شاركت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، في ندوة في إطار أعمال المؤتر الإقليمي الرابع بشأن عقوبة الإعدام في عمان، في كلمة تحت عنوان: نطاق عقوبة الإعدام في الأطر القانونية.
المدير القانوني للمنظمة طه الحاجي، أشار إلى أن المملكة العربية السعودية هي من أكثر دولة في العالم تطبيقا لعقوبة الإعدام، ولكن للأسف بما أن هذا المؤتمر يعقد في الأردن لن يكون هناك مشاركة لأي جهة من السعودية، رسمية أو معارضة.
وأعاد التذكير بالمشاركة السابقة في برلين وبصيص الأمل التي كانت تلوح في الأفق بعد توقف السعودية عن الاعدامات في القضايا المتعلقة بالمخدرات الذي خاب بعد انتهاء المؤتمر بعودة السعودية للإعدامات بعد توقف لأكثر من سنتين وعشرة أشهر.
وأوضح الحاجي أن السعودية تنفذ الإعدام على نطاق واسع، فمنذ يناير 2015، تاريخ استلام الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه الحكم حتى اليوم، نفذت السعودية أكثر من 1080 إعدام.
وأشارت الكمة إلى أن السعودية تقول أنها تستند على الشريعة الإسلامية في إصدار أحكام القتل. على الرغم من الوعود بإصلاحات تشريعية لم تصدر السعودية قانون للعقوبات حتى اليوم، بالتالي يحتفظ القضاة بصلاحيات واسعة النطاق في تحديد السلوك الذي يشكل جريمة ونوع العقوبة، وتصدر أحكام الإعدام وفقا للفئات الثلاث: القصاص والحد والتعزير.
- القصاص: تشمل عقوبة القصاص جرائم الأذى الجسدي والتسبب في الوفاة، بما في ذلك القتل العمد والقتل الخطأ. في حالة الحكم على مدعى عليه بحكم قصاص، يمكن لعائلة الضحية طلب الإعدام أو قبول التعويض المادي الذي يعرف بالدية، أو يمكن أن يتنازلوا عن حقهم.
- الحدود: عقوبة ثابتة وإلزامية، وينظر إليها على أنها حق الله، وهي تعتبر من أشد الجرائم، وهناك متطالبات قانونية وإجرائية وثبوتية يجب الالتزام بها حتى يصدر القاضي حكمه.
- التعزير: وينطبق الجرائم التي تعتبر دعاوى ضد الدولة أو المجتمع، وهي تقديرية أي أنها إما مشرعة من قبل الدولة أو يحددها القاضي في حال عدم ذكرها في الشريعة ولا القوانين، كما تطبق في حال عدم استيفاء المتطالبات القانونية والإجرائية والثبوتية لإصدار عقوبة إلزامية، أي الحد أو القصاص.
وأشار الحاجي إلى أن نظام العدالة في السعودية ينطوي على شوائب عدة، تجعل من أي حكم إعدام قتل تعسفي، بغض النظر عن نوع الجريمة، حيث تنعدم الشفافية في التعامل الرسمي مع القضايا وهو ما لا يسمح بمتابعة حقيقية ودقيقة للعدالة في مراحل المحاكمة. على الرغم من ذلك، فإن القضايا التي تم توثيقها تؤكد تعرض المعتقلين لانتهاكات عديدة، بينها التعذيب وسوء المعاملة في مراحل مختلفة، إلى جانب الحرمان من الحق في الدفاع الكافي عن النفس، يضاف ذلك إلى انعدام استقلالية القضاء وكون كل الأجهزة مرتبطة مباشرة بالملك.
واعتبر الحاجي أنه لا يمكن التعويل على أي حكم يصدر من نظام العدالة هذا، وخاصة مع غياب القوانين الواضحة والعادلة وصلاحيات القضاة الواسعة.
المداخلة ركزت على القضايا التعزيزية، بالتالي غير المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية التي تقول السعودية أنها تستند إليها. وأوضح الحاجي أنه في إحدى المقابلات، قال ولي العهد محمد بن سلمان في مارس 2022 أنه تم التخلص منها، وأن عقوبة الإعدام “باتت تقتصر على الحالات التي يقتل فيها أحد شخص آخر”.
بحسب تتبع المنظمة الاوروبية السعودية لحقوق الإنسان، فإن عقوبة الإعدام نفذت بشكل واسع بناء على أحكام تعزيرية خلال السنوات الماضية، شكلت تقريبا نصف الأحكام المنفذة، وهذه الأحكام على الأغلب، تطبق على تهم لا تعد في القانون الدولي من الأشد خطورة، والتي يجب أن تقتصر على جرائم القتل العمد.
المداخلة عددت التهم التي تعاقب عليها السعودية:
- المخدرات:
أثبت تعاطي الحكومة السعودية في ملف المخدرات أنه لا أساس ولا صحة لأي وعود بالتغيير والإصلاحات الحقوقية، وأن هناك استخدام للآليات التي يجب أن تعمل على حماية حقوق الإنسان وأبرزها الهيئة الرسمية لحقوق الإنسان. في يناير 2021 قالت الهيئة في بيان على موقع تويتر أن السعودية أوقفت عمليات الإعدام بجرائم مخدرات، وأن ذلك يهدف إلى إعطاء الأفراد الذين لا يواجهون جرائم من الأشد خطورة فرصة ثانية.
اعترفت السعودية بالتالي أنها تطبق أحكام القتل على جرائم ليست من الأشد خطورة. للأسف، بعد عامين تقريبا، وفي نوفمبر 2022 عادت السعودية إلى تنفيذ أحكام قتل بجرائم مخدرات بشكل مفاجئ، ومن دون أي تبرير. وفي مارس 2023، نفذت حكم إعدام بتهمة مخدرات بحق الأردني حسين أبو الخير. كانت عائلة حسين بانتظار إعادة محاكمته أو الإفراج عنه، بعد سنوات من التعذيب والانتهاكات، وبعد الوعود السعودية وتأكيد آراء ورسائل دولية أنه معتقل تعسفيا، وان محاكمته جائرة. أعدمت السعودية أبو الخير، وحاليا تحرم عائلته من حقها في الدفن. وأبو الخير وقضيته هي مثال لما يتعرض له العمال الأجانب من انتهاكات وخاصة المتهمين في قضايا مخدرات.
- قانون مكافحة الإرهاب:
تستخدم السعودية قانون مكافحة الإرهاب بشكل واسع النطاق. تصدر أحكام القتل التعزيرية بعد محاكمات أمام المحكمة الجزائية المتخصصة. خبراء دوليون أكدوا استخدام هذا القانون لخنق ممنهج لكل من يعبر عن رأيه. إلى جانب كون مواده تسمح بسلسلة من الانتهاكات، بدءا من الإخفاء القسري والتحقيق لأشهر من دون الحق في التواصل مع العالم الخارجي، إلى جانب استخدام تهم فضفاضة. فمثلا، من بين أبرز التهم التي وجهت إلى الأفراد الذين أعدموا خلال السنوات الماضية بعد محاكمات بموجب قانون الإرهاب: السعي لزعزعة النسيج الوطني واللحمة الوطنية.
الحاجي أوضح أنه في عام 2018، خلص المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية أثناء مكافحة الإرهاب، بعد زيارة رسمية إلى السعودية، إلى أن تدابير مكافحة الإرهاب “يُساء استخدامها لخنق المعارضة السياسية وقمع المعارضة وإسكات دعوات المنتقدين السلميين المطالبة بالإصلاح” وأن “هناك نقص شبه كامل في الشفافية فيما يتعلق بالمحاكمات المحلية في تهم الإرهاب”.
وأكدت المداخلة أنه بحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، يواجه 64 شخصا على الأقل عقوبة الإعدام. الإطلاع على التهم الرسمية الموجهة إلى المعتقلين، والإطلاع على صكوك الأحكام في القضايا التي صدرت فيها أحكام يؤكد استخدام تهمة الإرهاب وقانون مكافحة الإرهاب والمحكمة الجزائية المتخصصة بشكل تعسفي.
على سبيل المثال، طلبت النيابة العامة الإعدام بحق الشيخ حسن المالكي، من بين التهم التي يواجهها المالكي، عدم الاعتقاد بصحة أحاديث دينية، وتأليف عدد من الكتب، ووصف هيئة كبار العلماء بالتطرف.
أيضا، تطالب النيابة العامة بالإعدام بحق الشيخ سلمان العودة من بين تهمه الدعوة للتغيير والانضمام لتجمعات دينية وتأليب الرأي العام. كما أعدمت الشيخ نمر النمر بسبب مواقفه العلنية المعارضة لمواقف الحكومة.
إضافة إلى ذلك، أشار الحاجي إلى هناك حاليا 8 قاصرين على الأقل يواجهون خطر الإعدام، لم يواجه أي منهم تهمة قتل، ومن بين التهم التي واجهوها المشاركة في مظاهرات.
فيما هناك تهم أخرى وجهت إلى شبان، وحكم عليهم على إثرها بالإعدام، من بين التهم التي يواجهها بحسب لائحة الدعوى والتي حكم عليه بالإعدام تعزيرا بناء عليها: الإساءة إلى العائلة المالكة.
الحاجي انتهى إلى أن السعودية تكرر أمام مجلس حقوق الإنسان وفي ردودها على آليات الأمم المتحدة المختلفة أنها تستخدم عقوبة الإعدام على الجرائم الأشد خطورة فقط. يؤكد تتبع الإعدامات عدم صحة ذلك، بل إنه يبين بوضوح استخدام هذه العقوبة بشكل انتقامي وبتهم لا تعد من الأشد خطورة، وبعد محاكمات غير عادلة.