أحكام الإعدام في السعودية: مسار متقاطع من الانتهاكات يضاعف الضحايا والمأساة

رئيس جهاز رئاسة أمن الدولة عبد العزيز الهويريني – النائب العام سعود المعجب

منذ العام 2013، تتابع المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان قضايا الإعدام في المملكة العربية السعودية. خلال هذه السنوات، تتبعت المنظمة أحكام الإعدام التي تم تنفيذها والتي أعلنت عنها وزارة الداخلية، ورصدتها في قوائم بينت فيها التفاصيل التي تظهر في بيانات وزارة الداخلية. من بين هذه التفاصيل، إسم المحكوم وجنسيته، وتاريخ الحكم، ومكان التنفيذ، والتهم  المحكمة ونوع الحكم. تم رصد إخفاء بعض هذه التفاصيل في بعض القضايا، وتزايد إخفاء المعلومات خلال السنوات الأخيرة. معظم الأحكام التي أعلنت وزارة الداخلية عن تنفيذها لم يكن قد تم رصدها سابقا من قبل أي من المنظمات الحقوقية كما لم تنشر في قوائم رسمية علنية.

 وعلى الرغم من انعدام الشفافية، تمكنت المنظمة من توثيق عدد من القضايا، وتابعت مسار الاعتقال والمحاكمة وصدور الحكم، وصولا إلى التنفيذ. حللت المنظمة مسارات القضايا التي تمكنت من الوصول إلى تفاصيلها، من خلال الشهادات وصكوك الأحكام وغيرها من الأوراق الرسمية. بناء على ذلك، رصدت أنماطا تتبعها السعودية في القضايا السياسية التي تتشابه التهم فيها إلى حد بعيد، كما تتلاقى الإجراءات المتبعة فيها، من مرحلة الاعتقال وصولا إلى صدور الحكم من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة.

تحاول المنظمة الأوروبية السعودية في هذا التقرير، تسليط الضوء على الممارسات الشائعة والمشتركة التي جعلت من عقوبة الإعدام عقوبة قاسية وتعسفية في كافة مراحلها، بحق المحكومين وعائلاتهم والمجتمع بشكل عام وآظهرت بوضوح استخدامها للترهيب. وبالتالي لم تكن السعودية من أكثر لدول تنفيذا للعقوبة فقط، بل بكون ممارساتها من الأشد قسوة ما يظهر بوضوح استخدام العقوبة التعسفي.

الاعتقال:

تمارس السعودية الحرمان من الحق في الحرية بشكل واسع، وكان الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي التابع للامم المتحدة قد كرر في آرائه التي أصدرها خلال السنوات الماضية، مخاوفه من نمط الانتهاكات التي تمارسها في الاعتقالات، وأوضح مرارا أنه في ظروف معينة فإن السجن الواسع النطاق والممنهج قد يشكل جرائم ضد الإنسانية.

رصدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان نمطا من الانتهاكات يمارس عند الاعتقال، من بين ذلك الاعتقال من دون إبراز مذكرة وإعطاء السبب، واستخدام العنف والترهيب.

الحجز الانفرادي والإخفاء القسري:

يتعرض المعتقلون لانتهاكات جسيمة منذ لحظة الاعتقال، من أبرزها الإخفاء القسري، الذي وثقت المنظمة أنه يستخدم على نطاق واسع، يبدا من لحظة الاعتقال ويمتد على مدار ساعات أو أيام وفي بعض الحالات على أكثر من ذلك. يشكل الإخفاء القسري تعذيبا نفسيا يؤثر على العائلات بشكل كبير التي لا تعرف مصير أبنائها، إلى جانب كونه انتهاك صارخ للقوانين الدولية.  في معظم الحالات وثقتها المنظمة الاوروبية السعودية، يلحق الإخفاء القسري حجز إنفرادي يمتد في معظم الأحيان على مدار أشهر، تكون فترة التحقيق.

اعتقال قاصرين دون إبلاغ عائلاتهم:

أظهر تتبع المنظمة أن هناك انتهاكات طالت القاصرين الذين تم اعتقالهم، من بين ذلك الاعتقال من دون إبلاغ عائلاتهم. على سبيل المثال، تم اعتقال محمد عصام الفرج عند خروجه من صالة ألعاب حين كان يبلغ من العمر 15 عاما، ولم تعرف العائلة بمكان وجوده خلال الأيام الأولى للاعتقال، ولم تتمكن من زيارته إلا بعد مرور شهرين.

المداهمات المسلحة:

من الممارسات التي شاعت في السعودية خلال السنوات الأخيرة  المداهمات المسلحة، حيث رصدت المنظمة مداهمات أمنية يتم خلال اقتحام المنازل التي تحوي عائلات واستخدام الأسلحة والقنابل، وضرب نساء عزل وترويع أطفال. وبحسب تتبع المنظمة فإن هذه المداهمات أدت في بعض الحالات إلى وفيات في صفوف الناس، وإلى إصابات، إلى جانب تخريب في الممتلكات.

الابتزاز:

إضافة إلى الاعتقالات العنيفة، برز استخدام الابتزاز لدفع المطلوبين إلى تسليم أنفسهم أو التوقيع على اعترافات، من بين ذلك اعتقال زوجة سعود الفرج معه وتهديده باغتصابها لإجباره على توقيع اعترافات، وتهديد عباس الحسن وأسعد شبر علي، باعتقال زوجاتهما.

التعذيب والمحاكمة:

وثقت المنظمة الأوروبية السعودية أنماطا من التعذيب تطال المعتقلين وخاصة في القضايا السياسية. وبحسب تتبع المنظمة فإن التعذيب النفسي والجسدي الذي يتعرض له المعتقلون يهدف إلى دفعهم إلى التوقيع على اعترافات أو بهدف الانتقام منهم بسبب الشكوى أو المواقف.

اللقاء الأول بعد التعذيب:

عائلات عدد من الأفراد الذين تم إعدامهم أشارت إلى أنها لم تتعرف على ابنها عند زيارته لأول مرة بعد انتهاء التحقيق. وفي العادة فإن أول زيارة للمعتقل من قبل العائلة تتم بعد انتهاء فترة السجن الانفرادي التي يتم فيها التحقيق وممارسة التعذيب. بعض العائلات أشارت إلى أن النقصان الشديد في وزن المعتقل أدى إلى عدم تمييزه، فيما تحدثت عائلات أخرى عن رفض المعتقل اللقاء بأطفاله بسبب آثار التعذيب على وجهه وجسده. إضافة إلى الصدمة من الشكل خلال اللقاء الأول، فإن بعض المعتقلين واجهوا صعوبة في التواصل وفي الكلام بسبب ما تعرضوا له.

ترهيب العائلات التي تحدثت عن مسار المحاكمات:

تنعدم الشفافية في تعامل الحكومة السعودية، وتعد العائلات هي المصدر الرئيسي للمعلومات التي تصل إلى الخارج حول ما يتعرض له المعتقلون. خلال السنوات الماضية، كانت العائلات تتحدث عن القضايا، وسبق أن سجلت أمهات لمعتقلين مهددين بالإعدام مقاطع مصورة فصّلت فيها الانتهاكات التي تعرض لها أبناؤهم بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة وعدالة المحاكمة. لاحقا، وبسبب التهديدت التي تلقتها بعض العائلات توقفت عن النشر، كما وصلت معلومات إلى المنظمة الأوروبية السعودية أكدت استدعاء بعض أفراد العوائل إلى التحقيق بسبب التواصل مع المنظمات والعالم الخارجي.

الاتصال الأسبوعي:

بعد انتهاء مدة السجن الانفرادي والتحقيق، يتاح للمعتقل عادة القيام باتصال أسبوعي بعائلته. رصدت المنظمة الأوروبية السعودية الحرمان من هذا الحق كنوع من أنواع العقاب. كما أنها رصدت انقطاعا في الاتصال لعدة أشهر بدون سبب في بعض القضايا.

وعلى الرغم من كون الحق في الاتصال فرصة للعائلات للاطمئنان على أبنائها، إلا أنه شكل في بعض الأحيان نوعا من أنواع التعذيب النفسي، وخاصة مع انعدام الشفافية وعدم إعطاء العائلات حقها في الوداع. في مارس 2023، رصدت المنظمة الأوروبية السعودية إعدامات نفذت يوم الثلاثاء من كل أسبوع على مدار 8 أسابيع في سجن المباحث العامة في الدمام، ما جعل عوائل المحكومين بالإعدام في ذلك السجن، يعيشون الرعب من إمكانية تنفيذ الحكم. وبحسب تتبع المنظمة تعرضت عائلات لصدمة نفسية، حين سمعت بتنفيذ حكم الإعدام بحق أحد أبنائها في نفس يوم انتظارها للاتصال الأسبوعي، من بينهم عائلة الشاب مصطفى الدرويش.

الزيارة الشهرية:

بعد انتهاء مدة التحقيق، يحصل المعتقل عادة على زيارة شهرية من عائلته. بحسب تتبع المنظمة استخدمت السعودية هذا الحق كأداة إضافية للتعذيب، حيث يتم حرمان بعض المعتقلين منها كنوع من أنواع العقاب على سلوك المعتقل الذي قد يكون رفع شكوى. بعض العائلات أكدت أنها تبلغ بحرمانها من حقها في الزيارة الشهرية بعد وصولها إلى السجن.

إضافة إلى ذلك، رصدت المنظمة انتهاك جسيم للحق في الزيارة خلال فترة جائحة كوفيد، حيث أن الحكومة السعودية أوقفت هذا الحق لفترة طويلة من دون أي بديل يمنح المعتقلين حقهم في التواصل. لاحقا وعلى الرغم من تخفيف وإلغاء القيود المفروضة خلال الجائحة استمرت السعودية بوضع حواجز زجاجية بين المعتقلين وعائلاتهم من دون أسباب واضحة.

إصدار ومصادقة الأحكام من دون إبلاغ العائلات:

تنعدم الشفافية في تعامل الحكومة السعودية في ملف المحكومين بالإعدام، وفي كثير من القضايا، رصدت المنظمة عدم تمكن العائلات من تتبع سير قضايا أبنائها خلال مراحل المحاكمة. وبحسب تأكيد بعض العائلات لم يتم التجاوب معها أو مع المحامين من قبل المحكمة عند الاتصال لمعرفة مصير القضايا. تتبع المنظمة بين أيضا محاولات العائلات التواصل مع المحكمة العليا لتأكيد وضع الحكم في مرحلته الأخيرة وإمكانية التنفيذ، إلا أنها تجاهلت اتصالاتها.

الدفاع عن المعتقلين والتنفيذ:

إخفاء المعلومات:

لطالما اتسمت الإجراءات القضائية عامة وعقوبة الإعدام بشكل خاص بالسرية في السعودية، حيث تنعدم الشفافية وتنحصر المعلومات عن الإعدامات التي تنفذ بالبيانات التي تنشرها وزارة الداخلية ووكالة الأنباء الرسمية. استخدمت هذه المعلومات من قبل المنظمات الحقوقية لرصد أرقام الإعدامات المنفذة وبعض المعلومات المحددة بما في ذلك تاريخ التنفيذ والمنطقة والمحكمة ونوع الحكم. على الرغم من ذلك أكدت تقارير أن السعودية لا تنشر بيانات عن كل الإعدامات التي تنفذها. ظهر ذلك في تصريح لهيئة حقوق الإنسان الرسمية إلى منظمة العفو الدولية حول إعدامات العام 2022، كما تم رصد تنفيذ إعدامات بشكل سري.

مع بداية 2024، رصدت المنظمة الأوروبية السعودية نهجا جديدا متبعا في البيانات التي تصدرها وزارة الداخلية. فبحسب الرصد أخفت السعودية نوع المحكمة التي أصدرت الحكم في قضايا تتعلق بالإرهاب، ما يرجح أن نوع المحكمة التي تم إخفاؤه هو المحكمة الجزائية المتخصصة. إضافة إلى ذلك، أخفت بعض البيانات التي صدرت خلال 2024 نوع الحكم في قضايا ذكر فيها أن التهم تتعلق بالإرهاب، وبالتالي فإن الحكم على الأغلب هو حكم تعزير.

الدفاع عن المهددين:

أشارت متابعات المنظمة الأوروبية السعودية إلى تعرض العديد من العائلات التي تابعت قضايا أبنائها المهددين بالإعدام ونشرت عنها وتواصلت مع المنظمات والإعلام عنها، إلى تهديد ومضايقات.

المعلومات أكدت أيضا أن التهديد باعتقال الرجال ومحاكمتهم بسبب النشاط في الدفاع عن المحكومين أدى إلى دور جديد للنساء في إيصال المعلومات والانتهاكات عن الضحايا. لاحقا، لم تعد النساء بمنأى عن التهديد والانتهاكات بسبب الدور الذي لعبنه في الدفاع عن أبنائهن، وأشارت المعلومات إلى استدعاءات وتحقيق على خلفية ذلك.

الحرمان من الحق في الوداع:

بشكل متكرر، تحرم عائلات المعتقلين الذين تم إعدامهم في السعودية في قضايا سياسية، من حقهم في الوداع الأخير، حيث لا تعرف العائلات موعد تنفيذ الحكم، وفي بعض الحالات لا تعرف أنه تمت المصادقة بشكل نهائي عليه. سمعت عائلات المحكومين الذين تابعت المنظمة قضاياهم بتنفيذ الأحكام من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي لم تعرف أنها حصلت على الاتصال الأخير أو الزيارة الأخيرة. يؤثر ذلك بشكل مباشر على العائلات وخاصة أطفال الأفراد المحكومين بالإعدام.

الحرمان من الدفن ومن إقامة مراسم العزاء:

منذ العام 2015، رصدت المنظمة الأوروبية السعودية منع العائلات من تسلم جثامين أبنائها الذين تم إعدامهم. طالبت العديد من العائلات بهذا الحق من خلال البيانات العلنية أو من خلال الرسائل المباشرة إلى الجهات التي من المفترض أنها معنية. واجهت الحكومة السعودية هذه المطالب أولا بالتجاهل ولاحقا بتهديد العائلات في حال الاستمرار بالحديث والمطالبة بالحق في الدفن. أكدت العائلات أنها لا تعرف مكان دفن الجثمان وتكتفي السعودية بالرد على هذا الموضوع بأن الدفن تم في مقابر المسلمين بالطريقة الشرعية. تخالف هذه الممارسة القوانين الدولية كما أنها تخلف آثار نفسية عميقة عند العائلات.

إضافة إلى ذلك، لاحقا رصدت المنظمة تنامي الانتهاكات بعد تنفيذ الحكم، فإلى جانب الحرمان من الحق في الدفن، منعت العائلات من إقامة مراسم العزاء بالشكل المعتاد وتم استدعاء وتهديد بعض العائلات. وفي 2024، وصلت إلى المنظمة الأوروبية السعودية معلومات أشارت إلى أنه طلب من عائلات أفراد تم إعدامهم عدم نشر صورهم أو نشر أي خبر عن تنفيذ الأحكام.

الخاتمة:

تشير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى أن من الصعب تتبع قضايا الأفراد المحكومين بالقتل في السعودية، إلا أن القضايا التي توثقها المنظمات الحقوقية تظهر نمطا متبعا من الانتهاكات يبدأ مع الاعتقال ولا ينتهي مع تنفيذ الحكم. وفيما تعد عقوبة الإعدام عقوبة قاسية لا يجب أن تطبق إلا في أشد الجرائم خطورة، فإنها تطبق في السعودية على نطاق واسع وتحت مظلة كبيرة من التهم. وتعتبر المنظمة أن الإجراءات التي تسبق وترافق وتلحق إصدار وتنفيذ العقوبة تجعل منها عقوبة قاسية ودموية تطال المحكوم وعائلته كما يدفع الترهيب الذي يرافقها إلى التأثير على المجتمع ككل.

AR