والدي علي مزيد البالغ من العمر اليوم خمسة وخمسين عامًا، مستقرّ في السّعوديّة منذ العام 2004، حيث عمل فيها كمهندس منذ ذلك الوقت، ولم يواجه أيّة متاعب مع الحكومة والجهات الرّسميّة والجيران والزّملاء.
لم يهتمّ مطلقًا بالواقع السّياسي في السّعوديّة، ولم ينضوِ هو أو أي فرد آخر في العائلة تحت أي حزب سياسي أو ديني، ورغم ذلك فقد إنقطع تواصلنا معه منذ الرابع من آب في العام 2021.
التّسجيلات المصوّرة بيّنت لنا أنّ سيّارة مدنيّة تضمّ سبعة رجال بثياب مدنيّة إقتادته من منزله عصرًا، دون أي إشعار مسبق. والمعلومة الرّسميّة الوحيدة المؤكّدة لدينا هي إعتقال رئاسة أمن الدّولة له.
اليوم نحن نجهل مصير والدي بشكل كامل، رغم لجوءنا للكثير من الأجهزة الرّسميّة إبتداءًا من السّفارة السّعوديّة في لبنان، السّفارة اللبّنانيّة في الرّياض، الحكومة اللّبنانيّة، الرّئيس اللبّناني وليس إنتهاءًا ببعض أعضاء البرلمان اللّبناني.
إنّ أكثر ما يثير أسفنا كمواطنين نحمل الجنسيّة اللّبنانيّة هو عدم إستعداد الجهات الرّسميّة اللّبنانيّة كافّة للإنخراط في قضيّة والدي، رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي المتواجد في السعودية اليوم، أحد أبرز الوجوه السّياسيّة اللبّنانيّة التّي حاولت التّواصل معها وقد باءت هذه المحاولة بالفشل. يذكّرنا ذلك بحادثة سابقة لاعتقال مواطنين لبنانييّن في الإمارات حيث إمتنعت الجهات الرّسميّة اللّبنانيّة عن الحديث عن قضيّتهم أو المساعدة فيها.
حاولنا أيضًا التّواصل مع الإنتربول ومنظمات حقوقيّة كمنظّمة العفو الدّوليّة والهيئات المتخصصة في الأمم المتّحدة لكنّ النّتيجة ظلّت مجهولة. واليوم نحن نؤكّد أنّ إقدامنا على الحديث عن القضيّة علنًا، لم يحصل إلّا بعد إستنفادنا لكل الطّرق غير العلنيّة، ولا يزال الخوف على سلامة وحياة ومصير والدي يتصاعد يوميًّا.
أتساءل الآن عن إزدواجيّة المعايير الذّي تظهر في ممارسات النّظام السّعودي، هذا النّظام الذّي يخفي شخصًا عن عائلته ويأخذه كرهينة حارمًا إيّاه من حقّ الدّفاع عن نفسه في الوقت الذّي يرّوج فيه لإنجازاته في السّياسة والبناء والرّياضة والفنّ وحقوق الإنسان، ويحاول الظهور كدولة عصريّة تحتفي بالإختلاف.
تكرار الحوادث الذّي قامت بها السّعوديّة باحتجاز لبنانييّن لفترات طويلة، في ظروف غامضة ودون توجيه تهم واضحة يزيد من هواجسنا ومخاوفنا، ما يزيد منها أيضًا حقيقة أن والدي يعاني من مشاكل صحيّة، كسرطان البروستات والسّكّري، ويحتاج إلى عناية طبيّة مستمرّة. قلقنا يتزايد، وإلحاحنا يتصاعد للإطمئنان على وضعه والتّأكّد من عدم تعرّضه للتعذيب أو إساءة المعاملة.
—
*كلمة أحمد مزيد في المؤتمر السنوي الثالث لضحايا الانتهاكات في المملكة العربية السعودية الذي عقد بتاريخ 9و 10 ديسمبر 2022.