المقدمة:
بأكبر مجزرة في تاريخ المملكة العربية السعودية، وبأحكام قياسية تقترب من قرن، أحكم محمد بن سلمان في 2022، أكثر من أي وقت مضى، قبضته على البلاد، بتعيين نفسه رئيسا لمجلس الوزراء، محصنا بالمصالح والدبلوماسية عن أي ملاحقة، ومطلق اليدين في الانتهاكات الشنيعة لحقوق الإنسان.
مع بداية 2022، وعلى وقع أزمات الطاقة والتقلبات السياسية العالمية والحرب الروسية الأوكرانية، تكسّر “الحظر الدبلوماسي” على السعودية. فبعد زيارة الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون نهاية 2021، افتتح بن سلمان موسم الزيارات الدبلوماسية التي كانت “محظورة” منذ قتل الصحفي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في اسطنبول، وضاعت تراتبية ملف حقوق الإنسان بين ملفات الطاقة والاقتصاد.
في مارس 2022 استقبل بن سلمان رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، وفي يوليو الرئيس الأميركي جو بايدن، وفي سبتمبر المستشار الألماني أولاف شولتس. وتشكل هذه الزيارات غيضاً من فيض التطبيع الذي قامت به الدول مع انتهاكات السعودية.
وكانت عدة دول قد رجعت خطوة للخلف في علاقتها العلنية مع بن سلمان، بعد ضغط حقوقي، تجنبا لتشويه صورتها بعلاقة مخزية مع شخص يمارس وحشية لا يمكن التنبؤ بحدودها، بعد جريمة قتل خاشقجي الوحشية التي التصقت به. بالتالي، مع توالي الحج الدبلوماسي إليها في هذا العام، تعافت السعودية وبشكل سريع من تبعات الحظر، وتحولت استجابتها للضغوط الحقوقية إلى شجاعة أكثر على ارتكاب المزيد من الانتهاكات دون رادع.
بالتوازي مع “كسر العزلة” نفذت السعودية في مارس، الإعدام الجماعي الأكبر في تاريخ البلاد، تلا ذلك انتهاكات جسيمة، من بينها أحكام تعسفية وصلت إلى 90 عاما بحق نشطاء، ليس لجرائم عظيمة، بل لمجرد تغريدات، حقاً.. مجرد تغريدات.
في سبتمبر عين بن سلمان نفسه رئيسا للوزراء بأمر ملكي، معلنا بذلك سيطرته التامة العلنية على صناعة القرار ونواحي الدولة. بعد أيام من ذلك، رفض القضاء الأميركي دعوى ضده على خلفية مسؤوليته عن قتل خاشقجي، وبررت وزارة الخارجية الأميركية الرفض في أنه بات يمتلك حصانة بصفته رئيسا للوزارء.
وفيما تكثفت الاحتفالات والمهرجانات في مناطق السعودية المختلفة، كانت محاولات فرض الصمت على المجتمع بالترهيب والاعتقال وقمع الحريات تتزايد. ولكن، وعلى الرغم من استمرار حملات الغسيل الرياضي والأكاديمي والدبلوماسي والترفيهي واستمرار دفع المليارات، بقيت صور الضحايا وقصصهم تتناقل، لتظهر أن محاولات السعودية رسم صورة مزيفة لن يخفي عمق الانتهاكات.
الإعدام:
تحاول المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان من خلال تقريرها السنوي 2022، تسليط الضوء على واقع حقوق الإنسان في السعودية، بناء على ما تم رصده من قضايا خلال العام، مع التأكيد الكامل على أن هذا التقرير لا يعكس سوى نسبة ضئيلة من الإضطهاد الجاري في البلاد.
أظهر تعامل الحكومة السعودية في ملف الإعدام الوجه الحقيقي لها، وبينت أرقام الإعدامات المنفذة التي وصلت إلى 147 (حتى تاريخ 23 نوفمبر)، اختلافا جذريا بين ما روجت له والواقع.
المسار اتضح في الأشهر الأولى من 2022، بعد تنفيذ أكبر إعدام جماعي في تاريخ البلاد، حيث قتلت السعودية في 12 مارس 81 شخصا، معظمهم لم يواجهوا تهما من الأشد خطورة وحكموا بالقتل تعزيرا. الملفت وبشكل كبير، أن ذلك حصل بعد 9 أيام من تصريح قال فيه بن سلمان أن السعودية تخلّصت من عقوبة الإعدام ما عدا فئة واحدة مذكورة في القرآن حسب زعمه. ومع انقضاء الربع الأول من العام، وصل عدد الإعدامات المنفذة إلى 100، وفي أكتوبر وصل العدد في مجمل فترة تولي الملك سلمان وابنه الحكم، منذ يناير 2015، إلى ألف إعدام.
يتعذر الإحاطة بتفاصيل معظم هذه القضايا، وما استطاعت المنظمة الأوروبية السعودية توثيقه، أفصح عن انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في عدد من القضايا. من بينها قضية عقيل الفرج، الذي أعدم ضمن مجزرة مارس الجماعية. التوثيق أكد أنه تعرض للتعذيب الشديد والحرمان من الحق في الدفاع عن النفس، كما أنه لم يواجه تهما من الأشد خطورة، في وقت تزعم السعودية في خطاباتها في المحافل الدولية أنها لا تعدم إلا على الجرائم الاشد خطورة.
بحسب إحصائية الأشخاص المهددين بالإعدام، يبلغ عددهم حتى نهاية العام، 61 شخصا. المؤشرات التي رصدتها المنظمة تؤكد أن العدد أكبر بكثير. يتوزع المهددون على مختلف درجات التقاضي. حيث تطالب النيابة العامة بقتل عدد من الأشخاص، من بينهم الباحث حسن المالكي والشيخ سلمان العودة، اللذان لا زالا يواجهان ممطالة في محاكمتهم منذ اعتقالهم في سبتمبر 2017.
صدرت أحكام ابتدائية جديدة بحق القاصرين جواد قريريص، وعلي السبيتي الذي يعد أصغر معتقل سياسي يواجه عقوبة القتل في السعودية حاليا، وبحق أفراد تعرضوا لتعذيب وحشي، بينهم سعود الفرج و محمد اللباد. وفي 2 أكتوبر أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة أحكاما أولية قضت بإعدام ثلاثة من قبيلة الحويطات، شادلي وعطالله وإبراهيم الحويطي، وذلك على خلفية رفضهم لمخططات التهجير القسري.
إضافة إلى ذلك، يواجه مواطنان بحرينيان خطر الإعدام في أي لحظة بعد أن صادقت المحكمة العليا على حكميهما، على الرغم من الانتهاكات التي شابت محاكمتهما، فيما صادقت محكمة الاستئناف المتخصصة على عدد من أحكام الإعدام، بينها حكم بحق القاصرين عبد الله الدرازي وجلال اللباد، فيما أعادت المحكمة الحكم بقتل القاصر عبد الله الحويطي قصاصا بعد أن كانت المحكمة العليا قد نقضت الحكم بقتله بحد الحرابة. الإصرار على إصدار أحكام إعدام بحق قاصرين، هو من أبرز صور التدهور الكبير الذي حدث في هذا الملف، وحاليا، يواجه 8 قاصرون خطر الإعدام على الأقل.
وفي نوفمبر 2022، وبصورة مفاجئة عادت السعودية إلى تنفيذ أحكام الإعدام بتهم تتعلق بالمخدرات، وذلك بعد عامين و10 أشهر من توقفها عن ذلك، حيث أعلنت وزارة الداخلية تنفيذ 20 حكم إعدام، بين 10 و 23 نوفمبر، فيما أشارت معلومات وقفت عليها المنظمة، إلى إمكانية تنفيذ أحكام أخرى بسرية ودون الإعلان عنها.
وكانت هيئة حقوق الإنسان الرسمية قد روجت لوقف أحكام الإعدام بجرائم مخدرات، على أنه إنجاز في تحسين الواقع الحقوقي، واعتبر رئيسها آنذاك، عواد العواد، أن ذلك يهدف إلى “إعطاء الأفراد الذين يواجهون تهما غير عنيفة فرصة ثانية”. العودة الغريبة والمضطربة لقتل متهمي جرائم المخدرات يؤكد بعمق السلوك الغادر الذي تنتهجه السعودية، والخطر الجدي الذي تجدد على أعداد قد تصل للمئآت أو الآلاف من المتهمين بجرائم مخدرات، والذي تغص بهم السجون.
إضافة إلى ذلك، تستمر السعودية في نهج احتجاز الجثامين، حيث وصل عددها إلى 132 جثمانا على الأقل، يعود 12 منها على الأقل إلى قاصرين. كما أكدت المعلومات أنها حرمت عائلات الضحايا من حقهم بإقامة العزاء العلني عبر تهديدات مباشرة، إلى جانب الحرمان من الحق في الوداع الملائم، حيث تمت الإعدامات من دون إبلاغ العائلات.
التعذيب وسوء المعاملة:
تشكل الأجهزة الرسمية وفي مقدمتها رئاسة أمن الدولة التي ترجع مباشرة للملك، شبكة متينة لممارسة التعذيب الممنهج، الذي يتم بأوامر ورغبة وتغاضي، الملك وولي عهده وأعلى المسؤولين. في سبتمبر 2019 وصف بن سلمان المعلومات عن تعذيب المدافعة عن حقوق الإنسان لجين الهذلول بالشنيع “إن حصل”. تبع ذلك التصريح تجاهل تام لإجراء تحقيق في دعوى الهذلول التي أكدت فيها مسؤولية المساعد المباشر لبن سلمان سعود القحطاني عن تعذيبها، وحتى اليوم لم يتم محاسبة المعذبين، ما يفضح في أقل الأحوال، رضى بن سلمان عن جريمة التعذيب المتفشية أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البلاد.
بيّن رصد المنظمة الأوروبية السعودية مسؤولية مباشرة تتحملها كافة الجهات الرسمية التابعة للملك وولي العهد عن التعذيب، ما يجعله يتم بأوامر مباشرة أو تغاضي مباشر، وفي بلد كالسعودية، لاتوجد فيه سلطات منفصلة، فإن المسؤول الأول عن جريمة هو بن سلمان.
وبّين الرصد أن التعذيب وسوء المعاملة يبدأ خلال مرحلة التوقيف والتحقيق، ويستمر خلال المحاكمة وبعد صدور الأحكام. كما أشار توثيق عشرات القضايا إلى انعدام أي سبل لمحاسبة المنتهكين، وخاصة مع ارتباط الأجهزة المسؤولة عن الانتهاكات بالملك وولي العهد بشكل مباشر.
أحد الشواهد على حرص السعودية على عدم فضح ما تقوم به من تعذيب، هو استمرار تجاهلها لطلبات الزيارة التي قدمها المقرر الخاص المعني بالتعذيب في الأمم المتحدة خلال 16 عاما، والتي جددها خلال هذا العام. وكان المقرر الخاص قد أرسل خلال 10 أعوام، 86 رسالة تتعلق بتعرض أفراد للتعذيب، ما يؤكد استفحال هذه الممارسة في السعودية.
وبين توثيق العديد من القضايا، تعرض المعتقلين الذين يواجهون خطر الإعدام إلى انتهاكات واسعة، بما في ذلك سوء معاملة وتعذيب داخل السجن. ففي أغسطس أيدت محكمة الاستنئاف المتخصصة الحكم بإعدام القاصر عبد الله الدرازي، على الرغم من تأكيده أمام القاضي أنه تعرض لتعذيب لإجباره على الإدلاء بأقوال محددة، ما تسبب بحروق حول العين وتكسر في الأسنان، بالإضافة إلى آلام في الركبة وفي الأذن، ما أدى إلى نقله إلى المستشفى أكثر من مرة.
إضافة إلى الدرازي، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة بالقتل على محمد اللباد، بعد انتزاع اعترافات منه تحت التعذيب الوحشي، حيث وضع في غرفة مظلمة لأيام، وفي غرفة شديدة البرودة، ثم وضعوه في غرفة ذات إضاءة قوية لمنعه من النوم. كما تعرض للشتم والقذف، والتهديد باغتصاب أخواته والتهديد بالقتل. أدى التعذيب الذي تعرض له إلى الإغماء المتكرر وهبوط الضغط وضعف نبض القلب، ما أدخله المستشفى. كما أدى التعذيب إلى آلام متواصلة ومستمرة منعته من النوم، إلى جانب آثار طويلة الامد، بينها النسيان وعدم التركيز. رفض أربع مرات التوقيع على ما كتبه المحقق، ولكن في كل مرة يتجدد تعذيبه بسبب الرفض، حتى صادق عليها مكرها، تجنبا للتكرار التعذيب الوحشي.
ويستمر سوء المعاملة والتعذيب على بعض المعتقلين حتى بعد إصدار أحكام بحقهم، حيث أكد ميثم التمار، وهو أحد المعتقلين السابقين من الجنسية الباكستانية، أنه شهد على أنواع مختلفة من التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون، وبينهم سعود الفرج المهدد بالإعدام. التمار أشار إلى أن ضباط السجن ضربوا الفرج بشدة وأعادوه إلى الزنزانة وهو ينزف، بسبب تقديمه شكوى إلى ولي العهد تحدث فيها عن الانتهاكات التي تعرض لها خلال التحقيق.
ممارسات الترهيب التي تفرضها الحكومة السعودية على المعتقلين وأهاليهم، وحتى على المعتقلين من الأجانب الذين يعودون إلى بلدانهم، لم تمنع الوصول إلى معلومات تكشف ممارسة التعذيب بشكل واسع. على الرغم من ذلك تستمر السعودية بنفي ممارسة التعذيب في المحافل الدولية. كما تدعي أن هيئة حقوق الإنسان الرسمية هي جهة محايدة تتقبل شكاوى المعتقلين في حال حصول أي انتهاك، ولكن لم يتم التحقيق بشكل جدي في أي من مزاعم التعذيب التي رصدتها المنظمة.
حرية الرأي والتعبير:
لم يصل مستوى القمع في السعودية إلى ما وصل إليه في عهد الملك سلمان وابنه، إلا أن 2022 شكلت صدمة إضافية في المدى الذي قد تصل إليه في قمع الحريات. ضاعفت السعودية الأحكام الصادرة بشكل تعسفي ضد أفراد على خلفية تعبيرهم عن رأيهم وممارسة حقوق مشروعة، كما صعّدت من استخدامها السيء للقوانين من بينها قانون مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، وقانون مكافحة جرائم المعلوماتية، لملاحقة النشطاء، وشهد 2022 أحكاما غير مسبوقة، وصلت إلى عقود من السجن والمنع من السفر.
ففي أغسطس أصدرت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة حكما يقضي بالسجن والمنع من السفر 68 عاما بحق المدافعة عن حقوق الانسان سلمى الشهاب (9 نوفمبر 1988)، على خلفية تهم تتعلق بآرائها السلمية على موقع التدوين المصغر “تويتر”.
وفي سبتمبر حكمت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة على الناشطة نورة القحطاني بالسجن والمنع من السفر لمدة تسعين عاما، بتهم تتعلق بحرية التعبير عن الرأي وحيازة كتاب. وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة قد أصدرت حكما ابتدائيا بسجنها لمدة 13 عاما، إلا أن المدعي العام رفض الحكم وطالب قضاة الاستئناف بتغليظه، بذريعة عدم إقرارها بالذنب وإمكانية عودتها إلى ممارسة الجرائم المزعومة.
وفي أكتوبر أصدرت محكمة الاستئناف المتخصصة، حكما يقضي بسجن المقيمة التونسية مهدية المرزوقي، لمدة 15 عاما بتهم تتعلق بتغريدات على موقع تويتر.
في 23 يونيو، اعتقلت السعودية الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي موسى الخنيزي. وقد شُنَت قبل اعتقاله بعدة أيام، حملة تحريض ضده على شبكات التواصل الاجتماعي، على خلفية مقطع فيديو صرح فيه أن الشيعة كانوا مضطهدين ويُشتمون على منابر الجمعة، في حوار مع امرأة على إحدى شبكات التواصل الإجتماعي.
إضافة إلى ذلك، لا زالت السعودية تعتقل العديد من الناشطين والناشطات على خلفية تعبيرهم عن رأيهم، من بينهم لينا الشريف التي كانت قد اعتقلت في مايو 2021، حيث كانت ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي وتطالب بالحريات والحقوق.
حقوق المرأة:
في أغسطس 2022 انتشر فيديو يعكس المدى الذي يمكن أن تصله الأجهزة الرسمية في التعامل العنيف في المرأة. الفيديو أظهر تعرض عدد من الفتيات في دار التربية الإجتماعية في منطقة خميس مشيط إلى الضرب بشكل عنيف من قبل رجال بزي أمني وزي مدني. مقاطع مصورة انتشرت على وسائل التواصل الإجتماعي بينت استخدام أدوات بينها الكرباج والعصي، إلى جانب الضرب بالأيدي والشد من الشعر ضد الفتيات، في الدار المسؤول عن رعاية اليتيمات بشكل أساسي. كما بينت المقاطع تهديد الرجال للواتي كن يعملن على توثيق الاعتداء وتصويره. على الرغم من الوحشية التي أظهرها الفيديو، حمّل الكثيرون ومن بينهم مصدر في النيابة العامة الفتيات المسؤولية، حيث وصف الاعتداء بـ “واقعة إتلاف المال العام في دار التربية الاجتماعية”. وقد انقطعت الأخبار حول الفتيات بعد نشرهن المقاطع، ولم ترد أي معلومات عن مصيرهن أو هل تمت محاسبة الرجال المُعَنِفين، كما لم يتم رصد أي تغير في ملف دور الرعاية التي تشير المعطيات إلى أنها تنطوي على انتهاكات عديدة.
استمرت السعودية خلال 2022 في محاولة تلميع صورتها في ملف حقوق المرأة عبر الحملات الإعلامية، وركزت على الحديث عن قفزات نوعية، وروجت لتعيينات نساء في وظائف رسمية مختلفة بما في ذلك السلك الدبلوماسي. في الواقع، فإن التعيينات تندرج في إطار الدعاية الرسمية واستخدام للمرأة بدلاً من تمكينها. استمرار السعودية باعتقال العشرات من المدافعات عن حقوق الإنسان والناشطات أو التضييق عليهن بالمنع من السفر يفضح زيف هذه المساعي وسطحيتها.
إضافة إلى ذلك، لا زال يجب على المرأة أن تأخذ الإذن من زوجها أو والدها وحتى الأبناء في بعض الحالات، في قضايا تتعلق بالزواج واتخاذ قرارات شخصية في حياتها. كما أن القوانين التي تغنت بها السعودية ومن بينها قانون الحماية من الإيذاء، لا تزال قاصرة عن حماية النساء سواء في السجون من العنف الرسمي، أو من العنف الأسري في البيوت.
المدافعون عن حقوق الإنسان:
صَعَّدت السعودية في انتهاكاتها بحق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، فإلى جانب سياسة المنع من السفر وحظر التواصل بحق الذين تم الإفراج عنهم منهم، استمرت في تجريم أنشطة الدفاع عن حقوق الإنسان.
وفيما كان من المفترض أن يتم الإفراج عن عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان بعد انتهاء مدة محكويتهم، وهم محمد الربيعة وعيسى النخيفي ومحمد القحطاني، عمدت إلى الاستمرار باعتقالهم.
المعلومات أشارت إلى أن الربيعة أعلن إضرابه عن الطعام بسبب عدم الإفراج عنه، فيما أكدت مصادر زيادة الحكم عليه بالسجن 17 عاما بعد إعادة محاكمته.
وفي 17 أبريل كان المدافع عن حقوق الإنسان عيسى النخيفي قد أعلن الإضراب عن الطعام من سجن الحائر في الرياض. وبحسب المعلومات فإن ذلك أتى على خلفية رفض مطالبه بإنهاء معاملات حكومية، أدى عدم إنهاؤها إلى أضرار على أهله وأطفاله.
في 26 مايو، تعرض المدافع عن حقوق الإنسان وعضو جمعية حسم، الدكتور محمد القحطاني، لاعتداء جسدي أثناء نومه في زنزانته بسجن الحائر في الرياض، من قبل سجين يعاني من أمراض نفسية، وذلك بحسب ما أفادت زوجته مهى القحطاني. في 24 أكتوبر 2022 أخفي القحطاني قسريا، ولا زال مصيره مجهولا حتى وقت صدور التقرير، فيما كان من المفترض أن يتم الإفراج عنه.
إضافة إلى ذلك، أضافت محكمة الاستئناف خلال هذا العام، ٥ سنواتٍ على حكم الناشطة إسراء الغمغام، ليصبح حكمها السجن ١٣ عاماً. اعتقلت الغمغام في ديسمبر ٢٠١٥ وكانت أول ناشطة تطالب النيابة العامة بقتلها، لتغير لاحقاً الطلب ويُحكم عليها بالسجن ٨ أعوام كان يفترض أن تنتهي بحلول سبتمبر ٢٠٢٣.
تكتظ السجون السياسية بالمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، ولكن تغيب أخبارهم بسبب التضييق عليهم وترهيب عائلاتهم.
حرية الصحافة:
لا زالت السعودية في قاع الدول فيما يتعلق بحرية الصحافة، فبحسب مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود 2022، تحتل السعودية المركز 166 من بين 180 دولة، وبحسب المؤشر تضاعفت نسبة الصحفيين المعتقلين فيها منذ عام 2017 ثلاثة أضعاف.
وتنتفي في السعودية حرية الصحافة، حيث تستحوذ الحكومة على وسائل الإعلام التقليدية، وتراقب وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف، وتلاحق الصحفيين والأفراد الذين يشاركون المعلومات من خلال الاعتقال والتضييق والغرامات المالية العالية، وصولا إلى القتل. إضافة إلى ذلك تجرم التواصل مع وسائل الإعلام حين لا يتطابق مع التوجهات الرسمية، وتستخدمه كتهمة لمقاضاة الأفراد.
بحسب الاحصاءات يقبع 26 صحفيا على الأقل في السجون، ولكن في ظل اتساع مفهوم الصحافة، من المتوقع أن هناك آخرين يقبعون خلف القضبان بسبب ممارسة لها علاقة بجوانب النشاط الإعلامي، كما استمر استخدام قانون مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله وقانون مكافحة جرائم المعلوماتية لتجريم عمل الصحفيين.
تبذل السعودية جهوداً متنوعة لمحاصرة الصحفييين، وتستخدم مختلف الوسائل، من بين ذلك المعلومات التي حصلت عليها رقميا لملاحقة صحفيين في الداخل والخارج. وفي ديسمبر حكمت محكمة اتحادية في سان فرانسيسكو الأميريكية على مدير موظف سابق في شركة تويتر، بسبب التجسس لصالح السعودية على نشطاء وصحفيين.
وتبقى قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي وانعدام أي محاكمة فعلية للمسؤولين المباشرين عن الجريمة وعلى رأسهم بن سلمان، شاهدا على مستوى ما يمكن أن تصل إليه الوحشية الرسمية في استهداف الصحفيين لمنع أي صوت.
المهجّرون:
رصدت المنظمة الأوروبية السعودية في 2022 انتهاكات بحق المهاجرين من طالبي اللجوء في العالم. وكانت أعداد المهاجرين قسريا من السعودية قد تزايدت مع أحداث الربيع العربي.
من بين هذه القضايا، قضية عبد الرحمن عبدالله البكر الخالدي الذي يواجه خطر الترحيل من بلغاريا إلى السعودية بعد أن تم رفض طلبه للجوء. في فبراير صدر رفض لطلب اللجوء استند على تقرير ذكر أن “الجهات الرسمية في السعودية اتخذت عددًا من الإجراءات لإضفاء الطابع الديمقراطي على المجتمع”، مستندا إلى الانتخابات البلدية الشكلية التي تجريها الحكومة السعودية. وبحسب الخالدي فإن المخابرات السعودية عملت على التدخل في مسار طلب اللجوء لمنع حصوله عليه ودفعها إلى ترحيله.
كما رصدت المنظمة الأوروبية السعودية قضايا أخرى لطالبي لجوء، في بعضها يواجه المهدد بالترحيل خطر الإعدام في حال إعادته قسريا إلى السعودية بسبب مواقفه وآرائه. وبحسب المعلومات وتحليل قرار المحكمة، يظهر أن السبب هو أن قبول الطلب يؤثر على مصالح البلد مع السعودية.
حقوق الطفل:
على الرغم من ادعاء السعودية في المحافل الدولية أنها تلتزم بتعهداتها فيما يتعلق بحقوق الطفل، وخاصة كونها دولة طرف في اتفاقية حقوق الطفل، استمرت الانتهاكات على أكثر من صعيد.
وبحسب توثيق المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، يواجه 8 قاصرين على الأقل خطر الإعدام، وهم عبد الله الدرازي، يوسف المناسف، حسن زكي الفرج، علي السبيتي، جواد قريريص، جواد اللباد، مهدي المحسن وعبدالله الحويطي.
تتبع المنظمة للقضايا أكد تعرضهم للعديد من الانتهاكات بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والحرمان من الحق في الدفاع عن النفس.
كما يشير رصد المنظمة إلى أن السعودية تعتقل العشرات من القاصرين، بينهم محمد الفرج وسجاد آل ياسين الذي حكم بالسجن 35 عاما في أكتوبر 2022، ومجتبى الصفواني الذي كان قد حكم 13 عاما سابقا، وذلك على الرغم من أن قانون الأحداث ينص صراحة على أن العقوبة القصوى على القاصرين هي 10 سنوات. كما تستمر المحاكم بإصدار أحكام القتل التعزيرية بحق القاصرين في مخالفة واضحة للقانون.
الإخفاء القسري:
استمرت السعوية باستخدام الإخفاء القسري الذي يمهد أرضية خصبة للعديد من الانتهاكات التي تجري فيما بعد على المعتقل، ويفتح المجال واسعا للأجهزة القمعية لمستوى أعلى من التنكيل بعيدا عن العيون.
في 12 مارس، أعدمت السعودية الشابين محمد الشاخوري وأسعد شبر ضمن الإعدام الجماعي، بعد محاكمة غير عادلة تعرضا فيها لانتهاكات مختلفة بدأت بإخفائهما قسريا عند اعتقالهما. وكان المقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة قد أكدوا تعرضهما للإخفاء القسري. إضافة إلى ذلك، ومنذ 2011 حتى أغسطس 2022، أرسل الفريق العامل المعني بالإخفاء القسري 12 قضية يسائل فيها السعودية عن مصير أفراد تعرضوا للإخفاء القسري، إلى جانب مسائلات حول استخدام قانون مكافحة الإرهاب لتبرير عمليات الإخفاء القسري.
تختلف المدة التي يتعرض لها المعتقلون للإخفاء القسري، بعض الحالات تمتد إلى سنوات. من بين ذلك قضية المهندس اللبناني علي مزيد الذي بقي مخفيا من دون معرفة أي معلومة عنه أكثر من سنة وأربعة أشهر بدأت في اغسطس 2021، ليتبين لاحقا أنه كان قيد التحقيق ولم توجه له تهم، حتى وصل إلى بلده بشكل مفاجيء دون أن تعلم أسرته بخبر ترحيله إلى بلده إلا حين وصوله مطار بيروت.
وفي سابقة في السلوكيات القمعية التي ترتكبها الحكومة السعودية ورئاسة أمن الدولة، وفي الوقت الذي كانت عائلته تنتظر الإفراج عنه في نوفمبر 2022، اختفى المدافع عن حقوق الإنسان محمد القحطاني. وكانت أخباره قد انقطعت عن عائلته بعد أيام من تقديمه شكوى تتعلق بانتهاكات تعرض لها في السجن، كما اختفى قسريا الناشط عبد الرحمن السدحان مجدداً منذ أكتوبر 2021.
التهجير القسري:
تؤثر المشاريع التي تقوم بها الحكومة السعودية في عدة مناطق من البلاد على الفئات الأكثر فقرا بشكل كبير. في يناير 2022 بدأت عملية تهجير قسري واسعة لسكان عدة أحياء في مدينة جدة.
تمارس الحكومة الترهيب على السكان من ضحايا التهجير القسري، على الرغم من ذلك أكدت المتابعات انطواء عمليات الإخلاء على انتهاكات عديدة للقوانين الدولية والمحلية. وبحسب التقديرات فقد تم تهجير حوالي نصف مليون شخص في عمليات هدم أحياء في مدينة جدة. وكانت هذه الممارسات قد شهدت اتساعا خلال السنوات الأخيرة، حيث تم تهجير المئات من حي المسورة في مدينة العوامية، إلى جانب الآلاف من القبائل في منطقة تبوك وغيرها من المناطق في السعودية.
وأكدت العديد من التقارير أن بعض سكان الأحياء لم يتلقوا تحذيرات مسبقة بوقت كافٍ أو تعويضات قبل هدم منازلهم. وفي أكتوبر 2022، وصلت حدة القمع إلى إصدار المحكمة الجزائية المتخصصة أحكاماً بالإعدام بحقّ شادلي الحويطي، وإبراهيم الحويطي، وعطالله الحويطي، بسبب موقفهم الرافض للتهجير القسري على خلفية مشروع “نيوم”.
الفقر:
تنعدم الشفافية في تعامل السعودية في موضوع أرقام وحقائق الفقر، ويعزز غياب المعلومات انعدام أي دور للمجتمع المدني أو المنظمات التي من الممكن أن تنقل الوقائع. على الرغم من ذلك، تبيّن المؤشرات أن نسبة الذين يعانون من الفقر لا زالت مرتفعة.
مع التغييرات الاقتصادية الكبيرة خلال السنوات الأخيرة، تضررت العديد من الأسر في السعودية وازدادت الأعباء عليها، وهذا ما دفع الحكومة في2017 إلى إنشاء برنامج دعم تحت مسمى “حساب المواطن”. على الرغم من عدم وجو د إحصاءات رسمية لأعداد الفقر، إلا أن السعودية أعلنت في سبتمبر 2022 أن 10 مليون شخص تقريبا يستفيدون من برنامج الدعم، الذي من المفترض أن يطال الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وهذا ما يعكس إلى حد بعيد أرقام الفقر في السعودية.
إضافة إلى ذلك تعتبر السعودية من أكثر الدول تمييزا بين المرأة والرجل من ناحية الأجور، وهذا ما رصده تقرير للمنظمة. فبحسب مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي لعام 2022 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، تحتل السعودية المرتبة 127 من حيث المساواة في الأجر بين الجنسين من بين 146 دولة شملها المؤشر.
الأمم المتحدة وآلياتها:
من خلال فحص طبيعة تعاطي السعودية مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، يتبين اهتمامها بإظهار نفسها كمتعاونة مع هذه الآليات. في الحقيقة فإن خطاباتها وردودها تؤكد افتقار هذا التعامل إلى الجدية والصدق، حيث تركز على المديح المفرط لنفسها والتكذيب لكل انتقاد والمكابرة على التوصيات. لم تنجح السعودية في محاولاتها، وتعرضت للعديد من الانتقادات من مختلف هذه الآليات، رصدت المنظمة العديد منها:
في 22 يناير أرسل المقررون الخاصون بالأمم المتحدة رسالة إلى السعودية، دعوها فيها إلى الوقف الفوري لتنفيذ أحكام بالقتل بحق كل من جعفر سلطان وصادق ثامر، واعتبروا أن المعطيات حول القضية تجعل من إعدامهما إعداما تعسفيا. على الرغم من ذلك صادقت المحكمة العليا على الحكمين وهما يواجهان أحكاما نهائية بالقتل.
في 28 يناير، نشر الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي رأيه في قضية عبدالله الحويطي مؤكدا أن حرمانه من الحرية تعسفي، كما دعا إلى التحقيق في الانتهاكات التي تعرّض لها. لم تستجب الحكومة السعودية إلى رأي الفريق العامل وحكمت المحكمة مرة أخرى عليه بالقتل.
في فبراير نشر مقررون خاصون تابعون للأمم المتحدة رسالة أبدوا فيها خشيتهم من المعلومات التي وصلتهم وتتعلق بضحايا اتجار بالبشر من النساء والفتيات الفيتناميات.
في فبراير أيضا، نشر مقررون خاصون رسالة كانوا قد وجهوها إلى السعودية سابقا. الخبراء أعربوا عن قلقهم البالغ من استخدامها “نمط الاعتقالات التعسفية واسعة النطاق” التي تطال أفرادا بينهم مدافعون عن حقوق الإنسان على خلفية ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية المشروعة في التعبير عن الرأي والمعتقد والتجمع وتكوين الجمعيات.
في 4 فبراير قال الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي التابع للأمم المتحدة، أنه في ظل ادعاءات السعودية استعدادها للتعاون مع مجلس حقوق الإنسان وآلياته الخاصة، وفي ظل الانتهاكات الممنهجة التي تمارسها، فهو ينتظر تحديد موعد للزيارة التي كان قد كرّر طلبها في أغسطس 2021 بأسرع وقت ممكن. استمرت السعودية في تجاهل طلب الزيارة.
في 25 فبراير أرسل سبعة خبراء في الأمم المتحدة رسالة إلى السعودية أكدوا فيها أنها ملزمة بموجب تعهداتها، بحظر عقوبة الإعدام وتنفيذها على كافة الجرائم التي يرتكبها أشخاص دون سن 18 وقت ارتكاب الجريمة. حاليا، وفي تجاهل صارخ لهذه الرسائل، يواجه 8 قاصرين على الأقل عقوبة الإعدام.
في 15 مارس أدانت المفوضة السابقة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشيليت، الإعدام الجماعي الذي نفذته السعودية بحق 81 شخصا، وأكدت أن العديد من القضايا انطوت على انتهاكات جسيمة وبعضها يرقى إلى كونه جرائم حرب.
في 28 مارس أرسل سبعة مقررون خاصون تابعون للأمم المتحدة رسالة أبدوا فيها صدمتهم وغضبهم من المعلومات التي وردت لهم حول إعدام السعودية 81 شخصا.
وفي أبريل، أبدى خبراء من الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان قلقهم من اعتقال السعودية مواطنين صينيين من الإيغور منذ نوفمبر 2020 دون مبرر قانوني وعزمها تسليمهما إلى الصين.
في أبريل تبنى الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي التابع للأمم المتحدة رأيا، اعتبر فيه أن اعتقال السعودية للمواطن الأردني حسين أبو الخير والحكم عليه بالإعدام تعسف، وأشار الفريق إلى أنها انتهكت القوانين الدولية لحقوق الإنسان في أكثر من 65 حالة خلال 30 عاما من عمله. في نوفمبر 2022 عادت السعودية إلى تنفيذ أحكام القتل في قضايا المخدرات ويواجه أبو الخير خطر الإعدام في أي لحظة.
وفي إطار الدورة 49 لمجلس حقوق الإنسان، أكدت المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، في تقرير لها أن السعودية من الدول التي لا زالت تنتهك حقوق الإنسان وتمارس الاحتجاز السري بحجة مكافحة الإرهاب.
في 13 يونيو، أبدى عدد من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، قلقهم البالغ حول المعلومات التي وردتهم فيما يتعلق بطلب النيابة العامة في السعودية الإعدام بحق القاصر يوسف المناسف، وطالبوها بوقف فوري لكافة الخطوات نحو إصدار الحكم. صدر حكم إعدام بحق المناسف لاحقا في تجاهل واضح لرأي وطلب الخبراء الأمميين.
في نوفمبر اعتبر المفوض السامي الجديد لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أن استئناف السعودية تنفيذ عمليات الإعدام بجرائم المخدرات بعد توقفها، أمر “مؤسف للغاية”، وأكد أن فرض عقوبة الإعدام على جرائم المخدرات يتعارض مع القواعد والمعايير الدولية.
في 19 سبتمبر أصدر الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي في الأمم المتحدة رأياً رسمياً، يفيد بأن اعتقال السعودية للمواطن عبد الرحمن السدحان -المخفي قسرا منذ أكتوبر 2021- هو اعتقال تعسفي وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ودعاها إلى إطلاق سراحه بشكل فوري والتعويض عن اعتقاله غير القانوني. لا زال السدحان مخفي قسريا حيث لا تعرف عائلته مكان وجوده.
في 9 نوفمبر أبدت المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان ماري لاولر، قلقها الشديد على صحة وحياة المدافع عن حقوق الإنسان محمد القحطاني، بعد اختفائه قسريا. تجاهلت السعودية بشكل كامل تصريح المقررة الخاصة واستمرت بإخفائه.
في 1 ديسمبر أبدى عدد من خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، انزعاجهم من قرار السعودية إنهاء تجميد غير رسمي لعقوبة الإعدام بجرائم المخدرات.
انتقادات الدول:
واجهت السعودية انتقادات واسعة من قبل الدول والهيئات الحكومية على خلفية انتهاكاتها. ففي 14 مارس، أدان الاتحاد الأوروبي إعدامها 81 شخصا في 12 مارس. الممثل السامي للاتحاد أشار في البيان إلى أن الإعدام الجماعي يمثل زيادة مقلقة أخرى في اتجاهات تنفيذ هذه العقوبة.
وخلال الدورة 49 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، اعتبرت لوكسمبرغ أن الوضع في اليمن يبعث على القلق الشديد وخاصة بعد تصاعد العنف واعتداء السعودية على البنى التحتية وعلى المدنيين، كما أشارت إلى أن قمع حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع للنشطاء يتزايد في السعودية.
آيسلندا قالت أن العالم يشهد تضييقا مستمرا على حرية التعبير والصحافة، وعلى التظاهر السلمي الذي يعد حق مشروعا، وأن النساء والفتيات في السعودية لا زلن عرضة للقوانين التمييزية، فيما حثتها الولايات المتحدة على مراجعة قضايا سجناء الرأي واتخاذ إجراءات لوقف الانتهاكات بحقهم.
من جهتها أسفت سويسرا للإعدام الجماعي الذي طال 81 شخصا، فيما أعربت النمسا عن استيائها من الإعدام الجماعي، وقالت السويد أن السعودية استخدمت قوانين مكافحة الإرهاب لتنفيذ هذه الإعدامات. بلجيكا بدورها، عبرت عن صدمتها من الإعدامات، وأبدت الدنمارك مخاوفها من حالات الإعدام الجماعي، فيما وصفت أستراليا الوضع في السعودية بالنسبة إلى الإعدام الجماعي الذي نفذته بالمريع.
في 24 يونيو، أبدت عضوتان في البرلمان الأوروبي “فزعمها” من قرار المحكمة الجزائية في تبوك، الحكم بإعدام القاصر عبدالله الحويطي للمرة الثانية.
وخلال الدورة 51 لمجلس حقوق الإنسان في شهر سبتمبر، وجهت عدد من الدول انتقادات شديدة اللهجة للسعودية. السويد أبدت قلقها من تقييدها لحقوق الإنسان، فيما دعاها مندوب الدنمارك إلى احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي. من جهة أخرى دعتها النرويج إلى وقف انتهاكات حقوق المرأة، وأكدت هولندا أن عليها وقف عقوبة الإعدام بتهم تتعلق بالآراء الدينية، وطالبتها لوكسمبرغ باحترام المدافعين عن حقوق الإنسان.
من أعمال المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في 2022:
من بين الأعمال التي قامت بها المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، رفع عدد من الشكاوى إلى المقررين الخاصين في الأمم المتحدة، الذين تابعوا القضايا مع الحكومة السعودية، وقدموا لها في بعض الحالات المشورة القانونية، كما أرسلت تقارير حول المواضيع التي ركز عليها المقررون فيما يتعلق بالأوضاع الحقوقية فيها.
نشرت المنظمة الأوروبية السعودية 123 مادة على موقعها الالكتروني باللغتين العربية والانكليزية. توزعت المواد ما بين التقارير العامة التي تسلط الضوء على القضايا العامة او قضايا الأفراد، والأخبار العامة وأخبار المنظمة.
شاركت المنظمة الأوروبية السعودية في دورات مجلس حقوق الإنسان. ففي مارس خلال الدورة 49 لمجلس حقوق الإنسان أكد المدير القانوني للمنظمة طه الحاجي، أن إعدامات السعودية استخفاف بالتزاماتها. وفي سبتمبر وخلال مناقشات البند الرابع لمجلس حقوق الإنسان في دورته الواحدة والخمسين، أكد نائب رئيس المنظمة عادل السعيد، أن حقوق الإنسان تشهد تدهورا غير مسبوق، وأشار إلى أن السعودية أصدرت مؤخرا أحكاما قاسية وصل بعضها إلى 90 عاما موزعة بين السجن والمنع من السفر بحق نشطاء وناشطات على خلفية تهم تتعلق بالتعبير عن الرأي.
إضافة إلى ذلك، وثقت المنظمة عددا من القضايا والانتهاكات، ونشرت تقارير وشاركتها مع الإعلام والجهات الرسمية بهدف رفع الوعي حول واقع حقوق الإنسان في ظل محاولات السعودية تزييف الواقع.
المنظمة عملت أيضا على القوانين التي تستند إليها السعودية والتي تبرر بها انتهاكاتها، من بين ذلك تحليل قانوني لنظام الأحداث والأمر الملكي وتبيان للوقائع.
كذلك كثفت المنظمة مشاركتها مع المنظمات الأخرى في البيانات العلنية والرسائل المشتركة إلى الجهات المعنية.
كما نظمت المنظمة عددا من الندوات والمساحات إلى جانب المؤتمر السنوي العام، الذي عقد تحت عنوان: الغسيل والتلاعب أدوات السعودية للتستر على الانتهاكات، وشارك أعضاء المنظمة في مؤتمرات وأحداث عالمية لإظهار الحقائق حول الواقع في السعودية.
الخاتمة:
أثبت مسار 2022 أن ولي العهد محمد بن سلمان هو المسؤول الفعلي عن الواقع المؤلم لواقع حقوق الإنسان في البلاد، وأن طبيعة التعاطي مع ملف حقوق الإنسان مرتبطة بما عُرف عن سلوكه المضطرب، وما أثبتته السنوات الماضية من عدائه الشديد تجاه أبسط مبادئ حقوق الإنسان.
وكنتيجة حتمية للتحكم الفردي لبن سلمان، ارتفعت حدة القمع في 2022، لينفذ أكبر إعدام جماعي وينتظر العشرات مصيرهم في طوابير الإعدام بينهم قاصرون وأفراد لم يواجهوا تهما جسيمة، كما يقبع أصحاب الرأي والمدافعون عن حقوق الإنسان والناشطون في المعتقلات، وتتسع رقعة اضطهاد النساء، وتُنتَهكُ حرية الراي والتعبير، ويهجَّر الناس من مساكنهم وموطنهم.
وفي ظل طمس كافة الأعراف السائدة التي كانت تحول خلال السنوات السابقة دون بعض الانتهاكات، ومع تزايد التشابك في العلاقات السياسية الدولية ولعبة المصالح، تبدو الأرضية ممهدة للمزيد من الاضطهاد وبلا قيود، وتنذر بأن 2023 ستكون كالحة السواد، لا يخفف سوادها إلا علوّ صوت الضحايا رغم محاولات فرض الصمت، والوقوف في وجه الغسيل والتلاعب الذي تشتريه السعودية بالمليارات.