تستمر معاناة 83 عائلة على الأقل، في المملكة العربية السعودية وعائلات عديدة أخرى خارجها، جراء احتجاز جثامين أبنائها منذ سنوات. ثمانية منهم قاصرين، لم تتمكن عائلاتهم من وداعهم ودفنهم وحرموا من تجهيزهم وتشييعهم حسب معتقدهم وعاداتهم الخاصة، ولا يعرفون مكان دفنهم حتى الان.
تمكنت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان من رصد 86 حالة إخفاء جثمان لأفراد قتلوا بأشكال مختلفة. توثيق الحالات، على الرغم من انعدام الشفافية في تعامل الحكومة السعودية، وعلى الرغم من مخاوف عائلات الضحايا الذي يمنع من الوصول إلى الأرقام، يؤكد أن هذه الأرقام قد تكون أكبر، وخاصة فيما يتعلق بجثامين الأجانب. فإلى جانب الجثامين التي تعود لأفراد قتلتهم الحكومة السعودية بعمليات إعدام أو خارج نطاق القضاء، رصدت المنظمة عدم تسليم السعودية لجثامين أفراد من الجنسية الفيليبينة توفوا بمضاعفات فيروس كوفيد 19، وقيامها بدفنهم من دون موافقة عائلاتهم. يرجح ذلك إمكانية كون أن الأرقام باد الجثامين المحتجزة أعلى بكثير.
بحسب هذا التوثيق فإن 83 جثمانا يعود لضحايا من الجنسية السعودية، إلى جانب عدد غير معروف لأفراد من جنسيات اخرى. من بين الجثامين المحتجزة، 7 جثامين تعود لقاصرين عمدت السعودية إلى إعدامهم وجثمان يعود لقاصر قتل خارج نطاق القضاء. وهي جثامين: علي الربح الذي أعدم في يناير 2016، كل من محمد سعيد السكافي وسلمان أمين آل قريش ومجتبى نادر السويكت وعبد الله سلمان آل سريح وعبد العزيز حسين سهوي وعبدالكريم محمد الحواج الذين أعدموا في أبريل 2019، ووليد العريض الذي قتلته القوات الأمنية خارج نطاق القضاء في مارس 2017. وكانت المنظمة قد رصدت الانتهاكات التي تعرض لها القاصرون وغيرهم من الضحايا ما قبل تنفيذ أحكام الإعدام، من بين ذلك التعذيب والحرمان من الحق في محاكمة عادلة وغيرها.
تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن احتجاز السعودية لجثامين الضحايا ورفضها الكشف عن مصيرها، ممارسة تعسفية، لم تقم بها إلا أشد الدول ممارسة للظلم والقمع، وقد تكون السعودية الدولة الوحيدة التي تمارس سياسة احتجاز الجثامين التعسفية في حالات السلم وضد مواطنيها.
وتشير المنظمة إلى أن انعدام اليقين لدى عائلات الضحايا، حول مصير الجثامين أو مكان دفن الجثث ورفض الحكومة تسليمها وضمان حصولها على مراسم دفن تتناسب مع التوجهات الدينية، هو إمعان في تعذيب العائلات وزيادة معاناتها. فإلى جانب كون احتجاز الجثمان انتهاك لحق الضحية فهو انتهاك مستمر وتعذيب بحق العائلات.
مطالب العائلات:
منذ إعلان الحكومة السعودية تنفيذها عملية القتل الجماعي في يناير 2016، بدأت عائلات الضحايا بالمطالبة بتسلم الجثامين من أجل إكرامها ودفنها.
قدّمت معظم عائلات المواطنين الذين قتلوا على أيدي القوات السعودية، خطابات إلى الجهات الرسمية، مثل هيئة حقوق الإنسان ووزارة الداخلية وإمارة المنطقة الشرقية، يطالبون فيها بتسليم جثامين أبنائهم لدفنهم بحسب معتقداتهم الدينية وفي مناطقهم ورغبتهم. كما عمدت بعض العائلات إلى نشر بيانات علنية كرروا فيها المطلب ذاته، إلا أن ذلك كله قوبل بالرفض أو التجاهل بل والتحذير من الاستمرار بالمطالبة.
بعد مرور عامين على مجزرة أبريل 2019 وخمس أعوام على مجزرة يناير 2016، لا زالت عدد من العائلات تعبر عن حزنها لاستمرار جهلها بمصير الجثامين وتكرر مطالبتها بحقها في تسلمها ودفنها.
رد الحكومة السعودية:
بحسب عائلة الشيخ نمر النمر، الذي أعدم مع آخرين في يناير 2016، ردت الحكومة بإنها لن تسلم جثمانه، معللة ذلك بإنه دفن في مقابر “المسلمين”. رفضت الحكومة السعودية الإفصاح عن مكان تلك المقابر بالرغم من اختلاف طقوس واجراءات الصلاة والتشييع بين المذهب الشيعي، الذي ينتمي له معظم الضحايا، ومذهب الحكومة الرسمي.
أما الضحيتين محمد طاهر النمر و مقداد محمد النمر، اللذان قتلا على يد قوات الأمن خارج نطاق القضاء، فقال أحد المسؤولين في جهاز المباحث ردا على طلب إستعادة الجثمانين، بأن وزارة الداخلية -قبل أن تنتقل صلاحياتها لجهاز رئاسة أمن الدولة- أصدرت قراراً بمنع تسليم الجثامين لكونهما كانا على قوائم المطلوبين. فيما قوبل طلب عائلة عبد الرحيم الفرج بالرفض من قبل مكتب أمير المنطقة الشرقية الذي قال أن القرار صدر من الرياض بعدم تسليم الجثمان للأسرة.
إضافة إلى ذلك، ففي أكتوبر 2018 سأل المقررون الخاصون في الأمم المتحدة السعودية في رسالة عن موضوع إعادة الجثامين: “يرجى تقديم معلومات مفصلة عن الإجراءات المتبعة من قبل وبعد تنفيذ التنفيذ ، بما في ذلك فترة الإخطار المقدمة لأفراد الأسرة قبل الإعدام ولإعادة الجثمان إليه معه”.
وفي يوليو 2017 أيضا، أشار المقررون، إلى أن “جثث سبعة سعوديين تم إعدامهم بين 2016 و 2017، لم تتم إعادتها إلى عائلاتهم، على الرغم من الطلبات المقدمة إلى السلطات. سبب رفض إعادة الجثث لذويهم هو انه يُزعم أن الدفن تم لإخفاء آثار التعذيب التي لا تزال ظاهرة على رفاتهم. وتتعلق هذه الادعاءات برفات الشيخ نمر باقر النمر والسيد علي الرباح والسيد محمد فيصل محمد الشيوخ والسيد عبد الرحيم علي الفرج والسيد مقداد محمد حسن النمر والسيد محمد طاهر محمد النمر والسيد علي محمود علي حسين عبد الله.”
الحكومة السعودية تجاهلت في ردها على رسالتي المقررين، موضوع إعادة الجثامين.
المصير المجهول:
إن رفض الحكومة السعودية التجاوب مع مطالب العائلات بتسليم الجثامين لممارسة حقها في الدفن، يترافق مع انعدام يقين حول مصيرها، حيث لا تقرّ الحكومة السعودية بمكان الدفن ولا تعطي تفاصيل عن طريقة الدفن. يعزز ذلك المخاوف لدى العائلات ويزيد من معاناتها، وخاصة في ظل وجود احتماليات حول مكان ومصير الجثة.
- أكدت عائلات أن لديها مخاوف من سرقة الحكومة أعضاء الجثامين التي تحتجزها. فبحسب المعلومات التي وصلتها من قبل الضحية قبل إعدامه أنه أجبر على التوقيع على أوراق لم يتمكن من قرائتها بشكل كامل، تتضمن ما يتعلق بالجثامين.
- لدى بعض العائلات مخاوف من تشويه أو تعذيب يتعرض له الأفراد قبل إعدامهم يدفع الحكومة إلى احتجاز الجثمان ورفض تسليمه. يعزز هذه المخاوف تسلم جثامين لأفراد قتلوا تحت التعذيب خلال الاعتقال، وبعد تسلم الجثمان تبين آثار التعذيب. إضافة إلى ذلك، فإن المعلومات التي تحدثت عن تشويه وتقطيع وحرق لجثة الصحفي جمال خاشقجي الذي قتل في القنصلية السعودية في اسطنبول تثير مخاوف من مصير مماثل للجثامين.
- بحسب رد الحكومة السعودية على بعض العائلات، فإنها عمدت إلى دفن الجثامين “في مقابر المسلمين”. أثار ذلك مخاوف من العائلات من إمكانية القيام بالدفن في مقابر جماعية.
انتهاك احتجاز الجثامين للقوانين الدولية:
إن رفض الحكومة السعودية تسليم الجثامين واستمرار انعدام اليقين حول مصيرها، ينتهك عددا من القوانين الدولي. فعلى الرغم من كون هذه الممارسة نادرا ما تمارس خارج نطاق الحروب، فإن القوانين بينت الانتهاك التي تقوم بها السعودية.
ففي اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام للعام 2019، سلط الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا بشكل مشترك الضوء على تأثير عقوبة الإعدام على أطفال الأشخاص الخاضعين لعقوبة الإعدام. ولاحظوا أن حرمان الأطفال والأسر من الدفن أو الحرق ينتهك حقوقهم الإنسانية، ولا سيما حقهم في التحرر من المعاملة القاسية واللاهوائية والمهينة. يعاني الأطفال الذين فقدوا والديهم بسبب عمليات الإعدام من حزن وصدمة عميقة ودائمة.
من جهتها، اللجنة المعنية بحقوق الإنسان قالت في الفقرة 11-10 من قرارها (CCPR/C/106/D/2120/2011) الصادر في نوفمبر 2012، الذي يتعلق يإحدى القضايا التي نظرتها والتي تتضمن إمتناع إحدى الحكومات عن الإخبار بوقت تنفيذ حكم الإعدام وتسليم الجثمان ومكان دفنه:
“وتدرك اللجنة أن المعاناة والكرب الذهني المستمرين اللذين تعرضت لهما صاحبتا البلاغ، بوصفهما والدة السجين المنفذ فيه حكم الإعدام وشقيقته، من خلال استمرار الشكوك المحيطة بالملابسات التي أدت إلى إعدامه، وبالمكان الذي يوجد فيه قبره. كما أن السرية التامة المحيطة بتاريخ تنفيذ الإعدام ومكان الدفن، فضلاً عن رفض تسليم الجثة للدفن طبقاً للطقوس والمعتقدات الدينية لأسرة الشخص المنفذ فيه حكم الإعدام، لها أثر تخويف الأسرة أو معاقبتها من خلال تركها عمداً في حالة من الشكوك والكرب الذهني. وبالتالي تخلص اللجنة إلى أن هذه العناصر، مجتمعة، وما لحق ذلك من تقصير مستمر من جانب الدولة الطرف في إخطار صاحبتي البلاغ بالمكان الذي يوجد فيه قبر السيد …، إنما هي بمثابة معاملة لا إنسانية لصاحبتي البلاغ، انتهاكاً للمادة 7 من العهد”.
إضافة إلى ذلك قال المقرر الخاص المعني بالإعدام خارج نطاق القضاء، في الفقرة 27 من تقرير (E/CN.4/2006/53/Add.3) المقدم إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في مارس 2006:
“وبالنسبة للسجين وأسرته أو أسرتها، فإن المسألة الأخرى هي أن إنعدام الشفافية – حيث يعتبر إنتظار إعدام شخص تجربة مروعة بالفعل -قد يؤدي إلى “المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة.”
وفي تقرير العام 2008 حول تطبيق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أكدت لجنة حقوق الإنسان في توصياتها على أنه “يجب التأكد من إبلاغ العائلات مسبقًا بتاريخ إعدامهم أفراد الأسرة، وأن يعاد الجثمان إلى الأسرة لدفنه على انفراد”.
إضافة إلى فإن حرمان العائلات من دفن أحبابها بما يتوافق مع معتقادتها انتهاك للحقوق الدينية والتي يقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
الخاتمة :
تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية أن رفض الحكومة السعودية الكشف عن مصير ومكان جثامين الأفراد الذين قتلهم، ورفضها تسليم الجثامين إلى العائلات لمنحها حقها في الدفن، هو ممارسة انتقامية لا يمكن السكوت عنها. وتشير المنظمة إلى أن سوداوية هذه الممارسة تتفاقم في قضايا قتل القاصرين الذين تحرم العائلات من وداعهم حيث أن انعدام اليقين حول مصير جثامينهم يفاقم المعاناة. وتؤكد المنظمة على أن الصمت حول هذه القضية على الرغم من انتهاكها للقوانين الدولية بشكل واضح، وعلى الرغم من التجاهل السعودي الرسمي الواضح للسؤال عنها من قبل المقررين الخاصين، يجعل الحكومة السعودية تستمر بها على الرغم من كونها تعذيب نفسي مستمر للعائلات.