في اليوم الدولي لضحايا الإختفاء القسري الذي يحييه العالم في 30 أغسطس من كل عام، أكد أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه على الرغم من أنه “محظور تمامًا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان في جميع الظروف، لا يزال الإخفاء القسري يستخدم في أرجاء العالم كوسيلة للقمع والإرهاب وخنق المعارضة، وللمفارقة يتم استخدامه أحيانا بذريعة مكافحة الجريمة أو الإرهاب”. وأشار إلى أن “المحامين والشهود والمعارضة السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان معرضين لخطر الاختفاء القسري على وجه الخصوص”، وهذا ما “يحرم العائلات والمجتمعات من حقهم في معرفة الحقيقة عن أحبائهم والمساءلة والعدالة والتعويضات”.
تمارس المملكة العربية السعودية الإخفاء القسري بشكل واسع النطاق، وخاصة بحق المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي عبر تحايل ومراوغة فاضحة. يجهل أغلب ذوي الضحايا مصير أقاربهم بعد إعتقالهم من الشارع أو من أماكن أعمالهم، جراء حرمانهم من حقهم في التواصل معهم، وعدم تمكينهم من حقهم في الاستعانة بمحام.
في كثير من القضايا، بعد إخفاء قسري، يستمر لساعات أو أيام يسمح المسؤولون في سجون المباحث العامة للمخفي بإتصال قصير يبلغ فيه عائلاته عن مكان وجوده، ليعود ويختفي لفترات قد تمتد لعام أو أكثر، يتعرض فيها للتعذيب، ويحرم من حقه في التواصل مع العالم الخارجي أو في الحصول على محام.
وفي حالات أخرى، يمتد الإخفاء القسري من دون أي معلومة عن مكان وجود الضحية أو سبب الاعتقال لشهور أو سنوات، في ظل سياسة الترهيب التي تمارسها السعودية ضد النشطاء والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان.
وثقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إستخدام الحكومة السعودية الإخفاء القسري كمقدمة لممارسة التعذيب، وانتزاع اعترافات، وفي الكثير من الحالات استخدمت هذه الاعترافات لإصدار أحكام، بينها أحكام إعدام.
ويُعرف الاختفاء القسري طبقا للمادة الثانية من الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الإختفاء القسري، بأنه “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.
خلال العام 2021، رصدت المنظمة الأوروبية السعودية ممارسة الأجهزة الأمنية للإخفاء القسري بحق عدد من المعتقلين، بينهم نشطاء:
عبد الله المباركي:
في 22 يوليو 2021، أقدمت قوات من المباحث على اعتقال الناشط على الانترنت عبد الله بن عوض المباركي من منزله في مدينة ينبع. لا تعرف العائلة بشكل رسمي سبب الاعتقال، وانقعطت أخباره منذ لحظة الاعتقال. على الرغم من محاولات العائلة معرفة مكان تواجده، وتحققها من سجون ينبع والمدينة المنورة وجدة، لم تتمكن من الوصول إليه. إلا أن ناشطين يرجحون أن سبب اعتقاله على خلفية تعبيره عن رأيه، ومشاركته في حملات على وسائل التواصل الاجتماعي للدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية، واعتراضا على السياسات الحكومية.
لينا الشريف:
في أواخر مايو 2021 ، داهم مسؤولون من رئاسة أمن الدولة السعودية منزل عائلة الشريف في الرياض، واعتقلوا الدكتورة لينا الشريف ونقلوها إلى مكان مجهول. قبل اعتقالها، كانت الشريف نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتناقش السياسة السعودية وتدافع عن قضايا حقوق الإنسان في السعودية.
عبد الله جيلان:
في 12 مايو 2021 ، إعتقلت قوات أمن الدولة عبد الله جيلان، في المدينة المنورة، بعد اقتحام منزل والدته وتفتيشه قبل أن تأخذه إلى مكان مجهول. وكان جيلان نشطا عبر منصة تويتر، حيث دعا إلى حقه في العمل والحريات الأساسية في السعودية، ولا يزال مصيره ومكان وجوده مجهولين حتى الآن.
نجلاء عبد العزيز:
اعتقلت قوات الأمن السعودية الناشطة نجلاء عبد العزيز محمد المروان في 20 يوليو 2021، من منزلها في العاصمة الرياض. نجلاء شابة مطلقة ووالدة لطفلين. وبحسب المعلومات لا زالت السعودية تخفيها قسريا على الرغم من مرور أكثر من شهر على الاعتقال، حيث لا تعرف العائلة أي معلومات عنها.
ويظهر من حساب الناشطة نجلاء على منصة تويتر أنها رحبت وأيدت الدعوة للتظاهر بالتزامن في يوم عرفة. وكان مجموعة من الناشطين قد دشنوا وسما باسم #احتجاج_يوم_عرفة، ودعوا إلى المشاركة في حملة ضد سياسات الحكومة وولي العهد محمد بن سلمان، بهدف الدعوة إلى إطلاق سراح المعتقلين، إضافة إلى تمكين الشباب من حقهم في التوظيف وإلغاء الضرائب، وغيرها.
المنظمة الأوروبية السعودية رصدت اعتقالات تعسفية أخرى، أشارت المصادر الأهلية إلى أن ضحايا تعرضوا أيضا للإخفاء القسري، من بينهم الشيخ عبد الله الشهري الذي اعتقل على خلفية تغريدات انتقد فيها تصريحات ولي العهد محمد بن سلمان. كما أن من بين الأسماء التي تم رصد اختفاؤها، رينا عبد العزيز وياسمين الغفيلي.
إخفاء قسري مستمر:
إضافة إلى ذلك، تخفي السعودية أفرادا بشكل مستمر، من دون أي معلومات عن مكان وجودهم رغم مرور سنوات.
في أبريل 2016، اختفى الداعية سليمان الدويش خلال زيارته إلى مكة المكرمة. لا تعرف العائلة أي تفاصيل حول عملية الاعتقال ولا أسبابها، كما أنها لم تُبلغ رسميّا بأي معلومات حول مكان تواجده، غير إن وزارة الداخلية وضعت إسمه على الموقع الإلكترون نافذة، التابع لها والمخصص للتعريف بأسماء المعتقلين وحالتهم، وأشارت البيانات القليلة إلى أنه “رهن التحقيق”، إلا أن الإسم حُذف بعد فترة.
لا زال الدويش مختفيا، وعلى الرغم من طلب الفريق العامل المعني بالإخفاء القسري التابع للأمم المتحدة، معلومات رسمية من السعودية حول مكانه، لم يتم معرفة مكانه.
منظمات حقوقية تلقت معلومات في مايو 2021، أكدت لها أن الدويش نقل مباشرة إلى مكتب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد اعتقاله، حيث عمد إلى ضربه.
في أغسطس 2015 أعلنت الحكومة السعودية اعتقال أحمد المغسل في العاصمة اللبنانية بيروت. منذ اعتقاله قبل 6 سنوات لم تتمكن العائلة من التواصل معه أو معرفة مكان وجوده. وعلى الرغم من إعلان السعودية خبر الاعتقال، لم تعلن عن مكان اعتقاله، أو التهم التي يواجهها بشكل رسمية. كما أن المعلومات التي تلقتها العائلة حول إمكانية قتل المغسل أو وفاته تحت التعذيب أثارت مخاوف العائلة التي لم تستطع أن تصل إلى أي معلومات حول وضعه منذ اعتقاله.
وفي يناير 2020 اعتقلت قوات الأمن السعودية الشاب محمد آل عمار خلال عملية اقتحام عسكرية في القطيف. الحكومة السعودية أعلنت عن اعتقال آل عمار، بعد أن كان على قوائم المطلوبين فيها لسنوات، لكنها لم تمكن العائلة من معرفة مكان وجوده، ولم تسمح له بتلقي أي زيارات، في ظل معلومات عن إصابته إصابة بالغة خلال عملية الاعتقال.
إخفاء كمقدمة لأحكام جائرة:
إلى جانب القضايا التي لا زال الأفراد فيها مخفيين قسريا حتى الآن، يواجه معتقلون أحكاما قاسية تصل في بعض الأحيان إلى الإعدام، على الرغم من تعرضهم للإخفاء القسري وقت الاعتقال. من بينهم الشاب محمد الشاخوري الذي أخفته الحكومة السعودية قسريا 3 أيام عند اعتقاله، تمكن بعدها من التواصل مع عائلته في اتصال قصير، لتجهل ما يتعرض له لمدة 8 أشهر. كما كانت المنظمة قد رصدت تنفيذ أحكام إعدام بحق معتقلين بينهم قاصرون، على الرغم من الانتهاكات التي تعرضوا لها ومن بين ذلك الإخفاء القسري، مثل عبد الكريم الحواج.
ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن الحكومة السعودية تستخدم الإخفاء القسري لأسباب مختلفة. ففيما تستخدم الإخفاء في كثير من الحالات كمقدمة للتعذيب بهدف انتزاع اعترافات، كما تستخدمه لدوافع إنتقامية بحيث ترفض الإفصاح بشكل نهائي عن وضع ومكان المخفي قسريا، كما تستخدمه لترهيب المجتمع والعائلات.
وتؤكد المنظمة أن السعودية ومن خلال ممارستها للإخفاء القسري ترتكب “جريمة ضد الإنسانية”، وتخالف قوانينها المحلية والقوانين الدولية. وتشير إلى أن هذه الجريمة لا يمكن التذرع بأي حجة للإستمرار بالقيام بها وهذا ما أكدته الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري “لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري”.