في 26 يونيو يحتفل العالم باليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، وهو اليوم الذي دخلت فيه اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة حيز التنفيذ عام 1987. تعد الإتفاقية إحدى الأدوات الرئيسية في مكافحة التعذيب، وفي عام 1997 صادقت المملكة العربية السعودية عليها، إلا أن هذه الممارسة لا زالت متجذرة في أداوت النظام، دون محاولة حقيقية للحد منها أو محاسبة مرتكبيها.
تنكر السعودية ممارسة التعذيب في السجون، وتكرر أن قوانينها تحظرها وتجرّمها، ولكن رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، يؤكد على ان السلطة تستخدم اشكال مختلفة من التعذيب وسوء المعاملة على نطاق واسع، يبدأ منذ لحظة التوقيف، مروراً بمرحلة التحقيق وفي كثير من الحالات لا ينتهي حتى بعد إصدار الأحكام. وبحسب القانون الدولي فإن ممارسة التعذيب على نحو منتظم وبشكل واسع النطاق تشكل “جريمة ضد الإنسانية”.
يبين رصد وتوثيق عدد من القضايا تورط المؤسسات المختلفة من النيابة العامة إلى رئاسة أمن الدولة، وصولا إلى القضاء في ممارسة والتستر على التعذيب وسوء المعاملة، كما تؤكد المتابعات أن الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب تستخدم لإصدار أحكام قد تصل إلى الإعدام.
فحص الصكوك القانونية يظهر هذه الممارسة بشكل واضح، ويؤكد مخالفة الحكومة السعودية لتعهداتها الخاصة، وخاصة المادة 12 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تنص على أنه “تضمن كل دولة طرف قيام سلطاتها المختصة باجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بان عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في أى من الاقاليم الخاضعة لولايتها القضائية.
تظهر صكوك الأحكام، السابقة والحالية، تجاهل القضاة لتأكيد الضحايا تعرضهم للتعذيب وانتزاع اعترافات منهم ما يؤدي إلى إصدار أحكام تعسفية بناء على هذه الاعترافات. هنا تحاول المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إظهار اتساع رقعة هذه الممارسة في القضاء السعودية وانعدام أي سبل حقيقية للمحاسبة.
أحكام إعدام منفذة:
- مصطفى الدرويش:
في 16 يونيو 2021 أعلنت الحكومة السعودية قتل القاصر مصطفى ال درويش. كان الدرويش قد أكد أمام القاضي تعرضه للتعذيب الشديد. في رده على النيابة العامة، كتب مصطفى: “تم إكراهي بالضرب والتعذيب الجسدي والنفسي على توقيع الإقرار حيث تعرضت للتهديد والسب من قبل المحقق والتسهير والحرمان من النوم وضربي بالعصي والأسلاك الكهربائية وإهانتي بالصفع على وجهي وإجباري على رفع يدي إلى الأعلى والوقوف لفترة طويلة على هذا الحال. معظم الضرب الذي تعرضت له كان في مناطق حساسة في جسدي وأتمسك أمام فضيلتكم في ردي على الدعوى بالدفع بوقوع إكراه أدى إلى توقيع الإقرار“.
في مطالبه قال مصطفى: “إنني أطلب مطلبا عادلا وهو استدعاء المحقق ومناقشته حول التحقيق والإقرار وما دفعت به من إكراه وتمكيني من مواجهته بذلك”.
يؤكد صك الحكم لاحقا، أن القاضي لم يعر أي اهتمام لمطلب مصطفى الدرويش، كما أنه اعتمد على إقرارات انتزعت منه تحت التعذيب لإصدار الحكم بالقتل وتنفيذه لاحقا من دون أي تحقيق.
مهددين بالإعدام:
- سعود الفرج:
في 23 يناير 2023 صادقت محكمة الاستنئاف الجزائية المتخصصة على حكم سعود الفرج بالقتل تعزيرا. قدم سعود شكاوى إلى الديوان الملكي وديوان ولي العهد وهيئة حقوق الإنسان والنائب العام، للحديث عن الانتهاكات والتعذيب الذي تعرض له. لم يتم الاستجابة لمطالبه، بل عمد ضباط السجن إلى معاقبته بسبب الشكوى.
في رده على مطالب النيابة العامة قال سعود: “بنيت الدعوى على مخالفات ممنوعة نظاما وقعت وعلى اسرتي، حيث أن زوجتي أوقفت معي لاستخدامها كرهينة لدى جهة التحقيق في المباحث وتم تهديدي باغتصابها أثناء فترة إيقافها ولما تعرضت له من تحرش جنسي، وبما تم التنكيل بي جسديا ومعنويا وتعذيبي مما استدعى نقلي إلى المستشفى عدة مرات مباشرة من غرف التحقيق وبما قضيت مدة 625 يوما بشكل متصل في زنزانة انفرادية وبما لا يعد ولا يحصى من المخالفات. تعرضت إلى التجريد من ملابسي عدة مرات والتحرش الجنسي”.
وطلب الفرج القاضي ب: “جلب التوثيق بالصوت والصورة الحية من إدارة سجن المباحث بالدمام الذي يثبت ما تعرضت له من إيذاء جسدي وصل إلى حد التنكيل.” و”جلب التقرير الطبي من المستشفى في إدارة سجن المباحث بالدمام والذي يثبت أنني قد نقلت إلى إسعاف جراء التعذيب”.
لم يستجب القاضي لمطالب الفرج، ويظهر صك الحكم أنه لم يتم التحقيق في انتزاع اعترافات منه، وصدر حكم الإعدام وتمت مصادقته من دون أي مراجعة لقانونيته.
- يوسف المناسف:
في 15 مارس 2023، صادقت محكمة الاستنئناف الجزائية المتخصصة على حكم الإعدام تعزيرا بحق يوسف المناسف بتهم حصلت حين كان قاصرا.
في رده على النيابة العامة أكد المناسف: “مورس معي التعذيب النفسي والجسدي الحاط بالكرامة التي أمر الله بصونها، وذلك بالضرب المبرح بكيابل الكهرباء والأحذية العسكرية البسطار، في جميع أنحاء جسدي وشتمي وشتم والدي والتهديد والوعيد بإحضار والدي ووالدتي وزيادة الاتهامات والقضايا علي ووضعي في زنزانة الحجز الانفرادي مدة ستة أشهر، وقد نتج عن التعذيب الذي تعرضت له تنويمي في مستفشى السجن لأربع سنوات”.
طلب يوسف من القاضي:تقريري الطبي وتصوير الفيديو الذي يثبت تعرضي لتعذيب، وتقرير طبي يثبت حالتي النفسية.”
يؤكد صك الحكم أن المحاكمة استمرت من دون التحقيق في أي من ادعاءات يوسف، وصدر الحكم بناء على اعترافات منتزعة تحتها.
أحكام تعسفية:
- محمد عصام الفرج:
حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على الشاب محمد عصام الفرج بالسجن 10 سنوات، وهي أقصى عقوبة ممكنة بحق القاصرين بحسب قانون الأحداث. وجهت إلى الفرج تهم غير جسيمة، بينها المشاركة في تجمعات حين كان يبلغ من العمر 9 سنوات.
أكد الفرج أمام القاضي خلال رده على النيابة العامة أنه: “بصم تحت وطأة الإكراه (المادي والمعنوي) من ضرب وإهانة والتهديد والوعيد باستخدام وسائل تعذيب قد تؤدي به للموت وكذلك أحيانا التغرير به كونه حدثا والإكراه الممارس عليه والحبس الانفرادي لمدة طويلة”.
غيرت النيابة العامة من مطالبها بالإعدام ورفعت لائحة دعوى جديدة بحق الفرج، إلا أن صك الحكم يؤكد عدم الأخذ بعين الاعتبار تأكيد الفرج تعرضه للتعذيب.
- عصام كوشك:
في فبراير 2018 حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على المدافع عن حقوق الإنسان عصام كوشك بالسجن أربع سنوات.
خلال رده على ادعاءات المدعي العام قال كوشك: “قضيت في السجن الانفرادي 5 أشهر تعرضت فيها لما يناقض نظام الإجراءات الجزائية الذي ينص على حظر إيذاء المقبوض عليه جسديا أو معنويا وتعريضه للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة وقد اقتدت مرتين إلى المحكمة خلال توقيفي وفي كلتاهما أبديت الملاحظات والاعتراضات شفاهيا لفضيلة كاتب العدل إلا أنه أشار أن أية ملاحظة توجب إعادة التحقيق من جديد فما كان مني إلا القبول خشية تكرار مسلسل السجن الانفرادي بكل أهواله وما تعرضت فيه من أذى نفسي ومادي”.
على الرغم من تأكيد كوشك أنه أقر تحت التهديد والخوف، بين صك الحكم أن المدعي العام اعتبر أن ذلك يهدف إلى التهرب عن الإقرارات. لم يحقق القاضي في مزاعم كوشك، وأصدر حكما بحقه.
تشير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى أن الامثلة التي أوردها التقرير تؤكد انعدام أي سبل واقعية لمحاسبة مرتكبي جريمة التعذيب، كما أنها تبين تورط الأجهزة الرسمية كافة فيها، وأن القضاة لا يأبهون بالتأكد من حدوث جريمة التعذيب أو عدم حدوثها، في إصدار الأحكام اتي قد تصل إلى الإعدامات.
وترى المنظمة أن عدم تحقيق القضاة في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة، وتجاهل كافة الادعاءات ببساطة وإصدار الأحكام رغما عنها، هو انتهاك صارخ لاتفاقية مناهضة التعذيب. كما تعتبر أن قياس القضايا التي تتابعها المنظمة على الرغم المحاولات الرسمية للتعتيم، يبين أن التعذيب يمارس على نطاق واسع وقد يشكل جريمة موصوفة ضد الإنسانية، في ظل انعدام أي سبل واضحة للعمل على الحد منها.