في 5 أكتوبر 2016 انتهت محكومية الناشط خالد العمير بالسجن ثمان سنوات، بتهمة الدعوة إلى مظاهرة لمناصرة فلسطين التي كانت تتعرض لحرب دموية من الإحتلال الإسرائيلي بين أواخر ديسمبر 2008 حتى يناير 2008، وكان يفترض على الحكومة السعودية الإفراج عنه، إلا إنها لم تفعل ذلك، حيث اعتادت كثيرا على عدم إطلاق سراح السجناء فور إنتهاء محكوميتهم، ما دفعه إلى إعلان إضراب عن الطعام استمر 28 يوما، أوقفه في 3 نوفمبر 2016، بعد أن قررت الحكومة اتخاذ خطوة أخرى قبل إطلاق سراحه، وذلك بإرساله إلى (مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية) الذي تقول الحكومة السعودية أنه “مؤسسة إصلاحية مختصة بعمليات المعالجة الفكرية للمتطرفين”، على الرغم من أن التهم التي وجهت للعمير تتعلق بالدعوة إلى مظاهرات تضامنية مع القضية الفلسطينية.
ويعد المركز، الذي تأسس في العام 2006، جزءً من إجراءات اتخذتها الحكومة السعودية تقول عنها إنها من أجل مكافحة الإرهاب، حيث يرأسه ولي العهد ووزير الداخلية الحالي محمد بن نايف، ويشغل منصب نائب الرئيس مدير عام المباحث العامة، الذي هو حاليا الفريق أول عبدالعزيز بن محمد الهويريني، ويشتهر جهاز المباحث بممارسات التعذيب الممنهجة، التي أفضت إلى الموت أو الإعاقة في حالات. كما يشغل عضوية المركز عدة وزارات من بينها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد التي تضم أكبر تجمع رسمي لرجال دين درج عدد منهم على بث خطابات الكراهية والإقصاء الديني.
يحدد المركز رسالته أنها “إعادة التأهيل الفكري وتعزيز الانتماء الوطني لمن وقع في الغلو والتطرف من خلال برامج علمية وعملية متخصصة، والإسهام في جهود وقاية المجتمع من الأفكار المنحرفة”، وقد تخرج من المركز في الفترة من منذ 2007 حتى 2015، 3071 فردا بحسب موقع المركز الإلكتروني. يقول المركز، إن أهدافه تتمثل في عدة غايات، منها ترسيخ الاعتدال والإنتماء الوطني ونبذ التطرف والأفكار المنحرفة، وبناء المعرفة والممارسة الأفضل بقضايا التطرف الفكري.
التعريف الذي قدمته الحكومة السعودية للمركز، ورسالته وأهدافه، يجعل من تحويل الناشط السياسي خالد العمير إليه أمراً مستهجناً، حيث لا توجد علاقة بين إختصاص المركز (المعالجة الفكرية للمتطرفين) وبين النشاط السياسي والمطالب الإصلاحية التي اتصف بها العمير. كما أن السعودية تقول إن سياساتها تتضمن تعاطيا للقضية الفلسطينية، وتلقي غالبا 3 بيانات سنويا في مجلس حقوق الإنسان حول القضية الفلسطينية، وقد قدمت عشرات الخطابات دعما لفلسطين في الوقت الذي كان العمير موجودا في السجن بتهمة التظاهر لأجل فلسطين.
ومن خلال حالات أخرى، يتضح أن الحكومة السعودية أعتادت على إرسال نشطاء أو غير متطرفين إلى المركز، ومنهم العضو المؤسس في جمعية الحقوق المدنية والسياسية محمد البجادي، الذي اعتقل على خلفية دوره في الدفاع عن حقوق الإنسان، حيث واجه تهما تتعلق بالتأسيس لمنظمة غير مرخصة، وحيازة كتب ممنوعة ودعم مظاهرات، وحكم على أساسها بالسجن عشر سنوات. حيث تم تحويله على مركز المناصحة بعد أن قضى سنينا في السجن، على خلفية نشاطه في الدفاع عن حقوق الإنسان وعضويته كمؤسس في جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم).
إضافة إلى ذلك تبرز قضية علي الربح الذي أعدم في 2 يناير 2016 رغم إدخاله برنامج المناصحة في قرابة 10 أكتوبر 2014 وذلك بعد صدور حكم الإعدام الإبتدائي عليه في 9 يونيو 2014. تخرج علي من المركز في قرابة مارس 2015، متفوقا بدرجة 38 من 40، وتم إخباره ان الخطوة التالية هي نقله خلال شهور إلى إستراحة في الدمام لتقييمه ويحتمل الإفراج، ولكن كانت الخطوة الفعلية إعدامه بعد قرابة 7 شهور من المناصحة. اعتقل علي بعمر 18 سنة وشهرين، وكانت التهم الموجهة تتعلق بعمره وهو أقل من 18 سنة.
كما أن من بين الذين تم تحويلهم إلى المركز لمدد مختلفة امتدت لأشهر، رغم إن التهم التي واجهوها لا تتعلق بالإرهاب: فهد محمد الجعيدي، سليمان محمد الثبيتي، تركي الجاسر، عبد العزيز الحسين.
ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إن تحويل السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمتظاهرين للمركز، هو إشارة إضافية تؤكد استغلال الحكومة السعودية لما تسميه مكافحة الإرهاب في استهداف المطالب الإصلاحية والحقوقية.
تحويل المتظاهرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين للمركز، يتضح منه غياب المعيارية، أو خلل فيها، كما أنه لا يتم بأمر من المحكمة أو يتعلق بالحكم الذي صدر على المتهم.
إن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ترى إن تحويل العمير -كما باقي النشطاء والحقوقيين، بغض النظر إلى الأحكام القضائية التي صدرت بحقهم- إلى مركز المناصحة الذي من المفترض أن يكون مختصا بالإرهابيين، يفصح عن إجراءات معيبة جدا تمارسها الحكومة السعودية تجاه حرية الرأي.
وتوضح المنظمة أن ما واجهه النشطاء والحقوقيين، من خلال وضعهم في أماكن خصصتها للإرهابيين، يبرز التشويش والضبابية في تعريف الإرهاب وتطبيقاته على أرض الواقع، وهذا ما يتعارض مع الممارسات الدولية المُقرة في مكافحة الإرهاب.
إن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تؤكد خطورة منهج الخلط الذي تمارسه الحكومة السعودية في ملف الإرهاب، والذي يزيد من وضع حقوق الإنسان السيء في السعودية سوءً.