اتسمت عقوبة الإعدام في المملكة العربية السعودية خلال السنوات الماضية المتمثلة بفترة حكم الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه محمد، بالاضطراب. فإلى جانب التفاوت في أرقام الإعدامات المنفذة بين الأعوام، والتضارب ما بين الوعود والتطبيق، طرأت تغيرات على طبيعة الأحكام وجنوح في خلفيات استخدام هذه العقوبة.
منذ بداية 2015 حتى نهاية مارس 2022، نفذت السعودية 1004 إعدام. من بين الذين أعدموا 625 سعوديا و375 أجنبي وواحد عديم الجنسية وواحد أجنبي، أي أن المحكومين من جنسيات أخرى شكلوا تقريبا 38 بالمئة من مجمل الإعدامات. 48 بالمئة من مجمل الإعدامات التي نفذت منذ العام 2015 كانت بناءً على رأي وتقدير القاضي والتي لا تعتمد على نص شرعي أو قانوني وهي التي تسمى بأحكام التعزير.
الإعدامات الجماعية:
- أول إعدام جماعي نفذته الحكومة السعودية في 2 يناير 2016. طال الإعدام 47 شخصا بينهم 4 قاصرون على الأقل هم مصطفى أبكر، أمين الغامدي، مشعل الفراج، وعلي آل ربح. كما طال الإعدام المدافع عن العدالة الاجتماعية الشيخ نمر النمر وشبان واجهوا تهما تتعلق بالمشاركة في مظاهرات. 43 إعداما تم بأحكام تعزيرية، فيما نفذت 4 أحكام إعدام بحد الحرابة.
- الإعدام الجماعي الثاني نفذ في 23 أبريل 2019، وطال 37 شخصا بينهم 6 قاصرين على الأقل هم سعيد السكافي، سلمان أمين آل قريش، مجتبى نادر السويكت، عبد الله سلمان آل سريح، عبد العزيز حسين سهوي، وعبدالكريم محمد الحواج، إلى جانب متهمين بالمشاركة في مظاهرات. أعدم 35 من المحكومين تعزيرا فيما أعدم إثنان بحد الحرابة.
- الإعدام الجماعي الثالث نفذت في 12 مارس 2022، وهو الإعدام الجماعي الأكبر الموثق حيث طال 81 شخصا. لم تعلن وزارة الداخلية نوع أحكام الإعدام المنفذة.
تعلن وزارة الداخلية السعودية عن الإعدامات في بيانات تنشرها عبر وكالة الأنباء الرسمية ووسائل الإعلام. على مدار السنوات السبع الماضية، نفذت الحكومة السعودية عدة أحكام إعدام في نفس اليوم، البعض منها على نفس التهم. أبرز هذه الإعدامات تمت في يوليو 2017 وطال 4 أشخاص واجهوا تهما بينها ما يتعلق بالمشاركة في مظاهرات، وكانت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان قد وثقت الانتهاكات التي انطوت عليها هذه القضايا.
الأنماط المتبعة:
تنعدم الشفافية في تعامل الحكومة السعودية في ملفات الإعدام، حيث لا قاعدة بيانات رسمية تظهر أعداد الأفراد الذين يواجهون الأحكام ولا المراحل القضائية، كما تواجه العائلات والممثلون القانونية في الكثير من الأحيان عقبات كبيرة تمنع الوصول إلى المعلومات حول القضايا. على الرغم من ذلك، وثقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان عددا من القضايا بينها ما نفذت خلال الإعدامات الجماعية. يظهر التوثيق أن السعودية تتبع نمطا من الانتهاكات في الإعدامات الجماعية.
خلط التهم:
في عمليات الإعدام الجماعي الثلاث، عمدت الحكومة السعودية إلى خلط قضايا عدة، والإعلان عنها على أنها قضية واحدة. ففي البيانات الرسمية التي تنشرها وزراة الداخلية، يتم وضع كافة المعتقلين سويا، على الرغم من أنهم يواجهون تهما متفاوتة ومختلفة. خلال إعدامات 2016، تم خلط تهم تتعلق قضية الشيخ نمر النمر التي تتعلق بنشاطه في الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية مع قضايا تتعلق بالهجوم المسلح والإرهاب. تكرر ذلك في الإعدامين الجماعيين عامي 2019 و2022. بالتالي، وبعيدا عن دقة التهم الرسمية، عمدت وزارة الداخلية إلى خلط تهم لا تعد من الأشد خطورة في القانون الدولي مع تهم أخرى، بهدف تضليل الرأي العام.
التعزير:
تظهر البيانات أن 93% من أحكام الإعدام الجماعية التي نفذت عامي 2016 و 2019 هي تعزير. حيث أنه من أصل 84 حكم نفذ 6 فقط بحد الحرابة. وبالتالي فإن 93% من الأحكام في الإعدامين الجماعيين الأولين كانت بناء على تقدير القاضي للتهم والعقوبة من دون الاستناد إلى نص قانوني أو شرعي. في الإعدام الجماعي الذي نفذ في مارس 2022 عمدت وزارة الداخلية إلى عدم الإفصاح عن نوع الأحكام التي صدرت، ولكن رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان يؤكد أن العديد من المتهمين كانوا يواجهون أحكام تعزيرية.
إخفاء وزارة الداخلية لأنواع الأحكام، يأتي بعد عدة تصريحات رسمية سعودية تحدثت عن العمل على خفض أرقام أحكام الإعدام التي لا تستند إلى الشريعة. أبرز هذه التصريحات، وعد ولي العهد محمد بن سلمان فيما يتعلق بالإصلاحات القضائية قبل شهر من الإعدام الجماعي الأخير.
انتهاكات شروط العدالة:
وثقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان نهجا من الانتهاكات تمارسها الحكومة السعودية ضد الأفراد الذين يواجهون عقوبة الإعدام بما يفقد المحاكمات التي يتعرضون لها لشروط العدالة.
أكد توثيق عدد من القضايا وصكوك الأحكام تعرض الأفراد لأشكال متعددة من التعذيب وسوء المعاملة. فإلى جانب التعذيب الجسدي والانتهاكات التي أدت في بعض الحالات إلى إعاقة دائمة، تعذيب نفسي وحبس انفرادي.
وعلى الرغم من تأكيد العديد من المتهمين أمام القاضي أنهم أجبروا تحت التعذيب على التوقيع على اعترافات لم يتم التحقيق بذلك وعمد القاضي إلى مصادقة الأحكام.
إلى جانب التعذيب، تنتهك السعودية حق الأفراد بالدفاع الكافي عن النفس، حيث أنه في القضايا التي وثقتها المنظمة في الإعدامات الجماعية الثلاث، لم يحصل المتهمون على حقهم في تعيين محام إلا بعد بدء جلسات المحاكمة، كما يواجه المحامي العديد من العراقيل التي تمنعه من أداء عمله.
تجاهل الآراء الدولية:
أصدرت هيئات خاصة في الأمم المتحدة آراءا تتعلق بعدد من القضايا في الإعدامات الجماعية. ففي الأحكام التي نفذتها في يناير 2016، كانت الأمم المتحدة قد طالبت بوقف حكم الإعدام التعسفي بحق الشيخ نمر النمر.
وفي الأحكام التي نفذت في أبريل 2019، طالب خبراء في الأمم المتحدة السعودية بوقف أحكام الإعدام ضد القاصرين، إلى جانب متظاهرين. حيث تمت مراسلة الحكومة السعودية حول قضايا كل من سعيد السكافي، سلمان آل قريش، مجتبى السويكت، حسين آل ربيع، عبد الله آل طريف، حسين آل مسلم، محمد آل ناصر، فاضل اللباد، منير آل آدم، أحمد آل ربيع، وطالبت اللجنة المعنية بحقوق ذوي الإعاقة في قرار لها بحماية منير آل آدم من الإعدام. وراسل الخبراء الأمميون السعودية في قضايا كل من حسين العبود، الشيخ محمد عطية، حسين الحميدي، عباس الحسن، خضر المرهون، يوسف الحربي، أحمد الناصر، حسين آل ربيع، عبد الله آل طريف، حسين آل مسلم، وأشاروا إلى الانتهاكات في قضاياهم. كما أصدر الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي رأيا بشأن رجل الأعمال عباس الحسن الذي تم إعدامه لاحقا وتجاهل قرارالفريق.
وفي إعدامات 2022، كان خبراء في الأمم المتحدة قد تواصلوا مع الحكومة السعودية في قضايا الشابان محمد الشاخوري وأسعد شبر.
التنفيذ بشكل مفاجئ وسري:
لم تبلّغ الحكومة السعودية معظم العائلات حول وقت ومكان تنفيذ عمليات الإعدام الجماعي. في بعض القضايا عرفت العائلات من الإعلام خبر التنفيذ. كما لم تعلم العائلات طريقة التنفيذ التي تمت. أكدت العديد من العائلات أنها لم تتمكن من وداع المحكوم حتى عبر الهاتف. في البيانات الرسمية التي تنشر حول عقوبة الإعدام لم تذكر وزارة الداخلية مكان التنفيذ.
احتجاز الجثامين وترهيب العائلات:
تحتجز الحكومة السعودية جثامين الأفراد الذين تعدمهم. ومنذ العام 2016، احتجزت 132 جثمان بحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان. وإلى جانب حرمان العائلات من حقها في الوداع وفي الدفن أو على الأقل معرفة مكان الدفن، تعرضت إلى العديد من الضغوط عند المطالبة بالجثامين أو بأغراض الضحية الضحية الخاصة من السجناء. كما يتم إبلاغ العائلات أن الجثامين يتم دفنها في “مدافن المسلمين” من دون أي معلومات إضافية.
إضافة إلى ذلك تعرضت العائلات للتهديد بسبب تقبل العزاء في المنازل والأماكن العامة، وبسبب فتح مجموعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتقبل العزاء. وبحسب المعلومات أجبرت بعض عائلات الضحايا على التوقيع على تعهدات بعدم المطالبة بمعرفة مصير الجثامين أو الحديث عن القضايا.
أداة الترهيب
ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن الإعدامات الجماعية التي نفذت على التوالي منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز للحكم، أظهرت بشكل واضح الاستخدام السياسي والانتقامي لعقوبة الإعدام في السعودية. وتؤكد المنظمة أن أنماط الانتهاكات التي تم رصدها في بعض القضايا التي ضمتها الإعدامات الجماعية الثلاث، تظهر الدموية وانعدام العدالة، وبالتالي تتضاعف المخاوف من تنفيذ مجزرة إعدام جماعي أخرى تضم عشرات الأفراد الذين رصدت المنظمة قضاياهم، وآخرون لم تتمكن المنظمة من رصد قضاياهم.