في تطور بالغ الخطورة فيما يتعلق بملف عقوبة القتل في المملكة العربية السعودية، طالبت النيابة العامة بإيقاع عقوبة “حد الحرابة” بحق مدافع عن حقوق الإنسان قاد مظاهرات، ومسيرات تشييع جنائز لمتظاهرين ونشطاء ومصورين، كانت القوات السعودية قد قتلتهم خلال مظاهرات ومداهمات مختلفة. اعتقلت الحكومة السعودية حسين الفرج (1976) في 17 يناير 2017، وأودعته منذُ ذلك الحين في سجن المباحث بمحافظة الدمام.
أصدرت السعودية أحكاماً بعقوبة القتل “تعزيراً” بحق مالايقل عن 40 معتقلاً على صلة بالمظاهرات وأصحاب الرأي. والتعزير هو العقوبة التي يوقعها القاضي على المتهم بغرض التأديب على جناية لا حد لها في الإسلام، أي إنها عقوبة تقديرية من القاضي لم يرد فيها نص من مصدري التشريع الأساسيين في الإسلام، القرآن الكريم والسنة النبوية. لكن يبدو أن طلب إيقاع “حد الحرابة” بحق الفرج يأتي في سياق نهج تصعيدي لاستخدام عقوبة الإعدام، طال أيضاً الطفل مرتجى قريريص، الذي اتهم بالتظاهر في سن الحادية عشرة، إلا أن الحكومة السعودية تراجعت عن ذلك بعد ضغوط إعلامية وحقوقية.
تستند النيابة العامة بمطالبتها بإيقاع “حد الحرابة” بحق المدافع عن حقوق الإنسان الفرج على الآية القرآنية رقم 33 من سورة المائدة. (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، على الرغم من أنها لم توجه له تهمة واحدة بارتكاب العنف. يكشف ذلك استهتار الحكومة السعودية الشديد بحق أصحاب الآراء المختلفة معها في الحياة، ومحاولتها إضفاء شرعية دينية على توجهاتها القمعية العنيفة والبالغة الجور، وإستخدامها لنصوص دينية بشكل غير مترابط.
وجهت النيابة العامة السعودية المرتبطة مباشرة بالملك سلمان للناشط الفرج العديد من التهم، التي تتصل بممارسته لحقه في حرية التعبير، كالمشاركة بمظاهرات الربيع العربي التي نشطت في محافظة القطيف منذ فبراير 2011، والسعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية من خلال “تزعم” المظاهرات ومسيرات تشييع جنائز ضحايا الحكومة السعودية، الذين قُتِلوا خارج نطاق القانون عبر استهدافهم بالرصاص في المظاهرات السلمية والمداهمات التي كانت تنفذ بقصد اعتقال أو تصفية مطلوبين في الشوارع، مما نتج عن ذلك، قتل العديد من المارة، من بينهم الطفلين، ثامر آل ربيع ووليد العريض. بالإضافة إلى اتهامه بإعداد وإرسال وتخزين ما من شأنه المساس بالنظام العام، عبر تصويره لإصابة المتظاهر مرسي آل ربح الذي قتلته القوات السعودية في 22 يونيو 2013، وتصوير إصابة المتظاهر محمد صالح الزنادي المعتقل منذ 23 مارس 2012، وإعادة نشر جثمان المصور الإعلامي حسين علي الفرج الذي قتلته قوات سعودية في 20 فبراير 2014 أثناء قيامه بتصوير مداهمتهم المسلحة لأحد المنازل. كما أنها وجهت له تهمة مساعدة مصابين والإتصال مع مطلوبين.
في تمام الساعة الثامنة صباحاً من 17 يناير 2017، اقتحمت قوات سعودية منزل أسرة المدافع عن حقوق الإنسان حسين الفرج، وقامت بالهجوم عليه داخل غرفة نومه الواقعة في الطابق الثاني من المنزل، وانهالت عليه بالضرب المبرح بواسطة أعقاب الأسلحة الرشاشة والركل بالأرجل، ومن ثم قامت بـ “جره” من أرجله إلى خارج المنزل، وقد نتج عما تعرض له أثناء الإعتقال إصابات بليغة استدعت مكوثه في المستشفى في بداية الاعتقال. قامت القوات السعودية أيضاً بتحطيم أبواب المنزل وإتلاف محتويات فيه.
ذكرت مصادر خاصة للمنظمة، أن السعودية أخضعت الفرج لأصناف متعددة من التعذيب، بغية إرغامه على الإدلاء باعترافات. كان من بينها:
- قلع خمسة من أظفاره.
- صعقه بالكهرباء بعد تعرية جسده بشكل كامل.
- ضربه على أعضائه التناسلية.
- قلبه رأساً على عقب وإيقافه على رأسه حتى الإغماء.
- حرمانه من النوم عبر التسهير القسري.
- إجباره على إستخدام عقاقير الهلوسة المخدرة.
- ضربه بشكل مبرح بواسطة أسلاك معدنية.
- جر ثِدَائه بكماشة.
- تعريته بشكل تام أثناء التحقيق.
بالإضافة إلى التعذيب المنهجي الذي مورس بحق المدافع عن حقوق الإنسان حسين الفرج، قام محققو المباحث بعزله في زنزانة إنفرادية لأكثر من سبعة أشهر، أربعة منها كانت بعد اعتقاله وخروجه من المستشفى على إثر الإصابات التي تكبدها جراء طريقة الاعتقال، وخمسة وتسعين يوماً قضاها مرة أخرى في الإنفرادي قبل فترة المصادقة على أقواله. تعمد سجون المباحث السياسية في بعض الحالات إلى تعذيب أو ترهيب المعتقلين قبل إرسالهم إلى تصديق أقوالهم لدى قاضي التصديقات في المحكمة، وقد كان عزل حسين لأكثر من ثلاثة أشهر في العزل الإنفرادي بهدف إكراهه على القبول بالمصادقة على أقواله دون إعتراض. يتم إعادة تعذيب الضحايا مرة أخرى إذا امتنعوا عن التصديق على أقوالهم التي تكون في كثير من الأحيان كُتِبت بخط المحقق. حُرِم الفرج من حقه في الاستعانة بمحامٍ طوال فترة التحقيق التي شابتها خروقات عميقة لحقوقه الأساسية، ولم يسمح له بالتواصل مع محام إلا بعد استلامه لائحة تهمه.
إقتحمت قوات المهمات الخاصة وعناصر من المباحث منزل الفرج مرتين بعد اعتقاله، المرة الأولى كانت في 4 مايو 2017 في تمام الساعة 2:45 بعد منتصف الليل. قامت القوات وعناصر المباحث بتحطيم أبواب المنزل وتخريب في محتوياته، وترويع عائلته عبر إطلاق النار، واعتقال كافة الرجال الموجودين فيها بدون إبراز مذكرة اعتقال، ولكن بعد يوم واحد تم الإفراج عنهم بكفالة.
في 8 نوفمبر 2017 ظهراً عاودت قوات المهمات الخاصة وعناصر المباحث إقتحام المنزل مرة أخرى وتخريب أبواب المنزل ومحتوياته، وبالتزامن مع ذلك إقتحمت فرقة أخرى من قوات المهمات الخاصة وعناصر من المباحث منزل أخته، نتج عن ذلك تحطيم أبواب المنزل ومحتوياته واعتقال ابني أخته، أسعد وأحمد. ظل أحمد مخفي بشكل قسري لقرابة خمسة أشهر بعد إصابته برصاصة أثناء قيام فرقة الاقتحام بفتح نيران أسلحتها الرشاشة داخل المنزل. كما استولت الفرقة على مائتين وثمانين ألف ريال سعودي (67000 يورو)، ولم ترجعها حتى الآن إلى العائلة. مصادر خاصة ذكرت للمنظمة أن سبب الاقتحامين هو محاولة اعتقال أو قتل سعود الفرج، أخ حسين الفرج، الذي تطارده السعودية على خلفية مشاركته في مظاهرات سابقة. فتحت قوات المهمات الخاصة وعناصر من المباحث النار على سيارة سعود الفرج المتواجدة داخل كراج المنزل في 4 مايو 2017 أثناء إقتحامها للمنزل بسبب اعتقادها أنه متواجد بداخلها. تعمد القوات السعودية في حالات متعددة خيار القتل المباشر لمطلوبين، ومنذ 26 سبتمبر 2012 حتى 2 يوليو 2019 قتلت السعودية قرابة 35 شخصاً خارج إطار القانون.
تصاعدت أحكام الإعدام عقب تسلم الملك سلمان كرسي الحكم وتوسع صلاحيات ابنه ولي العهد. فبحسب إحصاءات المنظمة نفذت السعودية منذ بدء تسلم الملك سلمان الحكم في 23 يناير 2015 حتى نهاية يوليو 2019، ما لا يقل عن 732 حكم إعدام، وثقت المنظمة من بينها عشرة إعدامات بحق قاصرين. وحتى النصف الأول لهذا العام، أوقعت السعودية عقوبة الإعدام بحق 122 شخصاً، كان من بينهم 6 قاصرين اعدموا في مجزرة ضمت 37 شخصاً، عقب محاكمات بالغة الجور وتجاهل القضاة لشكاوى التعذيب المنهجي الذي طال أغلبهم. وهذا العدد يشكل ارتفاعاً حاداً يبلغ 121% مقارنة بالنصف الأول للعام 2018 الذي شهد 55 حالة إعدام. فيما لا يزال خطر الإعدام يتهدد 32 شخصاً بحسب إحصاءات المنظمة حتى تاريخ 2 أغسطس 2019، من بينهم أربعة أطفال حين ارتكابهم للجرائم المزعومة، وهم، داوود المرهون، علي آل نمر، عبدالله الزاهر، ومحمود القلاف. بالإضافة إلى الباحث حسن المالكي، والشيخ سلمان العودة، والشيخ عوض القرني، وعلي العمري، وعدد آخر من الناشطين، مثل مجموعة إسراء الغمغام النشطاء علي عويشير، أحمد المطرود، موسى الهاشم، خالد الغانم.
تعتقد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن المطالبة بإيقاع “حد الحرابة” بحق المدافع عن حقوق الإنسان حسين الفرج عنف حكومي دموي بحت لا يلتزم بأي قانون محلي أو دولي. وتؤكد أنه من خلال وقوفها على مجريات الأحداث والإجراءات فإن محاكمته تفتقر لأبسط معايير العدالة. كما ترى أن تصاعد أحكام الإعدام في السعودية يرجع في أحد أسبابه للغطاء السياسي المستمر الذي توفره دول منتفعة إقتصادياً من السعودية على رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.