ظهرت خلال السنوات الأخيرة، محاولات المملكة العربية السعودية غسيل صورتها أمام العالم. برز ملف “حقوق المرأة”، على واجهة محاولات الغسيل، حيث رفعت الجهات الرسمية شعارات تمكين المرأة، ولم يخلو تصريح لولي العهد محمد بن سلمان تقريبا من الحديث عن التغيرات في تعامل بلاده مع النساء.
مقابل الدعاية والتصريحات، كان واقع النساء في السعودية يزداد تدهورا بالتوازي مع حملات شرسة على المجتمع المدني والنشطاء والناشطات والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان بهدف منع المعلومات من الوصول.
روجت السعودية إلى أن أبرز معالم تغير تعامل الحكومة مع ملف حقوق المرأة، كان رفع الحظر عن قيادة السيارة. القرار الذي كان من المفترض أن يبدأ تنفيذه في يونيو 2018، سبقته حملة غير مسبوقة على النساء في البلاد. ففي مايو 2018، أقدمت الحكومة السعودية على سلسلة إعتقالات تعسفية، طالت رموزا نسائية في مجال حقوق المرأة، وشابات من الناشطات في حملات المطالبة والدفاع والمناصرة، كان من بين أبرز أنشطتهن على مدى سنوات وعقود، الضغط لإعطاء النساء حقوقهن وأبرزها الحق في قيادة السيارة.
بعد ذلك، تلت وعود الإصلاح والترويج للتغييرات الكبرى، من بين ذلك الإعلان عن إغلاق دور الرعاية التي كانت تعتبر سجنا للنساء من ضحايا العنف، وصدور أوامر ملكية تعيد بعض حقوق النساء، مثل الحق في السفر واستخراج جواز سفر، وإنشاء وحدات توظيف لتعزيز عمل المرأة. توجت السعودية الغسيل بتعيينات لنساء في واجهة العمل السياسي والدبلوماسي والحقوقي. حيث عينت السعودية، هلا التويجري على رأس هيئة حقوق الإنسان الرسمية، واستلمت عدة أميرات مناصب دبلوماسية بينهم ريما بنت بندر، التي باتت سفيرة السعودية في الولايات المتحدة.
الواقع مقابل الغسيل:
مقابل الادعاءات التي سوقت لها السعودية، تبان قصص لضحايا انتهاكات جسيمة وغير مسبوقة هي واقع النساء. فبالتوازي مع سيطرة ولي العهد محمد بن سلمان على مرافق الحكم، بدأت تظهر معالم الانتهاكات. في عام 2017 حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على الناشطة نعيمة المطرود بالسجن والمنع من السفر على خلفية تهم تتعلق بالتعبير عن الرأي. ومع بداية العام 2018، شنت السعودية حملة اعتقالات طالت ناشطات عرفن بدفاعهن عن حقوق الإنسان، بينهن لجين الهذلول، وعزيزة اليوسف، وإيمان النجفان ونهى البلوي ونوف عبد العزيز. وفي أغسطس 2018 طالبت النيابة العامة بالقتل بحق المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام على خلفية نشاطها. الاعتقالات بحق النساء لم تتوقف بل تزايدت خلال السنوات التي تلت، ومن بين من تم رصد قضاياهن، مناهل ومريم العتبيبي.
إلى جانب الاعتقالات، انتشرت قضايا عن أحكام مطولة وقاسية بحق ناشطات ومغردات، بينهن طالبة الدكتوراه سلمى الشهاب التي حكمت ل54عاما، ونورة القحطاني التي حكمت لتسعين عاما، وفاطمة الشوارب التي حكمت ستين عاما بتهم تتعلق بالتعبير عن الرأي في وسائل التواصل.
إلى جانب الاعتقالات، برز بشكل لافت ملف العنف ضد النساء خلال هذه السنوات، بما في ذلك العنف الرسمي والمنزلي. في مارس 2019، أكدت ناشطات ومدافعات عن حقوق الإنسان خلال جلسة محاكمة لهن تعرضهن للتعذيب وسوء المعاملة في السجن، بما في ذلك الصعق بالكهرباء والجلد والتحرش الجنسي.
وفي أغسطس 2022 تعرضت عدد من الفتيات في دار التربية الإجتماعية في منطقة خميس مشيط إلى الضرب بشكل عنيف من قبل رجال أمن ورجال ملثمين.مقاطع مصورة انتشرت على وسائل التواصل الإجتماعي بينت استخدام أدوات بينها الكرباج والعصي، إلى جانب الضرب والشد بالشعر ضد الفتيات في الدار المسؤول عن رعاية اليتيمات بشكل أساسي. كما بينت المقاطع تهديد الرجال للفتيات اللواتي كن يعملن على توثيق الاعتداء وتصويره.
وبحسب المعلومات التي تداولها النشطاء على مواقع التواصل الأجتماعي كان عدد من الفتيات قد رفعن سابقا شكاوى ضد مدير الدار، كما طالبت عدة فتيات بحقوقهن، ورفضهن للفساد الإداري المستشري، وحين لم يتم التجاوب معهن أعلنّ الإضراب ما دفع إدارة الدار إلى استخدام العنف برعاية ومشاركة رجال الأمن. كما أكد مغردون تعرض الفتيات لانتهاكات بشكل مستمر سابقا من بين ذلك الشتم والأذى النفسي.
لم يتم التحقيق بشكل فعال في هذه الادعاءات، بل إن المعلومات أشارت إلى تعرض فتيات للإخفاء القسري والاعتقال على خلفية الحديث عن هذه الانتهاكات بينهن عايشة النجيبابي التي انتقدت علنا دور الرعاية.
إلى جانب الاعتقال وسوء المعاملة والأحكام التعسفية، تواجه الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية انتهاكات نوعية، من بينها منع السفر الذي يفرض عليهن بعد انتهاء مدة حكمهم وهو ما يزيد الخناق على نشاطهن.
تظهر هذه الحقائق أن واقع النساء خلال السنوات الأخيرة، شهد تدهورا لا يمت إلى التصريحات والوعود الرسمية بصلة. هذه الوقائع تعد جزءا صغيرا من المشهد الكامل والحقيقي للانتهاكات. فإلى جانب قمع المجتمع المدني، ومنع أي نشاط للمدافعين والمدافعات، يساهم الترهيب الذي تعيشه العائلات، في منع وصول قصص الضحايا وانتشارها.
قصص لم تروى:
فرضت السعودية طوقا من الصمت على المجتمع، منع قصص الضحايا من الوصول، بهدف الحد من سبل الدفاع عنهن من جهة، ومساندة محاولات الغسيل بطمس الحقيقة. وردت إلى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان قصص مروعة من السجون ومن خارجها، إلا أن المخاوف على حياة وسلامة وحرية الضحايا أو عائلتهم تمنع نشر التفاصيل. تروي المنظمة بعضا من القصص، بأسماء مستعارة وبحسب المتاح من المعلومات، لتظهر أن الواقع أشد صعوبة وسوداوية مما يعرف العالم:
مها:
عام 2022 وقبل اعتقالها، كانت تصل إلى مها العديد من الاتصالات المريبة من عدة أرقام وأصوات مختلفة لنساء ورجال، إلى أن تمت مداهمة منزلها من قبل رجال ونساء بلباس مدني، ومعهم أسلحة وكاميرات. تم تخويف الأطفال وهم نيام، وفتشت القوة المداهمة غرفة مها، وأزاحت أغراض الغرفة، وعمدوا إلى تصوير كل ما وقعت عليه أعينهم ثم مصادرة الأجهزة الالكترونية.
من دون معرفة تهمها، أخذت مها بسيارة خاصة إلى جهة غير معلومة خارج مدينتها الواقعة في شمال البلاد. كان والدها يتبعهم بسيارته، إلى أن وصلوا إلى جدة، فطلبوا منه الانصراف، ثم وضعوها في سجن ذهبان.
حينها قالت إدارة السجن للعائلة، أن قضيتها بيد أمن الدولة وقد تمكث طويلا في السجن، إلا أنهم رفضوا أن يخبروا العائلة بسبب الاعتقال والتهم.
تعرضت مها للإخفاء القسري لمدة ثلاثة أشهر. بعدها تمكنت عائلتها من زيارتها، حيث ظهرت عليها علامات التعب وخسارة الوزن، فيما لم تستطع الحديث عن ما تعرضت له.
لاحقا، عرفت مها أن إحدى صديقاتها تعرضت للاعتقال وأنها ذكرت إسمها ونشاطها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب التعذيب الشديد الذي تعرضت له داخل السجن.
أمضت مها قرابة العام في السجن، وأفرج عنها ولكن مع سوار تعقب في رجلها. وبحسب المعلومات تم إعطاء مها هاتف خاص وهي مجبرة على الرد على الاتصالات التي تردها عليه.
على الرغم من إطلاق سراحها لا زالت الانتهاكات تلاحق مها، كما أنها لا زالت مليئة بالذعر والخوف والحزن.
فاطمة:
كانت فاطمة تسكن في شمال البلاد. هي صديقة ومها تم اعتقالها قبلها بشهر تقريباً. تعرضت للتعذيب والضرب حتى أفصحت عن اسم مها، وأخريات وكلهن صديقات يلتقين باستمرار، وقد نشطن على منصة تويت. تم إخفائها واعتقالها قسريا، كما تعرضت للتعذيب الشديد وسوء المعاملة.
عائشة:
غادرت عائشة السعودية في ظل الانتهاكات المتصاعدة لحقوق الإنسان. طلبت اللجوء في النرويج، إلا أنها وبعد وعود رسمية من السفارة بعدم التعرض لها، عادت إلى السعودية. في أكتوبر 2017، اعتقلت فور وصولها إلى الرياض وتعرضت لإخفاء القسري.
إيلاريا (مضيفة طيران إيطالية):
كانت إيلاريا تسكن في السعودية بحكم عملها. داهمت قوات أمنية بلباس مدني المنزل الذي كانت تسكن فيه واعقتلها من دون مذكرة إنذار. أخفيت قسريا لمدة شهر لم تعرف عائلتها مكان وجودها، وتعرضت لسوء المعاملة أثناء احتجازها، حيث كانت الزنازين مكتظة، مما اضطر السجينات، إلى النوم على الأرض دون أسرة. بالإضافة إلى ذلك، لم تتمكن من الحصول على الملابس أو الضروريات الأساسية أثناء اعتقالها، وسط نقص المياه ونقص الرعاية الطبية اللازمة. واستمر هذا الوضع حتى تمكنت سفارتها من تحديد مكانها وتزويدها بالمستلزمات اللازمة. لاحقا عرضت على محكمة من دون محام وحكم عليها بالسجن 6 أشهر، بتهم تتعلق بحيازة مخدرات بعد محاكمة غير عادلة. أكدت إيلاريا أن هناك عشرات السجينات المعتقلات وبينهن قاصرات على خلفية تهم تتعلق بالمخدرات، وأن ظروف السجن سيئة للغاية.
لم تقتصر محاولات الحكومة السعودية لغسيل صورتها الدموية، على تكرار خطاباتها المضللة وغير الواقعية أمام الهيئات الدولية وفي المنابر الإعلامية، بل باتت تستخدم وجوها نسائية لتعبر عن توجهاتها الرسمية ولتعتم على الواقع.
ترى المنظمة الأوروبية السعودية أن هذه المحاولات، لم تمنع الحقيقة من السطوع، حيث استمرت قصص المعتقلات والمعنفات وقضايا النساء اللواتي يواجهن حملة غير مسبوقة من القمع في الظهور إلى العالم. وتعتبر المنظمة أن واقع النساء يؤكد أن السنوات الأخيرة، كانت من السنوات الأشد قسوة، حيث تمت معاملة المدافعات والناشطات على أنهن مجرمات، ولم تستطع الأنظمة والقوانين التي روجت لها الحكومة الحد من العنف، واتسعت دائرة استهداف النساء لتشمل كل من لا تعبر عن الرأي والتوجهات الرسمية.
تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن استخدام السعودية لملف حقوق المرأة، قابلته قصص النساء والضحايا على أرض الواقع على الرغم من التعتيم والترهيب والتضييق.