مع تواجد ولي العهد محمد بن سلمان في سدة الحكم وتسلّمه القيادة الفعليّة، كان عام 2018 عاماً عنيفاً ودموياً في المملكة العربية السعودية، حيث وصلت أحكام الإعدام المنفذّة إلى 149، متجاوزة الأحكام التي نُفذت خلال 2017 بثلاث أحكام.
وتعدّ معدلاتودموياً التنفيذ الواقعة بين 2015 – 2018 الأعلى في السعودية منذ تسعينات القرن الماضي، كما إنها إرتبطت مع وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى العرش، وقد بلغت ذوررتها قي العام 2015 مع 157 إعداما. تشير هذه الإحصائيات المقلقة إلى أن السعودية تعيش واحدة من أكثر فترات القمع ظلمة تحت حكم الملك سلمان وولي عهده. إضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من أن معدلات التنفيذ الفعلية أعلى، حيث وجدت المنظمة أن السعودية لا تعلن رسميا عن كافة الأحكام التي تنفذها.
خلال 2018 ظهرت إتجاهات جديدة في عقوبة الإعدام، إلى جانب توسّع غير مسبوق في إستخدامها بتهم سياسية. فخلال السنوات الأخيرة إستخدمت أحكام الإعدام السياسية ضد نشطاء من المنطقة الشرقية في البلاد، وذلك من خلال تلفيق تهم بالعنف، إلا أن السعودية في 2018 وسعت نطاق العقوبة حتى من دون تلفيق تهم عنف، لتجعل من الإعدام أداة ترهيب سياسي. بالتالي، تم إستهداف قطاعات جديدة من المجتمع المدني من خلال عقوبة الإعدام، بمن في ذلك المدافعات عن حقوق الإنسان ورجال الدين والنقاد.
وخلال 2018 أبدى المقرر الخاص المعني بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان بن إيمرسون مخاوف جدية بشأن “إستخدام عقوبة الإعدام في أعقاب محاكمات جائرة”، وإصدارها ضد الأفراد الضعفاء، ومن يعانون من أعاقات، والقاصرين، وبينهم من “أدينوا بجرائم سياسية لا تنطوي على إستخدام العنف”.
وفي حين تبذل شركات العلاقات العامة جهوداً كبيرة لتلميع صورة بن سلمان، كتقديمه بمثابة العقل المدبر “لرؤية 2030” التي سُوِقَ لها كمخطط للإصلاح والإزدهار في البلاد، فقد ظهر أن هذه (الإصلاحات) سطحية ومجرد إستراتيجية لتشتيت الإنتباه عن القمع العميق المستخدم ضد المجتمع المدني. وكان محمد بن سلمان قد بذل قصارى جهده للترويج لخططه، مستحدثاً أيضا عن عقوبة الإعدام. فأثناء جوله العلاقات العامة الدولية التي أجراها في أبريل 2018، أجاب في مقابلة مع صحيفة التايم على سؤال حول إن كان هناك نهاية لعمليات الإعدام: “لقد حاولنا تقليل (عقوبة الإعدام). هناك بعض المجالات التي يمكننا تغييرها (أو تخفيضها) من الإعدام إلى السجن مدى الحياة. لذلك نحن نعمل من خلال الحكومة وكذلك البرلمان السعودي لبناء قوانين جديدة في هذا المجال. ونعتقد أن الأمر سيستغرق عاماً ، وربما أكثر قليلاً ، لإنهائه”. “نعم ، بالطبع إنها مبادرة. لكننا لن نخفض الإعدام بنسبة 100%، ولكن سنخفضه بشكل كبير”.
ومع ذلك ، فإن هذا البيان لا ينعكس في إحصائيات عقوبة الإعدام 2018، كما أن معدلات التنفيذ المرتفعة في السنوات الأربع الأخيرة لا تشير إلى أي محاولات “للتقليل” أو “الحد”، فقد أظهر 2018 زيادة في الإعدامات عن العام السابق. وعلاوة على ذلك، فيما لو كانت هناك نية حقيقية لتخفيض عقوبة الإعدام، لم يتم إعلانها رسمياً ولم يُفرض أي حظر فوري على أحكام الإعدام الصادرة ريثما تُسَنُ القوانين الجديدة. لذلك، لا يوجد ما يدعم ادعاءات ولي العهد.
يتعارض اللجوء إلى عقوبة الإعدام مع التوجهات العالمية نحو إلغاء هذه العقوبة، ويؤشر لعدم التزام السعودية بمبادئ حقوق الإنسان، وبالتحديد الحق في الحياة، وهو حق إنساني أساسي غير قابل للانتقاص:
“لكل إنسان الحق الأصيل في الحياة. يجب حماية هذا الحق. لا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا”. (المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية).
ترمز معدلات واتجاهات عقوبة الإعدام في 2018، للتردي العميق للمشهد الإنساني في السعودية، وهو العام الذي شهد حملة ضد المدافعين والمدافعات عن حقوق المرأة الذين تعرضوا للتعذيب في وقت لاحق اثناء الاعتقال لو بعد الاعتقال، فضلاً عن جريمة قتل خارج نطاق القانون للصحفي جمال خاشقجي، الذي إعترفت السعودية في 19 أكتوبر بحدوثها داخل قنصليتها في إسطنبول على يد وكلاء خاصين تم إرسالهم من السعودية.
الاتجاهات في عقوبة الإعدام:
استخدام عقوبة الإعدام ضد الناشطات
في أغسطس 2018 طالبت النيابة العامة السعودية بالإعدام للمدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام، في سابقة خطرة وأولى من نوعها. وكانت الغمغام قد أعتقلت في ديسمبر 2015 بعد مداهمة منزلها، ومن دون مذكرة إعتقال، وبقيت في الإعتقال التعسفي لمدة 32 شهرا منعت خلالها من الإتصال بمحام، قبل أن تبدأ محاكمتها أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض. خلال الجلسة الأولى حُرِمت الغمغام من التواصل مع عائلتها، وخلال الجلستين الثانية والثالثة لم تنقل إلى المحاكمة لأسباب مجهولة. وتواجه الغمغام، مع آخرين يحاكمون معها في القضية نفسها، تهما غير عنفية، كما يستخدم ضدها نظام مكافحة الإرهاب المعيب.
يأتي ذلك على الرغم من إشارة خبراء أممين إلى قضيتها في بيان صدر في أكتوبر 2018، أدانوا فيها دمج حقوق الإنسان مع الإرهاب:
“لا ينبغي أبدا استخدام التدابير الرامية إلى مكافحة الإرهاب لقمع أو تقليص أعمال حقوق الإنسان”.
إضافة إلى ذلك تبرز مخاوف على المدافعات عن حقوق الإنسان اللواتي أعتقلن خلال حملة مايو 2018، وبينهن: لجين الهذلول، عزيزة اليوسف، إيمان النفجان، نوف بنت عبد العزيز، مياء الزهراني، سمر بدوي، نسيمة السادة، حيث إعلن رسمياً أن بعضهن يواجهن تهما تتعلق بالأمن القومي، وهذا ما يثير القلق من أن تكون نتيجة محاكمة الغمغام تمهيداً لمحاكمة قد تُعقد لهن لاحقا.
ما زاد من القلق هو نشر صحيفة عكاظ المؤيدة للحكومة مقالا عقب موجة الإعتقالات الأولى التي طالت لجين وإيمان وعزيزة، أشارت فيه إلى أن محاكمة المدافعات عن حقوق المرأة قد تكون نتيجتها أحكام إعدام تعزيرية.
توسيع نطاق أحكام الإعدام ذات الدوافع السياسية
خلال السنوات السابقة أُستخدمت عقوبة الإعدام للترهيب وخاصة ضد نشطاء المنطقة الشرقية في السعودية، وذلك من خلال تجريم النشاط السلمي لكثيرون ووصفه بالإرهاب، وهذا ما حصل مع الشيخ نمر النمر. إستمر هذا التوجه خلال 2018، وخاصة مع بدء محاكمة جماعية لمجموعة بنيهم إسراء الغمغام. وكان تقرير الأمم المتحدة الذي قدمه المقرر الخاص بن إيمرسون بعد زيارته في 2017 قد أشار إلى ذلك، موضحا أنه تم الحكم على العديد من الأفراد بالإعدام بسبب مشاركتهم في المظاهرات المؤيدة للديمقراطية في البلاد بين عامي 2011 و 2012.
في 2018، ظهر نمط جديد مرتبط بأحكام الإعدام ذات الدوافع السياسية. فخلال السنوات السابقة قامت الحكومة السعودية بجهود كبيرة لوصم النشطاء السلميين بالإرهاب، وهذا ما تجلى في قضية الشيخ النمر الذي وجهت له تهم بالعنف، وخضع لمحاكمة فادحة الجور وشنت حملة طويلة لمساواة نشاطه اللاعنفي بالإرهاب، إلى أن تم إعدامه مع 46 شخصا آخرين بينهم متظاهرين وقاصرين بشكل جماعي.
إلا أن التطور الذي حصل خلال 2018 هو أن النيابة العامة المرتبطة بشكل مباشر بالملك، كثفت مطالبتها بعقوبة الإعدام ضد أفراد بتهم تتعلق بممارسة نشاطهم السلمي. بالتالي أُستهدفت قطاعات جديدة من المجتمع المدني بعقوبة الإعدام، بما في ذلك المدافعات عن حقوق الإنسان ورجال الدين والوعاظ والنقاد من جميع مناطق الممكلة، من دون أن تتردد الحكومة في إستخدام إتهامات غير عنيفة. على سبيل المثال، في حالة إسراء الغمغام، فإن جميع التهم التي وجهت ضدها ذات طابع غير عنيف، ومع ذلك طلبت لها النيابة العامة الإعدام.
وفي سبتمبر 2018، دعت النيابة العامة إلى إعدام الشيخ سلمان العودة، خلال أول جلسة محاكمة له في المحكمة الجزائية المتخصصة. وقد اعتُقل العودة على خلفية رفضه دعم سياسات محمد بن سلمان تجاه قطر ونشر تغريدة تدعو للمصالحة بين السعودية وقطر قبل اعتقاله في سبتمبر 2017. وبدأت محاكمة سرية له بإستخدام نظام مكافحة الإرهاب ووجهت له تهم بينها السعي إلى نشر الفتنة والتحريض ضد الحكام. وفي الأسبوع نفسه من سبتمبر 2018 تم إستهداف آخرين بطريقة مماثلة، حيث طلبت النيابة العام بالإعدام لكل من الشيخ الدكتور عوض القرني والإعلامي الدكتور علي العمري. كما تشير المعلومات إلى أن الباحث الإسلامي الشيخ حسن المالكي قد يواجه العقوبة نفسها بتهم تتعلق بآرائه الدينية على الرغم من نهجه المعتدل.
المحاكمات الجماعيّة
شاع خلال السنوات الأخيرة إستخدام المحاكمات والإعدامات الجماعية في السعودية، من بين ذلك محاكمة 32 شخصاً بتهم التجسس لصالح إيران، حكم على 12 منهم بشكل نهائي بالإعدام. وفي أغسطس 2018 بدأت محاكمة جماعية في المحكمة الجزائية المتخصصة ضد ستة نشطاء وهم خالد الغانم وإسراء الغمغام وموسى الهاشم وعلى العويشير وأحمد المطرود ومجتبى المزين، حيث طلبت النيابة العام بالإعدام لخمسة منهم، على الرغم من عدم إتسام محاكمتهم بشروط العدالة.
إحصائيات عن عقوبة الإعدام 2018:
معدلات التنفيذ
نُفِذَ خلال 2018، 149 حكما بالإعدام في السعودية حيث تجاوزت معدلات السنة السابقة، كما أن الإحصاءات تشير إجمالاً إلى إرتفاع معدلات تنفيذ الأحكام خلال السنوات الثلاثة الأخيرة. في حين أن معدلات 2018 لم تكن الأعلى في السنوات الأخيرة، إلا إنه لم يحدث أي إنخفاض لإستخدام الحكومة السعودية لعقوبة الإعدام وخاصة منذ العام 2015، حيث أنها المعدلات الأعلى منذ عام 1992.
إحصاءات التنفيذ بحسب الجنسيّة
من بين 149 شخصاً أعدموا في السعودية خلال العام 2018، كان هناك 74 مواطناً سعودياً، فيما البقية هم من الأجانب، وحالة لأحد عديمي الجنسية (البدون).
الإحصاءات تشير إلى أن 50% من الذين أعدموا هم من الرعايا الأجانب، ثلاثون منهم أي 22% منهم مواطنون باكستانيون، مما جعلهم المجموعة الديموغرافية الأعلى من بين الأجانب الذين تم إعدامهم (أعدم 33 باكستانيا في المجموع). إلى جانبهم أفراد من جنسيات شرق أوسطية وآسيوية وأفريقية، وفرد من عديمي الجنسية.
تم في 2018 إعدام 59 شخصاً بسبب جرائم تتعلق بالمخدرات، و 79 شخصاً بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالقتل، و 11 شخصاً بسبب جرائم أخرى مثل السطو المسلح والزنا. ينص القانون الدولي على أنه لا يمكن تنفيذ عقوبة الإعدام في الدول التي لا زالت تستخدمها إلا في “أشد الجرائم خطورة”، والتي تفسر على أنها القتل العمد. أما الجرائم المتعلقة بالمخدرات فلا تندرج تحت فئة الجرائم الأكثر خطورة.
إعدام النساء
خلال العام 2018 أعدمت الحكومة السعودية إمرأتين، إحداهما أثيوبية الجنسية، بينما الثانية إندونيسية الجنسية. لم يتم الإعلان الرسمي عن الإعدام الأخير من قبل الحكومة السعودية. إضافة إلى ذلك فإن وسائل إعلامية بينها “ديبلوماسي” و “أ ب سي نيوز” نشرت مقالات عن إعدام عمال أندونيسيين في مارس 2018 من دون إبلاغ السلطات المعنية. الإعدامات نفذت على الرغم من طلب الرئيس الإندونيسي تخفيف العقوبة بعد الحصول على معلومات حول عدم وجود شروط محاكمة عادلة، مثل عدم كفاية الوصول إلى المساعدة القانونية اللازمة وهذا ما يسلّط الضوء على أن المواطنين الأجانب عرضة بشكل خاص للحرمان من الإجراءات القانونية.
إعدام القصّر
تنشر وزارة الداخلية السعودية بيانات حول تنفيذ أحكام الإعدام عبر وكالة الأنباء، إلا أنها لا تبين أعمار الأشخاص الذين تم إعدامهم. لا يمكن للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تأكيد إن كان قاصرين تم إعدامهم في العام 2018 وخاصة مع وجود سوابق لتنفيذ الحكومة لأحكام مماثلة ومع توثيق قضايا قصر ينتظرون أحكاماً بالإعدام حاليّاً.
الإبلاغ عن عمليات الإعدام: شكوك في الشفافيّة
تعدّ وكالة الأنباء السعودية المصدر الرسمي الرئيسي للإعلان عن عمليات الإعدام التي تنفّذ. ومع ذلك وثقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إخفاء الحكومة لأحدى عمليات الإعدام التي نفذت لمرأة إندونيسية في أكتوبر 2018، وهذا ما ينذر بخطر أن تكون الإحصاءات الرسمية مضللة وغير دقيقة. وقد إستندت إحصاءات المنظمة على التقارير الرسمية فقط بإستثناء المرأة الإندونيسية التي نشرت وسائل إعلامية عالمية معلومات أكدتها، ما يثير شكوكاً حول إحتمالية وجود حالات إعدام أخرى لم يتم الإعلان عنها.
الأفراد المهددون بالإعدام
بالإضافة إلى مراقبة الأحكام التي تنفّذ ومعدلاتها، تقوم المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان بتوثيق حالات الأفراد المعرضين لخطر الإعدام. على الرغم من صعوبة الحصول على المعلومات، وثقت المنظمة 59 حالة تواجه خطر الإعدام في مراحل قانونية مختلفة، 8 منهم كانوا قاصرين في وقت إرتكاب الجريمة: علي النمر، وداوود المرهون، عبد الله الزاهر، عبد الكريم الحواج، مجتبى السويكت، سعيد السكافي، سليمان آل قريش، عبد الله آل سريح.
وفي نوفمبر 2018 تم نقل ملفات 12 شخصاُ مدانين بتهم بينها التجسس لصالح إيران وممارسة شعائر دينية، وبينهم عباس الحسن إلى رئاسة أمن الدولة بموجب مرسوم ملكي. هذه الخطوة تعني أن جميع سبل الإنتصاف القانونية قد نفذت، كما أنها مؤشر قوي على أن القضايا قد تنفذ في وقت وشيك. يأتي ذلك على الرغم من أن سبعة مقررين خاصين في الأمم المتحدة أصدروا بياناً في مايو 2018، دعوا فيه السعودية إلى وقف عمليات الإعدام التي تهدد حياة الحسن وغيره من المتهمين في قضية التجسس لصالح إيران.
مجالات القلق المحيطة بعقوبة الإعدام:
الإحتجاز وإستخدام التعذيب
وثقت المنظمة مؤخرا إنتهاكات عدة فيما يتعلق بالتعذيب وسوء المعاملة في السعودية، وخاصة التي تحصل أثناء التحقيق بهدف إنتزاع معلومات وإعترافات.
الشيخ سلمان العودة، الذي يواجه خطر الإعدام، خضع لتحقيق دام 24 منع خلالها من النوم وضرب على رجليه، كما وضع في السجن الإنفرادي. إضافة إلى ذلك حرم من العلاج الطبي الذي يحتاجه لإرتفاع ضغط الدم الذي يعاني منه، ما أدى إلى نقله إلى المستشفى.
علي العويشير، الذي يواجه أيضا خطر الإعدام بعد طلب النيابة العامة، وهو يحاكم جماعيا إلى جانب المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام وآخرين، تعرض لتعذيب نفسي ونعته المحققون بأوصاف مهينة. العويشير هدد خلال التحقيق حيث قال له المحقق: “إذا لم تعترف، سوف نحضر أطفالك ونعذبهم أمامك، ثم سنحرقك إلى أن تموت، ثم سوف نصدر تقريرا نقول فيه أنك مت بنوبة قلبيّة”. إضافة إلى ذلك عذب العويشير جسديا، فأجبر على رفع يديه فوق رأسه لساعات إلى أن فقد وعيه وتعرض للصفع والضرب.
يعتبر إستخدام الإعترافات المنتزعة تحت التعذيب في إصدار أحكام قضائية، عمل غير قانوني، وقد وثقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان عددا من الأمثلة تؤكد إستناد القضاة في المحكمة الجزائية المتخصصة على إعترافات أنتزعت تحت التعذيب لإصدار أحكام بالإعدام. القضاة تجاهلوا الشكاوى التي قدّمها عدد من المعتقلين والتي أكدت تعرضهم للتعذيب. من بين هؤلاء الطفل علي النمر الذي حكم عليه بالإعدام في العام 2014 بتهم بينها المشاركة في مظاهرات.
في الحالات التي يحكم فيها المتهم بالإعدام، قد يتعرض لعدد من الإنتهاكات، بدأً من الإعتقال إلى ما قبل المحاكمة وخلال خضوعه للمحاكمة. لذلك فإن أي محاكمة لم تتم مراقبتها بشكل تام وواضح قد تعدّ غير قانونية. في العديد من الحالات الموثقة، صدرت أحكام إعدام بناء على محاكمات غير عادلة تنتنهك القوانين الدولية.
إحتجاز الجثامين بعد الإعدام
أصابت جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في 2018، العالم بصدمة غير مسبوقة، خصوصاً أنها بأمر رسمي سعودي. لم يتم إستعادة جثة خاشقجي حتى نهاية 2018، فيما أشارت تقارير إلى أنه تم إذبتها بالأسيد. في الواقع فإن السعودية تمارس ببربرية سلوك إخفاء جثامين الأفراد الذين يتم إعدامهم أو قتلهم خارج نطاق القانون. منذ يناير 2016 إنتهجت السعودية هذه الممارسة، وأخفت مكان وجود عدد من الجثامين. المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان وثقت إستمرار إحتجاز 32 جثة من 2016 حتى 2018.
ونفذت الحكومة السعودية عقوبة الإعدام ضد أشخاص مارسوا حرية التعبير السلمي، ما يعكس إستعدادها لتجاهل حق المعارضين في الحياة متى شاءت. في 2 يناير 2016 نفذت الحكومة السعودية إعداما جماعيا بحق 47 شخصا بينهم المطالب بالعدالة الإجتماعية الشيخ نمر النمر والاطفال مصطفى أبكر ومشعل الفراج وعبد العزيز الغامدي والطفل المتظاهر علي الربح والمتظاهرين محمد الشيوخ ومحمد الصويمل، إلى جانب المريض عقليا عبد العزيز الطويلع. لم تكتف الحكومة السعودية بتنفيذ هذه الإعدامات متجاهلة القوانين الدولية، بل إستمرت في سلسلة الإنتهاكات بإحتجاز جثامين الضحايا، على الرغم من المطالب الرسمية التي رفعتها العائلات والبيانات التي نشرتها.
في يوليو 2017، نفذت الحكومة السعودية أحكاما جديدة بالإعدام بحق ضحايا حرموا من الحق في محاكمة عادلة وهم يوسف المشيخص وأمجد المعيبد وزاهر البصري ومهدي الصايغ. التهم التي واجهوها تتضمن التعبير عن الرأي والتظاهر إلى جانب تهم عنفية، وجاءت إعترافاتهم تحت التعذيب، ورغم ذلك لم تكن التهم التي أعموا بسببها من التهم التي تصنف من الاشد خطورة. بعد معرفة العائلات بتنفيذ أحكام الإعدام نشرت بيانا طالبت فيه بإسترجاع جثامين أبنائها.
بين عامي 2011 و2018 إنتهكت الحكومة السعودية مراراً الحق في الحياة، وفي سياق إستخدامها المفرط للعنف قُتِلَ ما لايقل عن 83 شخصا في محافظة القطيف فقط، بطرق متعددة بينها التعذيب والإعدام والمداهمات والقتل في السجون. قسم من الضحايا الذين قتلوا تعسفيا لم تعد جثامينهم إلى عائلتهم أيضا وبينهم الطفل وليد العريض.
بعد الإعدام الجماعي في يناير 2016 بدأت الحكومة السعودية بشكل واضح ممارستها في إحتجاز جثامين الضحايا. وفي قضية الصحفي جمال خاشقجي، الذي إعترفت الحكومة السعودية بأنه قتل في في إسطنبول على يد وكلاء أتوا من السعودية، لم يتم تقديم أي مؤشر على مصيرجثمانه حتى الآن.
الوسائل التي تستخدمها السعودية لتبرير عمليات الإعدام
بهدف إضافة وجه رسمي، تحتاج الحكومة السعودية لتبرير الإعدامات، ولذلك تحاول إعطاء الأحكام القضائية طابع قانوني من خلال: التفسيرات الدينية المتشددة، والمحكمة الجزائية المتخصصة، والقوانين المحلية مثل قانون مكافحة الإرهاب والأحكام التعزيرية، إلى جانب الحملات الإعلامية.
التطرف الديني: إيديولوجية الدولة الرسمية
توظف الحكومة السعودية تفسيرا راديكاليا متطرفا ومشوّها للدين حيث تتبنى فكراً متشدداً. ولي العهد محمد بن سلمان، أكد أنه سوف ينهي التطرف وسيعيد البلاد إلى ما وصفه بالإسلام المعتدل، كما أنه أظهر خطوات بينها إستقبال بعثات مسيحية ووفد من الإنجيليين الأميركيين. إلا أنه لم يكن هناك أي إشارات إلى أن نهاية التطرف سوف تشمل التوقف عن إستخدامه ضد المدافعين عن حقوق الإنسان.
نظام مكافحة الإرهاب: المحكمة الجزائية المتخصصة
تم إنشاء المحكمة الجزائية المتخصصة في 2008 وقالت الحكومة السعودية أن هدفها محاكمة المعتقلين الذين يواجهون تهم إرهاب، إلا أنها إستخدمت بشكل متزايد ضد المعتقلين السياسيين مثل المدافعين عن حقوق الإنسان والمتظاهرين وصحفيين وأطفال.
طبيعة عقوبة الإعدام التي لا رجعة فيها تعني أنه لا يمكن تنفيذها إلا إذا تم التقيد الصارم بضمانات المحاكمة العادلة وبعد حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة. ويوضح قانون السوابق القضائية لحقوق الإنسان أن أي حكم ينشأ عن محاكمة جائرة يعتبر باطل وغير قانوني.
المنظمة وثقت عددا من المحاكمات التي عقدت في المحكمة الجزائية المتخصصة، وأكدت أنها لا تتطابق مع المعايير الدولية لعدالة المحاكمات، حيث حرم المعتقلون من الحصول على محام. وقد سَمَحَ عدم وجود سلطة قضائية مستقلة، للحكومة السعودية بتوسيع أنواع الضحايا الذين تعاقبهم دون أن يتمكنوا من الإعتراض على أساس المحاكمة، وهذا ما جعل المحكمة محرقة لكل من تريد الحكومة معاقبته، وجهاز لتخويف المجتمع المدني.
النظام القضائي ككل إلى جانب المحاكم خاضع لسيطرة الحكومة، كما أن البنية الأساسية للنظام القضائي يقوضها مرسوم ملكي صدر مؤخرا ينص على أنه يجب على النيابة العامة أن ترفع تقاريرها مباشرة إلى الملك بغرض “مراقبة العدالة وحماية المجتمع” وهذا ما يقوض إستقلاليتها.
النظام المحلي: نظام مكافحة الإرهاب، والأحكام التعزيرية، ونظام الجرائم الإلتكرونية
تستخدم القوانين المحلية في السعودية كأدوات تسمح بالقمع بإسم القانون، متخطية الإتفاقيات الدولية التي تعد السعودية طرفا فيها. في 2007 سُنّ قانون الجرائم الإلكترونية، الذي منح الحكومة الحق في معاقبة كل من يتعامل مع الأجهزة الإلتكرونية أو وسائط التخزين أو شبكات التواصل الإجتماعي، بالسجن لمدة تصل إلى 6 سنوات وغرامة مالية تصل 500000 ريال.
في عام 2014 تم إصدار قانون مكافحة الإرهاب وعُدِّلَ في 2017. يسمح هذا القانون بسلسلة واسعة من التجريم، تعتبر حتى إنتقاد الملك أو ولي عهده عملاً إرهابيأ. قامت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان بالتعاون مع منظمات أخرى، بتحليل نسختي القانون، حيث خلص الخبير القانوني الدولي مايكل نيوتن إلى أن “القانون يزيل الإحترام القليل المتبقي لحقوق الإنسان ويفشل في الإمتثال للمعايير الدولية.” هذا ما يتفق عليه المقرر الخاص السابق المعني بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها في سياق مكافحة الإرهاب، بن إيمرسون، الذي أكد أن القانون يستخدم ضد النشطاء وغيرهم.
إضافة إلى ذلك تُستخدم الأحكام التعزيزية في لإصدار أحكام متحيزة، حيث لاحظت المنظمة أنه يتم إصدار أحكام مختلفة لنفس التهم، فقد تؤدي ذات التهم إلى الحكم بالإعدام فيما وقد تؤدي لأحكام بالسجن. وتعني الأحكام التعزيرية أن القاضي يستخدم تقديره الشخصي في الحكم ويحدد العقاب الذي يراه مناسبا، وهذا ما يتيح مجالا واسعا للتحيز والتسييس والتفاوت.
ويتسند القضاء السعودي على التعزير في إصدار كثير من أحكام الإعدام، على الرغم من أن كثير من المدارس الفكرية الإسلامية الأخرى لا ترى بأي حال بأن العقوبة التعزيرية قد تصل إلى الإعدام إلا أن الحكومة السعودية لا تستند إلى هذا الرأي وتختار تفسيرا نادرا وضيقا.
حملات تشويه عبر وسائل الإعلام
يخضع الإعلام في السعودية للسيطرة الشديدة، حيث لا توجد وسائل إعلام مستقلة، ويتم بإنتظام سجن الصحفيين الذين يقدمون آراء إنتقادية. تمثل الوسائل الإعلامية الموجودة التابعة للدولة وجهاً لأجهزة الدولة الأيديولوجية التي تستخدم للتأثير على الرأي بشكل عام بإستخدام حملات التشهير التي تشوه سمعة النشطاء والتي تحمل طابعا طائفيا في بعض الأحيان، بحيث توجه الرأي العام فيما يتعلق بعقوبة الإعدام.
وثقت المنظمة عددا من حالات التشهير، بينها الحملة العدوانية ضد الشيخ نمر النمر التي نشرتها وسائل الإعلام الرسمية المرتبطة بالحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر. تنتهك هذه الحملات حق الأفراد في إفتراض البراءة، كما أنها تستخدم للتأثير على الرأي العام والسيطرة عليه من خلال التسويق لأحكام الإعدام على أنها تطبيق للقانون الإلهي ووفقا للشريعة الإسلامية، مما يضيق إلى حد كبير مساحة نقاشها في المجتمع.
توقعات العام 2019
في حين تقر المنظمة بأهمية الإستجابات كالتي حصلت بعد إعدام الشيخ نمرالنمر، ومن بينها إدانة من قبل المفوض السامي للأمم المتحدة، إلا أنها تشير إلى أن هذا الرد جاء بعد التنفيذ، بينما المطلوب هو إستراتيجية وقائية وإستجابة مسبقة من المجتمع الدولي. في 2018 لاحظت المنظمة تقدما إيجابيا في أعقاب تصريحات مختلفة، دعت السعودية إلى وقف إعدام الأطفال والمتهمين بالتجسس والمدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام، كما صدر بيان إستهجن إستخدام السعودية عقوبة الإعدام لمقاضاة نشطاء بينهم الشيخ سلمان العودة.
ومع عدم إظهار معدلات التنفيذ أي مؤشر على التحسن، ومع الإدعاءات المضللة للحكومة السعودية، ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن توقعات العام 2019 قاتمة للغاية، إن لم يُبذل فيها مناصرة مؤثرة ونوعية للضحايا، وهذا ما يؤكد أهمية جميع الجهود لممارسة الضغط على الحكومة السعودية، لتحسين السجل المخزي للقتل الذي جعل من السعودية ضمن مقدمة الدول التي تمارس هذه العقوبة.