(بيروت) ـ عهد الملك عبد الله قد جلب للمرأة بعض التحسنات الهامشية لكنه أخفق في تأمين الحقوق الأساسية للمواطنين السعوديين في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع. وعلى خليفة عبد الله، الملك سلمان، أن يوقف اضطهاد المعارضين السلميين والأقليات الدينية، وأن يضع حداً للتمييز المتفشي ضد المرأة، وأن يضمن تدابير حماية أقوى للعمالة الوافدة.
وعلى مدار عهد الملك عبد الله الذي استمر أربعة عشر عاماً ونصف العام، تجلى الإصلاح بشكل أساسي في تسامح أكبر مع توسع هامشي في الدور العام للمرأة، لكن المبادرات الملكية كانت رمزية في مجملها، وأدت إلى مكتسبات ملموسة شديدة التواضع. كما أن انتشار الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي قد مكّن مواطني السعودية من المناقشة الصريحة للقضايا الاجتماعية والسياسية المثيرة للجدل، مما أنتج وعياً أوسع نطاقاً بأوجه القصور الحقوقية في السعودية، لكن السلطات السعودية في ما بعد 2011 سعت إلى وقف الانتقاد على الإنترنت من خلال الترهيب والاعتقالات والملاحقات وأحكام السجن المطولة.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا : “وصل الملك عبد الله إلى السلطة واعداً بالإصلاح، لكن جدول أعماله قصر كثيراً دون تحقيق مكتسبات مؤسساتية دائمة للحقوق الأساسية لمواطني السعودية. وعلى الحاكم الجديد، الملك سلمان، أن يدفع البلاد إلى الأمام بوضع حد لانعدام التسامح مع حرية التعبير، واستئصال التمييز الطائفي والجنسي، ورعاية نظام قضائي عادل ومحايد”.
وقد عمل الملك عبد الله في مطلع عهده على تعزيز تحديث جهاز الدولة السعودية، بحيث يزادد كفاءة وشفافية، وتشجيع إعادة النظر في التدني المفروض على مكانة المرأة والأقليات الدينية، والسماح بنقاش أوسع نطاقاً في وسائل الإعلام، وترويج قدر معين من النزاهة في القضاء. لكن السلطات عملت بعد عام 2011 على إخضاع أجندة الملك الإصلاحية لحملة ترمي إلى إسكات المعارضين والنشطاء السلميين الذين طالبوا بالتسامح الديني وقدر أكبر من الاحترام لحقوق المرأة.
ويجب على الملك سلمان اتخاذ خطوات لحظر التمييز ضد المرأة والأقليات الدينية، وإقرار تدابير لحماية حرية التعبير. وقد تكون الخطوة الأولى ذات الدلالة هي إلغاء التشريعات المبهمة المستخدمة لملاحقة السعوديين للتعبير السلمي عن الرأي، واستحداث قانون عقوبات مكتوب يشتمل على تدابير حماية شاملة لحقوق الإنسان. كما يجب عليه الأمر بالإفراج الفوري عن المواطنين السعوديين المسجونين لمجرد المطالبة بإصلاحات سياسية.
وقد اشتملت أكبر المكاسب الملموسة للمرأة في عهد الملك عبد الله على افتتاح قطاع جديد لتوظيف السيدات. كما قام الملك عبد الله في فبراير/شباط 2013 بتعيين 30 سيدة في مجلس الشورى، وهو هيئة استشارية تخرج بتوصيات لمجلس الوزراء.
إلا أن التمييز الممنهج ضد المرأة يظل كما هو، إذ لم تنه السلطات نظام ولاية الرجال التمييزي. وبموجب هذا النظام تعمل السياسات والممارسات الوزارية على منع السيدات من استخراج جوازات السفر، أو الزواج أو السفر أو الوصول إلى التعليم العالي، بدون موافقة ولي من الذكور، وهو عادة الزوج أو الأب أو الأخ أو الابن. وما زال يمكن لأصحاب الأعمال اشتراط موافقة الولي على تعيين سيدة بالغة، كما تشترط بعض المستشفيات موافقة الولي على بعض العمليات الطبية للسيدات. وتبقى المرأة ممنوعة من قيادة السيارات في السعودية، وقد قامت السلطات باعتقال سيدات تجرأن على تحدي الحظر المفروض على القيادة.
قال جو ستورك: “لا يكفي تعيين المرأة في مجلس الشورى، إذا كانت عاجزة عن قيادة سيارتها إلى مكان عملها”.
وتواصل الحكومة التحكم في تعيين رؤساء تحرير الصحف، كما تعاقب السعوديين الذين ينتقدون أعضاء العائلة المالكة، أو سياسات الحكومة، أو كبار رجال الدين. وفي عهد الملك عبد الله قامت سلطات السعودية بملاحقة نشطاء حقوقيين ونشطين في المجتمع المدني ومطالبين بالإصلاح لمجرد ممارسة حقهم في حرية التعبير. وبعد 2011 بدأت المحاكم السعودية في إصدار أحكام بالسجن لمدد تزيد على 10 سنوات في جرائم تتعلق بالتعبير عن الرأي.
وقد شرعت الحكومة في إصلاح نظام العدالة في 2007، لكن البلاد ما زالت تفتقر إلى قانون عقوبات مكتوب، مما يتيح للقضاة سلطة تقديرية واسعة في بعض القضايا لتحديد السلوك الذي يشكل جريمة. ويواصل القضاة سجن الأشخاص والحكم عليهم في تهم “الشعوذة” و”بث الفرقة”.
كما أن بعض القوانين المتبناة في عهد الملك عبد الله عملت على الانتقاص من الحقوق الأساسية، بما فيها الأحكام المبهمة لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية لسنة 2007، الذي استخدمه أفراد النيابة والقضاة لاتهام ومحاكمة مواطنين سعوديين على تغريدات سلمية وتعليقات بمواقع التواصل الاجتماعي. وفي 2014 أصدرت السلطات السعودية قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب تتضمن أحكاماً فضفاضة تسمح للسلطات بتجريم التعبير عن الرأي، وتمنح الشرطة صلاحيات مفرطة لا تخضع لإشراف قضائي.
وقد أخفق المسؤولون السعوديون في تبني قانون للجمعيات في عهد الملك عبد الله، مما ترك المواطنين السعوديين بدون سبيل قانوني لإنشاء الجمعيات غير الخيرية وغير الحكومية، ولاحقت السلطات النشطاء المستقلين الذين أنشأوا منظمات حقوقية غير مرخصة.
ولم يتم تحقيق أي مكتسبات مؤسساتية في مجال التسامح الديني. في 2003 بدأ الملك عبد الله سلسلة حوارات وطنية للتقريب بين السعوديين والتناقش في القضايا الحساسة، ومنها التطرف الديني وانعدام التسامح. وفي 2008 قامت رابطة العالم الإسلامي، بتشجيع من الملك، بإطلاق مبادرة للحوار بين الأديان في مكة، وانتقلت بها إلى إسبانيا والأمم المتحدة وسويسرا. إلا أن أياً من هذه الجهود لم يؤد إلى تحسن في حقوق الأقليات الدينية داخل المملكة، التي لا تسمح بالممارسة العلنية لشعائر أية ديانة عدا الإسلام.
ويواصل مواطنو السعودية من الشيعة مواجهة التمييز الممنهج في التعليم العام والتوظف الحكومي، وفي السماح لهم ببناء الحسينيات. وقد احتج المواطنون الشيعة مطالبين بإنهاء التمييز الممنهج في 2011 و2012، لكن السلطات لجأت للقوة في وقف تلك المظاهرات، واعتقلت وحاكمت العديد ممن شاركوا فيها.
قال جو ستورك: “كان الملك عبد الله من أكبر مؤيدي الحوار الديني خارج المملكة، لكن تلك المبادرات لم تؤد إلى مزايا تذكر بالنسبة للأقلية الشيعية في السعودية، التي تواصل مواجهة التمييز الممنهج وتلقى معاملة المواطنين من الدرجة الثانية”.
اضغط هنا للمصدر