بعد سنوات من مطالبة الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بإصلاحات للتنظيمات التشريعية، قوبلت بقمع وتخوين وتشهير وتعنت رسمي وانتهاكات بحق المطالبين، أعترف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بقصور الأنظمة الحالية عن العدالة، والحاجة الملحّة إلى إصلاحات جذرية.
ففي 8 فبراير 2021، أعلن بن سلمان عن تنظيمات تشريعية، قال إنها سوف تساهم في تطوير البيئة التشريعية واستقرار المرجعية النظامية بما يحدّ من الفردية في إصدار الأحكام، ويمنح إمكانية التنبؤ بها. التنظيمات عبارة عن مشروع نظام الأحوال الشخصية، ومشروع نظام المعاملات المدنية، ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ومشروع نظام الإثبات.
بن سلمان المتفرد في السيطرة على جميع مفاصل الحكم وسلطات الدولة، اعترف أن “عدم وجود هذه التشريعات أدّى إلى تباينٍ في الأحكام وعدم وضوح في القواعد الحاكمة للوقائع والممارسات، ما أدّى لطول أمد التقاضي الذي لا يستند إلى نصوص نظامية، علاوة على ما سبَّبهُ ذلك من عدم وجود إطار قانوني واضح للأفراد وقطاع الأعمال في بناء التزاماتهم”. وقال أنه تمّ إعداد هذه المشاريع بما يُراعي التزامات السعودية فيما يخصُّ المواثيق والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها، في وقت كان الخطاب الرسمي يردد دوما إن السعودية ملتزمة بالإتفاقيات الدولية التي انضمت إليها.
كانت فكرة التعديلات التشريعية التي تحدث عنها ولي العهد، أبرز وأهم مطالب العديد من الإصلاحيين والحقوقيين لعدة سنوات، وقد دفعوا ولازالو ثمنا باهظاً نظير المطالبة بها، مثل الإعدام والاعتقال والتهجير. وبالتالي، فإن تبني هذه المطالب حالياً، يمكن أن تقاس جديته، بإطلاق سراح المعتقلين فوراً، ووقف الانتهاكات بحق المطالبين والاعتذار لهم وتعويضهم.
كما يؤكد ما أعلنه بن سلمان، أن القمع الشرس والأحكام السابقة، كانت مبنية على مبنى غير مشروع، وبالتالي فهي باطلة، وهو ما يستوجب خطوات فاعلة وسريعة لوقف المظالم التي بنيت على الباطل.
إن هذه التصريحات التي تبعتها حملة ترويج واسعة في الإعلام الرسمي، تتشابه مع حملات ترويج لوعود سابقة، وهذا يثير مخاوف من تكرار واستمرار التحايل والتضليل وسوء التطبيق الذي رافق العديد من التصريحات المماثلة السابقة، سواء التي أطلقت في عهد الملك سلمان وابنه، أو التي سبقتهم. ففي أحداث مماثلة، اتسم تطبيق الوعود بعدم المصداقية، من بين ذلك التعميم والاستثناءات التي تنسف الهدف الأساسي من القانون. مثل قانون الأحداث الذي منع الإعدام بحق القاصرين، ولكنه احتوى على ثغرات تفسح المجال مجددا بإعدام الأحداث، كما أنه في التطبيق حدثت استثناءات وتجاهل للقانون، ماسمح بقتل الحكومة لقتل عدد من القاصرين في 2019 و 2016. وهذا ما يتسم به كذلك
الأمر الملكي الذي سرّب في أبريل 2020، ويتعلق بوقف أحكام الإعدام بحق القاصرين.
تبدي المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، قلقها فيما يتعلق بصياغة أي قانون في السعودية. فبعد الإطلاع على القوانين المعمول بها، مثل نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية وغيرها، تظهر صياغة سيئة وغير منضبطة من الواضح أنها تمهد للاستغلال من قبل الحكومة، وتفسح المجال لإضمار النوايا السيئة. على سبيل المثال، فإن قانون الإرهاب يجرّم أفعالا هي في الأساس مشروعة، ويعتبر أن انتقاد الملك أو ولي العهد عمل إرهابي. إن تقنين العقوبات يجب أن يتضمن كف يد الحكومة عن التلاعب وإيقاف تجريم أفعال هي في الأصل مُباحة، كما يجب أن توافق العقوبات الجرائم أو الأفعال المُتهم عليها بلا مبالغة.
تشدد المنظمة إن ماذكره ولي العهد في إعلانه، من التباين في الأحكام، يجب أن لا يتضمن الإعدامات التعزيرية، مهما كان الجرم ومهما كان الفعل. يجب أن يكون هناك نص صريح على أن القتل تعزيرا ليس ضمن أي عقوبات مقترحة أو مقررة في هذه القوانين.
وتؤكد المنظمة أن هناك أهمية بالغة أن تكون هذه القوانين وأية قوانين أخرى، مصاغة من قبل قانونيين مستقلين ومحترفين، وأن تُعرض علناً، ليُبدي كل المهتمين ملاحظاتهم عليها بلاخوف من الإنتقام أو القمع، ما يمكن أن يحقق إشرافا شعبيا فعليا، وألا تنفرد الحكومة بإصدار القوانين. فعلى الرغم من غياب البرلمان الشعبي المنتخب في السعودية، وفي ظل صعوبة صياغة رأي شعبي، فإنه لا يجب تغييب أهمية الإشراف الشعبي، وكما يعمل في القوانين التجارية -مثلا-، من قيام الجهات المعنية بإرسال مسودة قوانين إلى المحامين والغرف التجارية من أجل إبداءات الملاحظات، كذلك يجب أن يطبق ذلك على القوانين الجنائية.
تعتبر المنظمة أن الإرادة السياسية الصادقة والحقيقية والجدية، تفرض استقلال تام للقضاء و للنيابة العامة، وخاصة جهات التحقيق والإدعاء والقضاء. كما يجب أن يُفصل ارتباطهم مع الملك، لتكون جهات مستقلّة بصفة تامّة بدون أن يكون رجوعهم إلى الملك بأي صفة، ومن بين ذلك الإشرافية والإدارية، وبما يوفر إمكانية التحقيق والمسائلة لأعلى السلطات، بما فيهم الملك وإبنه، المسؤولين في المقام الأول عن العديد من الإنتهاكات والجرائم التي ارتكبت ولا تزال، ومن بينها جريمة التعذيب، والإعدامات التعسفية، وجريمة حرب اليمن.
تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن أي إصلاح يجب أن يبنى على مبدأ فصل السلطات، فهو الأساس لأي تطوير في البنية القانونية، بما يضمن عدم سيطرة أي سلطة بما فيها الملك أو ولي عهده. إن أي وعود بالإصلاح، هي في جوهرها إدانة لممارسات الحكومة السعودية الممنهجة بحق الإصلاحيين والمدافعين عن حقوق الإنسان على مدار السنوات الماضية.FacebookTwitterEmailنشر