أكد تقرير للأمانة العامة للأمم المتحدة حول مسألة عقوبة الإعدام، أن المملكة العربية السعودية ودول أخرى، لا زالت تنتهك المعايير والقوانين الدولية في تنفيذها لعقوبة الإعدام.
التقرير قدّم على هامش أعمال الدورة 48 لمجلس حقوق الإنسان في سبتمبر 2021، وركّز على موضوع النتائج المترتبة على انعدام الشفافية في تطبيق وفرض عقوبة الإعدام على التمتع بحقوق الإنسان. ويتضمن التقرير معلومات حول التطورات الأخيرة نحو إلغاء العقوبة، معتمدا على معلومات مقدمة من الجهات المعنية بينها الدول والمنظمات غير الحكومية والمقررون الخاصون.
تبرز المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان مواد التقرير، وتضيء على ممارسات الحكومة السعودية فيما يتعلق بهذه العقوبة.
التطورات الأخيرة نحو إلغاء عقوبة الإعدام
في ديسمبر 2020، صوّت عدد متزايد من الدول لصالح اعتماد قرار الجمعية العامة الثامن بشأن وقف استخدام عقوبة الإعدام، كما أشارت تقارير حقوقية إلى أن هناك انخفاض كبير الإعدامات المعروفة في 2020 مقارنة بالعام 2019.
فيما يتعلق بالسعودية، فإن عدد الإعدامات المسجلة منذ بداية العام 2021 حتى أكتوبر، تضاعف عن عام 2020، ما يؤكد أن انخفاض الأرقام في العام السابق لم يكن في سياق التطورات لإلغاء العقوبة.
الشفافية وعقوبة الإعدام: الأطر القانونية والممارسات الوطنية
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان ينبغي للدول التي لا تزال تفرض عقوبة الإعدام أو تطبقها أن تمتثل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وعلى وجه الخصوص لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا على “أشد الجرائم خطورة” ، والتي اعتبرتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مقصورة على القتل العمد. كما ينبغي عليهم الالتزام التام بالمحاكمة العادلة وضمانات الإجراءات القانونية.
تؤكد المعايير الدولية على أهمية إتاحة المعلومات للجمهور، حيث لا زالت عدد من الدول ترفض الإفشاء عن معلومات تتعلق بعمليات الإعدام بحجة أنها من أسرار الدولة. ودعت الأمم المتحدة الدول إلى نشر عدد الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام، وعدد عمليات الإعدام التي تم تنفيذها بالفعل، وعدد أحكام الإعدام التي تم نقضها أو تخفيفها عند الاستئناف وعدد الحالات التي تم فيها منح العفو. كما دعت الجمعية العامة، في قراراتها المتعلقة بوقف استخدام هذه العقوبة، جميع الدول التي أبقت على عقوبة الإعدام إلى تزويد الأمين العام بالمعلومات وإتاحة هذه المعلومات للجمهور من أجل ذلك.
وأشار مجلس حقوق الإنسان في تقريره إلى أن عمليات الإعدام السرية أو تلك التي تتضمن إنذارًا قصيرًا أو بدون إنذار مسبق تزيد من معاناة الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام، وكذلك الأشخاص المتضررين الآخرين، ودعا الدول إلى ضمان تزويد السجناء والممثلين عنهم، بمعلومات كافية حول التنفيذ وتاريخه ووقته وموقعه ،والسماح بالزيارة الأخيرة أو الاتصال بالشخص المدان. كما أكدت على أهمية إعادة الجثة إلى الأسرة لدفنها أو للإبلاغ عن مكان الجثة.
تمارس السعودية عقوبة الإعدام على جرائم لا تعد من الأشد خطورة، بينها ما يتعلق بالتعبير عن الرأي والخروج في مظاهرات، والمخدرات واستخدام الأسلحة من دون القتل أو التسبب بالأذى. كما أنها ترفض الإعلان عن عدد الأفراد الذين يواجهون عقوبة الإعدام ولا تنشر معلومات وتحديثات حول المراحل القضائية كما لا تعلم العائلات بها، إضافة إلى كون هناك شكوك حول مصداقية أرقام الإعدام المنفذة التي تنشرها وزارة الداخلية.
وفيما يتعلق بالسرية في التنفيذ، بحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، فإن السعودية لا تبلغ العائلات بعمليات الإعدام كما لا تمنح المعتقل حقه في وداع عائلته. في قضية الشاب مصطفى الدرويش، كانت العائلة بانتظار اتصاله الأسبوعي حين علمت بخبر الإعدام من الإعلام.
وفيما تؤكد المعايير الدولية التي أشار لها التقرير على أهمية إعادة الجثامين إلى العائلات، يشير توثيق المنظمة إلى أن السعودية تحتجز جثامين 90 شخصا على الأقل، كانت قد أعدمتهم أو قتلتهم خارج نطاق القضاء.
عواقب حقوق الإنسان في غياب الشفافية في تطبيق وفرض عقوبة الإعدام
أ- الحق في محاكمة عادلة وشفافية في عقوبة الإعدام
ذكر المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء والإعدام بإجراءات موجزة والإعدام التعسفي، أن الشفافية أمر أساسي لإقامة العدل وأضمن ضمان للعدالة. ولاحظ المقرر الخاص أيضا أن السرية طوال عملية ما بعد الإدانة مقيدة بالتزامات الدولة بضمان حقوق الإجراءات القانونية الواجبة واحترام الحق في عدم التعرض للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
في التعليق العام رقم 32 بشأن الحق في محاكمة عادلة ، لاحظت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن علانية الجلسات تضمن شفافية الإجراءات وبالتالي توفر ضمانة مهمة لمصلحة الفرد والمجتمع ككل. وذكر أنه بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، حتى أثناء حالة الطوارئ، لا يُسمح أبداً بعدم التقيد بحقوق الشفافية في قضايا عقوبة الإعدام.
إن الحق في التمثيل القانوني الفعال الذي يختاره الفرد في جميع مراحل الإجراءات الجنائية مكرس في القانون الدولي لحقوق الإنسان. يلعب المحامون دورًا حاسمًا في دعم سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان والافتقار إلى الشفافية في تطبيق وفرض عقوبة الإعدام يمكن أن يحد من قدرتهم على أداء وظائفهم المهنية بالكامل بما يخدم مصالح عملائهم.
أكد توثيق المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن المحاكمات في السعودية تفتقر إلى الشفافية، كما أن المحامين يمنعون بطرق مختلفة من ممارسة عملهم، ويمنع الأفراد من الوصول إلى حقهم في الدفاع عن النفس إلا بعد بدء جلسات المحاكمة وهذا يمنع عدالة المحاكمة.
ب- الحق في طلب العفو أو تخفيف عقوبة الإعدام والشفافية
كما هو منصوص عليه في المادة 6 (4) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، ينبغي أن يكون لأي شخص محكوم عليه بالإعدام الحق في طلب العفو أو تخفيف العقوبة. من الأهمية بمكان أن يتم تحديد العملية التي يتم من خلالها تقديم طلبات الرأفة والعفو وتخفيف العقوبة ومعالجتها وتقييمها واتخاذ قرار بشأنها بشكل واضح في القانون. مع ذلك، فإن العديد من الدول المبقية على عقوبة الإعدام غير قادرة على توفير الشفافية في عمليات العفو وتخفيف العقوبة.
يحرم الأفراد في السعودية من حقهم في طلب العفو، ويلعب انعدام الشفافية والمعلومات المغلوطة التي تقدمها الحكومة إلى الإفراد في حرمانهم من هذا الحق. في قضية الشاب حيدر آل ليف، قالت الحكومة السعودية في رسالة إلى الأمم المتحدة أنها رفعت حكم الإعدام عنه، لكنها اعدمته بعد ذلك ما حرمه من حقه في المطالبة بالعفو.
ج- الحق في الحصول على المساعدة القنصلية والشفافية في قضايا عقوبة الإعدام
يعتبر الحصول على المساعدة القنصلية جانباً هاماً من جوانب حماية الرعايا الأجانب الذين يواجهون عقوبة الإعدام في الخارج. بموجب المادة 36 من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية ، يجب على السلطات المحلية إبلاغ جميع الأجانب المحتجزين “دون تأخير” بحقهم في إخطار قنصليتهم باحتجازهم والتواصل مع ممثليهم القنصليين. ينطبق هذا على جميع الأجانب المحتجزين ، ولكنه ذو أهمية خاصة لأولئك الذين يواجهون عقوبة الإعدام بسبب عدم رجوع العقوبة. يمكن أن يؤثر الافتقار إلى الشفافية في المعلومات العامة المتعلقة بعقوبة الإعدام سلبًا على قدرة الأجانب على التماس المساعدة القنصلية وتلقيها في الوقت المناسب.
التقرير أشار إلى السعودية كمثال على هذه الانتهاكات، حيث حُكم على العديد من الأجانب بالإعدام، ورد أن بعضهم لم يحصل على خدمات قنصلية. إحدى هذه الحالات التي حظيت باهتمام خاص من العديد من المكلفين بولايات في إطار الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة كانت قضية المواطن الأردني حسين أبو الخير الذي حُكم عليه بالإعدام بتهمة تهريب المخدرات في مايو 2015. وبحسب ما ورد، لم يُسمح له بالاتصال بمحام إلا بعد حكم. ومن بين أمور أخرى ، كان المكلفون بولايات في إطار الإجراءات الخاصة قلقين أيضًا من أن المتهم ربما لم يُمنح إمكانية طلب المساعدة القنصلية من السلطات الأردنية.
د- الحق في حرية الإعلام والشفافية في قضايا عقوبة الإعدام
أكد المقررون الخاصون المعنيون بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير أن الحق في حرية الرأي والتعبير عامل تمكين لحقوق أخرى ، وأن الوصول إلى المعلومات غالباً ما يكون ضرورياً للأفراد الذين يسعون إلى إعمال هذه الحقوق. يشمل الحق في التماس المعلومات وتلقيها أيضًا حق الأفراد في الوصول إلى المعلومات ذات المصلحة العامة التي يمكن أن تسهم في النقاش العام.
شددت التقارير السابقة للأمين العام بالفعل على أهمية وفعالية المناقشة بشأن عقوبة الإعدام وشفافيتها ضمان وصول الجمهور إلى المعلومات المتوازنة، بما في ذلك المعلومات والإحصاءات الدقيقة عن الإجرام ومختلف السبل الفعالة.
تمنع الحكومة السعودية الأفراد من التعبير عن رأيهم بشكل عام، وبشكل خاص الاجراءات القضائية التي تفضي إلى أحكام إعدام، كما أنها تمنع الأفراد والإعلام والمنظمات من الوصول إلى المعلومات الكافية التي قد تساهم في النقاش العام.
ه-حظر التعذيب والشفافية في قضايا عقوبة الإعدام
يمكن أن يؤدي انعدام الشفافية حول عمليات الإعدام،إلى ممارسة التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، سواء فيما يتعلق بالشخص المدان أو أفراد أسرهم، وحقهم إصدار تحذير مسبق ضئيل أو معدوم للسجناء المحكوم عليهم وعائلاتهم.
وأوصت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بإخطار أسر السجناء المحكوم عليهم بالإعدام مسبقاً بفترة معقولة بموعد ووقت تنفيذ الإعدام، وذلك بهدف تخفيف المعاناة النفسية الناجمة عن عدم وجود فرصة للاستعداد لمثل هذا الإعدام.
لا تبلغ الحكومة السعودية المعتقلين بوقف تنفيذ الحكم، وبالتالي هي تمارس التعذيب بحق المعتقل وبحق عائلته التي تحرم من معرفة وقت التنفيذ وبالتالي توديعه ولا تبلغهم بطريقة رسمية وانسانية بل تنشر الخبر في الاعلام ليتلقوا الخبرمن الاخبار أو مواقع التواصل الاجتماعية.
و-طريقة التنفيذ والشفافية
أشارت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، في تعليقها العام رقم 36، إلى أن المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحظر بعض أساليب الإعدام، لأنها تشكل تعذيباً أو عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة. العديد من الدول المبقية على عقوبة الإعدام تحافظ على السرية فيما يتعلق بطريقة تنفيذها من خلال التشريعات والبروتوكولات والممارسات التي تتعارض مع المعايير الدولية للشفافية في فرض عقوبة الإعدام.
كانت السعودية تنفذ أحكام الإعدام بشكل علني بقطع الرأس، ولكن بحسب المعلومات التي وصلت للمنظمة أوقفت السعودية تنفيذ الأحكام علنا في الساحات العامة، وباتت تنفذها في ساحات السجون. لا يمكن التأكد من طريقة التنفيذ، وكيفيته ومكانه، لأسباب متعددة بينها عدم إبلاغ العائلات وعدم تسليم الجثامين لها.
تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، على أن السعودية تنتهك المعايير التي بينها تقرير الأمم المتحدة فيما يتعلق بالشفافية وعقوبة الإعدام، حيث أنها تمنع الأفراد والمنظمات والعائلات من الوصول إلى المعلومات الكافية والدقيقة حول الأحكام، كما انها تمتع تداول هذه المعلومات بحرية. إضافة إلى ذلك، فإن نهج السعودية فيما يتعلق بالسرية لوقت وطريقة تنفيذ الأحكام وسياسة احتجاز الجثامين هي انتهاك صارخ للقوانين والمعايير الدولية.
وتشير المنظمة إلى أن حكومة السعودية تدعي في المحافل الدولية أنها تلتزم بالمعايير التي تضعها الأمم المتحدة لتطبيق العقوبة، إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك، كما أن أرقام الإعدامات المنفذة منذ بداية 2021 تؤكد أنه لا توجد نية رسمية لتخفيف أرقام العقوبات أو تطبيق المعايير بما يكفل حقوق الأفراد.