تجري المملكة العربية السعودية منذ قرابة ثلاث سنوات ونصف محاكمة صورية منفردة لكل من الباحث التاريخي حسن فرحان المالكي والشيخ سلمان العودة، في المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، التي تدعي الحكومة أنها أُسست خصيصا للنظر في قضايا المتهمين بقضايا الإرهاب وأمن الدولة.
تعود قصة الرجلين إلى سبتمبر 2017، عندما شنت السعودية حملة اعتقالات شرسة طالت عشرات المشايخ والمثقفين والاكاديميين في البلاد، من بينهم المالكي والعودة. وبعد قرابة عام واحد (سبتمبر وأكتوبر 2018)، طالبت النيابة العامة بإنزال عقوبة الاعدام تعزيرا بحقهما، في محاكمتين منفصلتين.
من جانب آخر ذي صلة، طالبت النيابة العامة أيضاً بإعدام رجلين آخرين من ضحايا حملة اعتقالات سبتمبر 2017، وهما الدكتور علي العمري والشيخ عوض القرني.
يواجه الشيخ سلمان العودة 37 تهمة، بحسب صحيفة سبق الرسمية. وأبرزها: الافساد في الأرض بالسعي المتكرر لزعزعة بناء الوطن وإحياء الفتنة العمياء، تأليب المجتمع على الحكام وإثارة القلاقل، والارتباط بشخصيات وتنظيمات وعقد اللقاءات والمؤتمرات داخل وخارج المملكة، لتحقيق أجندة تنظيم الإخوان الإرهابي ضد الوطن وحكامه. بالإضافة إلى ذلك، الدعوة والتحريض للزج بالمملكة في الثورات الداخلية ودعم الثورات في البلاد العربية.
أما الباحث حسن المالكي فيواجه 14 تهمة، أغلبها تتعلق بآرائه التاريخية والدينية التي تختلف مع المؤسسة الدينية الرسمية المعروفة بالتشدد. من بينها: انتقاد أفعال بعض أصحاب الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، القيام بالعديد من اللقاءات التلفزيونية مع صحف أجنبية ولقاءات مع قنوات “معادية” للمملكة (قناة الجزيرة، وقناة العالم)، وصف هيئة كبار العلماء الرسمية بالتطرف، تأليف عدداً من الكتب والأبحاث ونشرها خارج المملكة، حيازة (348) كتاباً غير مرخص من الجهة المختصة، المشاركة في بعض اللقاءات التي تتم عبر ما يسمى بالديوانيات والتحدث من خلالها بأفكاره “المنحرفة” والمعادية لحكومة المملكة، والطعن في السنة النبوية.
أجلت المحكمة الجزائية المتخصصة العديد من الجلسات الخاصة بمحاكمتي المالكي والعودة لأسباب غير معلنة، ولكن بحسب الظاهر أنها لا تتعلق بتطبيق شروط المحاكمة العادلة والتزام الدقة في إصدار الأحكام، وإنما بالبحث عن توقيت سياسي ملائم لإصدار أحكام عنيفة بحقهما. عُقدت حتى الآن واحدا وعشرين جلسة للمالكي، ثلاثة عشر منها أُجلت دونما تقديم مرافعات أو إجراء أية مداولات. أما الشيخ العودة، فقامت المحكمة بتأجيل أربع جلسات له، من أصل أربعة عشر جلسة.
وبالرغم من مضي ثلاث سنوات ونصف على بدء محاكمتهما والمطالبة بقتلهما بتهم غير مصنفة كجرائم في القانون الدولي، لم تصدر المحكمة بحقهما حكما ابتدائيا حتى الآن.
بحسب تتبع المنظمة لسير المحاكمات في السعودية، فإن هذه المدة المستغرقة في المحكمة الابتدائية طويلة جدا ولا تتوافق مع الفترة الزمنية المعتادة للمحاكمات في البلاد. فلقد راجعت المنظمة أربع حالات لأشخاص واجهوا مطالب بعقوبة الإعدام في شهور مختلفة من العام 2019، وتراوحت مدة محاكمتهم في المحكمة الابتدائية من أربعة أشهر إلى قرابة عام ونصف. ثلاثة منهم نفذت السعودية حكم الإعدام بحقهم في 12 مارس من العام الجاري، في مجزرة كبرى ضمت 81 شخصا، فيما نُفِذ حكم الإعدام بحق الشخص الرابع في 5 أكتوبر 2021.
شهد الربع الأول من العام الجاري صعودا غير مسبوق في استخدام عقوبة الإعدام، حيث بلغت الحالات المنفذة 117 حالة، مما يشير إلى إمكانية بلوغ السعودية -في هذا العام- إلى أرقام قياسية لم تصل لها البلاد في تاريخها، إذا مضت بتنفيذ الإعدامات بذات الوتيرة. وذلك على الرغم من تصريحات محمد بن سلمان لمجلة ذا اتلانتك بالتخلص من عقوبة الإعدام في البلاد، ما عدا الحالات التي يواجه فيها المتهمون تهما تتعلق بارتكاب جرائم القتل. يواجه كذلك ما لا يقل عن ثلاثين شخصا مطالب بالإعدام، من بينهم خمسة قاصرين يواجهون تهما في فترة الطفولة.
يزيد هذا التصاعد الدموي المخاوف على حياة جميع الذين يواجهون مطالب بالإعدام من قبل النيابة العامة، خاصة الباحث حسن فرحان المالكي والشيخ سلمان العودة، اللذان تتعمد السعودية إطالة أمد محاكمتهما بشكل ملفت.
تعتقد المنظمة الاوروبية السعودية لحقوق الانسان، أن التأجيل المتكرر لمحاكمتي العودة والمالكي دليلا واضحا على عدم توفر قضاء مستقل في البلاد. كما ترى أن السعودية عازمة على استخدام عقوبة الإعدام واستخدامها كأداة سياسية من أجل ترهيب وقمع أصحاب الرأي والمعارضين، وأنها تستغل انشغال العالم بالحرب الروسية على أوكرانيا لتمرير أحكامها بالغة الجور بأقل كلفة على سمعتها.