بحملة دعائية كبيرة، تحدثت المملكة العربية السعودية عن إلغاء أحكام القتل التعزيري بحق قاصرين، فيما لا زالت تهدد حياة آخرين. ففي 26 أغسطس 2020 أعلنت هيئة حقوق الإنسان الرسمية السعودية، بدء تنفيذ الأمر الملكي الذي صدر في مارس 2020 بمراجعة أحكام صادرة بحق 3 أشخاص. الإعلان جاء في ظل استمرار الغموض فيما يتعلق بالأمر الملكي، الذي أظهرت النسخة الوحيدة التي نشرت له بشكل غير رسمي من قبل هيئة حقوق الإنسان الرسمية، أنه يستثني القاصرين المحكومين بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
إعلان الهيئة إعادة النظر في الأحكام الثلاثة، تنفيذا لقانون الأحداث، الصادر عام 2018 والذي ينص على 10 سنوات سجن، كأقصى عقوبة بحق القاصرين، لم يتطرق إلى قضايا أخرى تعود لقاصرين يواجهون خطر الإعدام، ما يثير مخاوف على مصيرهم، حيث يواجه 10 قاصرين على الأقل بحسب توثيق المنظمة الأوروبية السعودية، أحكام إعدام في مختلف درجات التقاضي.
وكانت السعودية قد انتهكت سابقا إلى جانب القوانين الدولية، قوانينها الخاصة. ففي أبريل 2019، بعد عام من صدور قانون الأحداث الذي تضمن منع إصدار أحكام إعدام بحق قاصرين، أعدمت السعودية 6 معتقلين كانوا قاصرين وقت الاعتقال أو في تاريخ التهم المزعومة. يضاف إلى ذلك إلى عمليات قتل أخرى طالت قاصرين.
من بين القضايا التي وثقتها المنظمة، قضية خمس قاصرين تطالب النيابة العامة بحد الحرابة لهم هم: (أحمد عبد الواحد الفرج – علي محمد آل بطي – محمد حسين آل نمر – علي حسن الفرج – محمد عصام الفرج)، بناء على مزاعم بارتكاب جرائم غير جسيمة وممارسات مشروعة.
القضية:
في 29 يونيو 2017، اعتقلت قوات سعودية ثمان شبان في المدينة المنورة أثناء سفرهم للسياحة الدينية، دون أمر قضائي بحقهم. وكانت أعمارهم حينذاك تتراوح بين 15- 21 سنة. منذ اعتقالهم قبل أكثر من عامين، مروا بظروف مرعبة، من بينها، الاعتقال لمدة طويلة قبل عرضهم على المحكمة، واخضاعهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة المهينة واللا إنسانية، السجن الإنفرادي، وحرمانهم من الاستعانة بمحام.
وجهت لهم النيابة العامة سلسلة تهم، عدد غير قليل منها يعود إلى الفترة التي كانوا فيها قاصرين، وتتعلق بالمشاركة في التظاهرات، الدعوة للإحتجاجات، تشييع جثامين ضحايا عنف السلطة المفرط، التستر على مطلوبين، وتوفير أدوية لهم. كما يواجه بعضهم تهمة إطلاق النار على القوات الحكومية، من دون أن يكون في التهمة أي توضيح حول كيف ومتى حدث إطلاق النار أو ما هي الآثار التي نتجت عنه.
وبحسب سجلات المنظمة الأوروبية السعودية ، يعتبر بعضهم من أصغر من وجهت لهم تهما تؤدي لعقوبة الإعدام، من بين المعتقلين على خلفية المظاهرات التي بدأت في السعودية منذ 2011. على سبيل المثال، يواجه الطفل محمد عصام الفرج (25 فبراير 2002 ) تهمة بالمشاركة بتشييع أحد ضحايا عمليات القتل خارج إطار القانون، التي تنفذها قوات خاصة سعودية في محافظة القطيف منذ 2012، وذلك حينما كان عمره 9 سنوات، ويواجه أحمد الفرج (22 مارس 1999) وعلي آل بطي ( 14إبريل 1999) تهماً تتعلق بعلاقتهما بمطلوبين حينما كان عمرهما 13 عاماً. أما محمد آل نمر (17 فبراير 1998) فيواجه تهمة بالمشاركة في تشييع أحد ضحايا عمليات القتل خارج إطار القانون حينما كان عمره 14 عاماً، كما يواجه علي الفرج (29 مايو 1996) تهماً بالمشاركة بتشييع ضحايا الحكومة ال%�3عودية حينما كان عمره 17 عاماً. بعض التهم التي وجهت للشبان تتعلق بتأييد المطالب بالعدالة الاجتماعية الشيخ نمر باقر آل نمر، وتخزين صوره، الذي اعدمته في 2 يناير 2016 عقب محاكمة بالغة الجور.
توجه النيابة العامة إلى معظمهم تهماً تتعلق بالمشاركة في المظاهرات. على سبيل المثال، من بين تهم محمد آل نمر وعلي الفرج ومحمد الفرج المشاركة في التظاهرات وترديد هتافات مناوئة للدولة. ويواجه أحمد الفرج تهمة بالمشاركة في احتجاجات طالبت بتسليم جثماني مقداد آل نمر ومحمد آل نمر، اللذان قتلتهما القوات السعودية في 28 مارس 2017 أثناء عملية مداهمات للقبض على مطلوبين في منطقة مزارع الرامس بالعوامية. بالإضافة إلى هؤلاء الخمسة، تطالب النيابة العامة في نفس القضية، “بعقوبة تعزيرية شديدة بليغة” بحق مجتبى سعود أبو كبوس، حيدر علي الصفار، حسين سعيد السبيتي، على خلفية تهماً يعود بعضها للفترة التي كانوا فيها قاصرين. تكاد أن تكون التهم الموجهة لهؤلاء الثلاثة متطابقة مع تهم الخمسة من حيث طبيعتها. علاوة على ذلك يواجه مجتبى أبو كبوس تهمة بـ”تمويل الإرهاب والعمليات الإرهابية” بموجب الفقرة (ب) من المادة الأولى من نظام جرائم الإرهاب وتمويله، جراء إيصاله “وجبات طعام” أربع مرات لأخيه المطارد واثنين من رفقائه.
تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية أن المخاوف على حياة حياة القاصرين الخمس وغيرهم من القاصرين، لا زالت قائمة رغم وعود ودعاية الحكومة السعودية، ورغم الخطوات الأخيرة. وتشير المنظمة إلى أن من عادة الحكومة السعودية، عدم الالتزام بوعودها، والترويج لما هو مخالف للواقع. ففي يناير 2020، وبعد أشهر من إعدام قاصرين وفي ظل تهديد حياة العشرات منهم، نفى وزير الخارجية عادل الجبير ممارسات السعودية أمام البرلمان الأوروبي وقال “معلوماتكم حول السعودية مبنية على الشائعات، فالسعودية لا تحكم بالإعدام على من هم دون 18 سنة”.
إضافة إلى ذلك، فإن الشوائب في القوانين وعدم الوضوح فيها، وخاصة عدم نشر نسخة رسمية من الأمر الملكي الأخير، يزيد من المخاطر على بقية القاصرين، حيث أن الحكومة السعودية لم تشمل في الأمر الملكي أحكام القصاص والحدود، كما ان النسخة المسربة الوحيدة من الأمر الملكي استثنت القضايا المتعلقة بالإرهاب. وفيما تطالب النيابة العامة بإقامة حد “الحرابة” الذي يستهدف من تعتبر الحكومة أنهم “محاربين لله ورسوله”، فإن إمكانية تغيير نوع أحكام الإعدام المستخدمة ضدهم لا زالت قائمة.
تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن أي وعود رسمية لا تتبعها خطوات تنفيذية لا يعوّل عليها، كما أن أي خطوات غير شاملة وتحمل استنساباً واستثناءات تزيد المخاوف على حياة البقية وتظهر الطبيعة الدعائية في القرارات وهو ما دأبت الحكومة السعودية على القيام به في السابق.