة أولياء أمورهن.
تنتظر النساء السعوديات بداية قيادة السيارة، فيما تقبع رائدات الحملات التي دافعت عن هذا الحق خلف القضبان، وفي ظل إنتهاكات عدة لازالت تطال النساء على أكثر من صعيد، وقوانين لا زالت تحرمهن من حقوقهن الأساسية.
تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن رفع الحظر عن قيادة السيارة هو نتاج عقود من النضال النسوي، وترى أن إعتقالات الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة هو محاولة من الحكومة السعودية للحد من إندفاع المرأة للمزيد من المطالبات، خصوصاً مع ما ستتيحه قيادة المرأة للسيارة من المزيد من الفاعلية والتحرك. وتشدد المنظمة على أن رفع الحظر عن القيادة لايمكن أن يفهم على أنه نوايا حسنة من الحكومة تجاه حقوق المرأة، في وقت تمارس التخوين والتشويه لرائدات حقوق المرأة، ولاتزال تمارس القمع بأساليب متنوعة، والحرمان من حقوق أخرى بديهية.