طوّقت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة عمل المدافعين عن حقوق الإنسان، ونكّلت بهم بالاعتقال التعسفي والإهمال الطبي والأحكام القاسية والإخفاء القسري، بما أدى إلى انتفاء لأي نشاط في الداخل.
في نوفمبر 2015، وعلى وقع المحاكمات والانتهاكات بحق النشطاء، روجت السعودية لما سمته إصدار نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وقالت أنه يهدف إلى: تنظيم العمل الأهلي وتطويره وحمايته، وتعزيز مساهمة المواطنين في إدارة المجتمع، وتفعيل ثقافة العمل التطوعي وتحقيق التكافل الاجتماعي. الواقع أكد شكلانية هذا النظام وعدم قدرته على حماية أي نشاط حقوقي ومدني، حيث لم تمنح السعودية أي ترخيص لمنظمات حقوقية مستقلة واكتفت بمنح التراخيص لجمعيات ومنظمات تعمل تحت ظل الحكومة، بل جرّمت ذلك وحاكمت المدافعين والمدافعات الذي قدموا طلبات. ومع تعاقب السنوات، دفع تجريم النشاط الحقوقي المستقل إلى انعدامه.
إضافة إلى ذلك، وبحسب القانون الجديد، تغير الاختصاص من وزارة الشؤون الاجتماعية إلى المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، إلا أن المادة الخامسة من النظام اشترطت أن تكون الموافقة على إنشاء أي جمعية من قبل الجهة المشرفة التي يدخل نشاطها ضمن اختصاصها، إلى جانب الإشراف والمتابعة. وبحسب التتبع فإن الجهة المعنية بالعمل الحقوقي بعد الجهات الأمنية، هي هيئة حقوق الإنسان التي بالتالي هي مسؤولة عن منع إنشاء وترخيص المنظمات الحقوقية. وعلى الرغم القيود التي يفرضها القانون فإن كل الجهات المسؤولة بما في ذلك الوزارة والمركز الوطني والهيئة لم ترخص لجهات أو أشخاص بالعمل الحقوقي بكافة أشكاله.
على الرغم من ذلك، تروج الحكومة السعودية إلى وجود منظمات مستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان في الداخل، وتستشهد بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان التي تقول أنها مستقلة ماليا وإداريا ولا تتبع إلى أي جهاز حكومي. نظرة عامة على منشورات وعمل الجمعية يؤكد أنها لا تمارس دورا مستقلا في الدفاع عن حقوق الإنسان كما لا تملك آليات واقعية للوصول إلى الضحايا والدفاع عنهم. إضافة إلى ذلك، لم تلتمس المنظمة أي دور لها في توثيق الانتهاكات.
منذ العام 2015، لاحظت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان سعي الحكومة السعودية للترويج إلى دور هيئة حقوق الإنسان الرسمية التي تأسست منذ 2005، على أنها وجه العمل الحقوقي في البلاد. ظهر ذلك في تغير وتيرة استجابة السعودية من خلال الهيئة لرسائل مقرري الأمم المتحدة وتقارير مجلس حقوق الإنسان، إلى جانب تفاعل وفد السعودية في دورات المجلس.
وبحسب هدفها المعلن فإن دور الهيئة هو حماية وتعزيز حقوق الإنسان داخل المملكة، وعلى هذا النحو، فهي مكلفة بمعالجة الشكاوى والمشاركة في العمل التشريعي ومراقبة أماكن الاحتجاز، كما تدعي الهيئة أنها كيان مستقل قادر على محاسبة الحكومة في حال ارتكبت انتهاكات لحقوق الانسان. على الرغم من ذلك، فإن تقريرا مفصلا للمنظمة الأوروبية السعودية وكل من القسط ومينا، بين أنها لعبت دوراً مركزياً في تقديم تصور غير دقيق للوضع السحيق في السعودية في كافة ملفات حقوق الإنسان، وأن دورها اقتصر على كونها أداة غسيل.
مقابل هذا الدور الذي لعبته هيئة حقوق الإنسان، والذي تتضمن ترويجها إلى أن هناك حيز للمجتمع المدني فاعل ومحمي، كانت الانتهاكات تتسع مع السنوات، لتشكّل سدّا حقيقيا ومرعبا أمام أي نشاط للمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان:
جمعية حسم:
عام 2009 أعلن مجموعة من النشطاء الحقوقيين السعوديين تأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية التي عرفت اختصاراً باسم “حسم”. قامت الجمعية برفع العديد من الدعاوى القضائية ضد وزارة الداخلية السعودية وأبلغت مجلس حقوق الإنسان والإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة بانتهاكات حقوق الإنسان، كما نشرت بيانات طالبت بملكية دستورية وبرلمان منتخب وقضاء مستقل وحماية الحق في المحاكمة العادلة.
عام 2013، صدر حكم قضائي بحل الجمعية، تلته محاكمات لمؤسسيها وأعضائها بتهم مختلفة، بينها المشاركة في تأسيس جمعية غير مرخصة، والسعي إلى تقويض سياسات الدولة، وتقديم معلومات زائفة عن السعودية لآليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، وتحريض المنظمات الدولية ضد السعودية.
تعرض مؤسسو حسم لانتهاكات جسيمة لحقوقهم، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والمحاكمات غير العادلة، إلى جانب الإهمال الطبي المتعمد الذي أدى إلى وفاة عبد الله الحامد في السجن في أبريل 2020.
حتى اليوم، وعلى الرغم من انتهاء مدة أحكام بعضهم، لا زالت الانتهاكات مستمرة بحقهم، حيث لا زال السعودية تعتقل كل من: محمد البجادي (8 سنوات)، عبد العزيز الشبيلي (8 سنوات)، عمر السعيد( 7 سنوات)، عيسى الحامد (7 سنوات)، فوزان الحربي (10 سنوات)، فيما أفرجت عن سليمان الرشودي (15 عاما) وصالح العشوان (6 سنوات)، وعبد الكريم الخضر (10 سنوات) وعبد الرحمن الحامد (9 سنوات)، إلا أنهم لا زالوا يواجهون أحكاما بمنع السفر. إضافة إلى ذلك، ومنذ أكتوبر 2022، تخفي السعودية محمد القحطاني قسريا على الرغم من انتهاء مدة حكمه (10 سنوات).
جمعية الاتحاد:
في 25 يناير 2018 حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية بالسجن على كلّ من محمد العتيبي 14 سنة وعبد الله العطاوي 7 سنوات. لائحة التهم التي وجهت لهما تضمنت المشاركة في إنشاء جمعية دون ترخيص ونقضهما للتعهد المأخوذ عليهما، والمشاركة بإعداد وصياغة عدة بيانات وتأييد بعضها بالتوقيع عليها، كما أدينوا بالتدخل بالمعارضة على الأحكام القضائية من غير صفة، إلى جانب تهمة الإضراب عن الطعام.
وكانت محاكمة العتيبي والعطاوي قد بدأت في العام 2016، وذلك بعد عامين على إغلاق التحقيق معهما، في قضية تأسيسهما جمعية الإتحاد لحقوق الإنسان في العام 2013، حيث كانوا قد قدموا طلباً أولياً الى وزارة الشؤون الاجتماعية للحصول على ترخيصٍ رسمي في مارس 2013، لكن الوزارة رفضت الطلب.
مرصد حقوق الإنسان:
عام 2008، أسس المحامي وليد أبو الخير مرصد حقوق الإنسان في السعودية. رفضت الحكومة تسجيل المرصد كما رفضت وزارة العدل الترخيص له بممارسة مهنة المحاماة، إلا أنه دافع عن العديد من الموكلين أمام المحاكم السعودية. وبعد رفض السلطات السعودية الرد على طلبه إنشاء المنظمة، عمد إلى إنشاء موقع لها على الانترنت فقامت السلطات بحجب الموقع. لاحقا، أنشأ صفحة لها على موقع فيسبوك واجتذبت الصفحة آلاف المتابعين.
في 6 يوليو 2014 حكمت المحكمة على أبو الخير بالسجن لمدة 15 عاما إضافة إلى منع السفر، بعد إدانته بتهم فضفاضة مبهمة نابعة حصرياً من نشاطه السلمي، بما في ذلك تصريحاته لوسائل الإعلام وتغريدات على تويتر.
مركز العدالة:
عام 2012، أعلن نشطاء في السعودية، بينهم فاضل المناسف وطه الحاجي ونسيمة السادة وغيرهم، عن تأسيس مركز العدالة لحقوق الإنسان، وقالوا أنه يعنى بنشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان في البلاد. في يوليو 2013، لم ينجح استئناف ضد قرار وزارة الشؤون الاجتماعية برفض ترخيص مركز عدالة لحقوق الإنسان.
تعرض مؤسسو المركز لانتهاكات جسيمة، حيث اعتقلت السعودية فاضل المناسف، وحكمت عليه بالسجن 14 عاما والمنع من السفر بتهم بينها الخروج على ولي الأمر، والتواصل مع جهات إعلامية خارجية تسعى إلى تضخيم الأخبار والإساءة إلى الحكومة والتواصل مع منظمات حقوقية.
إضافة إلى ذلك، استدعت الجهات الأمنية المحامي طه الحاجي، ما دفعه إلى مغادرة البلاد وطلب اللجوء في الخارج خوفا من الانتهاكات ومن الاعتقال والتعذيب والأحكام التعسفية.
رصدت المنظمة الأوروبية السعودية عدة محاولات لنشطاء لترخيص منظمات، بينهم المدافعة عن حقوق الإنسان نسيمة السادة التي حاولت في العام 2017 تأسيس جمعية تحت إسم نون للدفاع عن حقوق المرأة إلا أنها لم تتلق أي جواب.
ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن السعودية عمدت خلال السنوات الأخيرة إلى استخدام كافة الطرق لفرض الصمت على المجتمع المدني وخنق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان. أدى ذلك إلى اعتقالهم ومنعهم من السفر إضافة إلى الوفاة نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، في محاولة من السعودية إلى منع الحقائق حول الانتهاكات من الوصول إلى العالم، ومنع الأفراد داخل السعودية من حقهم في الدفاع عن نفسهم والمطالبة بحقوقهم.
وتؤكد المنظمة الأوروبية السعودية أن ما تعرض له المدافعون والمدافعات خلال هذه السنوات يعكس حقيقة الانتهاكات وسوء وضع حقوق الإنسان، بعيدا عن محاولات طمسها من جهة، واستخدام الأدوات الرسمية بما فيها هيئة حقوق الإنسان لغسيل الصورة الرسمية، من جهة أخرى.