إدّعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن المملكة العربية السعودية “تخلّصت” من عقوبة الإعدام ما عدا فئة واحدة مذكورة في القرآن حسب زعمه. تصريحه الذي جاء في مقابلة مع صحيفة ذا اتلانتيك، أتى في ظل استمرار تهديد العشرات بالقتل بينهم قاصرين.
المقابلة التي نشرت في 3 مارس 2022 انطوت على العديد من التناقضات. ففيما اعتبر بن سلمان أن عقوبة الإعدام باتت تقتصر على الحالات التي يقتل فيها أحد شخص آخر، وبالتالي فإن عائلة الضحية لها الحق في الذهاب إلى المحكمة أو العفو عنه، وبأسلوب ملتو استدرك وآضاف: “أنه في حال كان هناك شخص يهدد حياة أكثر من شخص فهذا يعني أنه يجب أن يعاقب بالقتل”.
وتتسم القوانين في السعودية بشكل عام بتعريفات ومصطلحات فضفاضة وواسعة، بحيث لا تحدد بشكل دقيق وواضح التهم وتستخدم مصطلحات فضفاضة كالتي استخدمها بن سلمان في المقابلة، ما يسهل على الحكومة استخدامها ضد الأفراد وخاصة المعارضين ومعتقلي الرأي. ومع إشارته إلى تهمة “تهديد حياة أكثر من شخص”، كتهمة تستحق القتل، يبقي بن سلمان الباب مفتوحا لإصدار وتنفيذ أحكام إعدام بناء على الرؤية السعودية ومفهومها وتعريفها لهذه التهديدات التي قد تكون مجرد آراء أو مواقف. وسبق ان رصدت المنظمة الاوربية السعودية لحقوق الانسان عشرات القضايا التي تعاملت معها السعودية باعتبارها قضايا إرهابية لنشطاء بسبب تعبرهم عن آراءهم وممارستهم لحقهم في التعبير وانتقاد السلطة والفساد.
إضافة إلى ذلك، قال ولي العهد أنه في كل المحافظات هناك إدارة تعمل على موضوع عقوبة الإعدام، كما أشار إلى أنه في حال صدور الحكم فإن هناك وقت وفرصة ليتم إلغاء تنفيذ العقوبة بناء على التسويات. تجاهل بن سلمان في إجابته، كون المحاكم تتشدد في اصدار أحكام القتل لتصدرها في كثير من الحالات بصيغة لا يقبل فيها التنازل حتى في بعض القضايا التي لا تكون فيهم تهم القتل العمد وتتمثل في اصدار احكام الحدود كالحرابة والغيلة، وبالتالي لا يترك للأفراد الذين يواجهون عقوبة الإعدام خيار الحصول على عفو.
بن سلمان قال أن المشكلة الوحيدة التي تعمل السعودية على حلها، هي التأكد من عدم وجود عقوبة إلا بقانون، وأوضح أن هناك عددا من العقوبات التي ترجع للقاضي، ويقصد بذلك الأحكام التعزيرية، وأن هناك سعي لإيقاف هذه الأحكام خلال العامين أو الثلاثة المقبلة.
وبحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان يواجه حاليا 44 معتقلا على الأقل عقوبة القتل التعزيرية، بتهم بينها المشاركة في مظاهرات أو التعبير عن الرأي. من بين هؤلاء الشاب عقيل الفرج وأسعد شبر اللذان يواجهان أحكاما نهائية قد تنفذ في أي لحظة بتهم ليست من الأشد خطورة. إضافة إلى ذلك، تثير المهلة الزمنية التي أعطاها بن سلمان لوقف الأحكام التي ترجع للقاضي مخاوف جدية على حياة هؤلاء وآخرين تطالب النيابة العامة بقتلهم مثل الشيخ حسن المالكي والشيخ سلمان العودة.
تشدد المنظمة على وجوب إيقاف تنفيذ أحكام القتل التعزيرية هذه خلال بصورة نهائية بدل من استغلال هذه المدة لتصفية بعض الشخصيات التي يريد القضاء عليها وهو تناقض صريح ووواضح، وخاصة مع ما عبر عنه بن سلمان عن اعتقاده بعدم صحة هذه العقوبات وإرادة ايقافها بعد سنتين او ثلاث.
بن سلمان قال أن على النظام القضائي أن يضمن للأفراد، حتى الذين يستحقون العقوبة، أن يحصلوا على حقهم في الدفاع عن أنفسهم. ويتعرض العديد من المعتقلين، بحسب توثيق المنظمة، إلى التعذيب ويحرمون من حقوقهم في التواصل مع العالم الخارجي أو الحصول على محام، وعلى الرغم من تأكيدهم أمام القضاة هذه الانتهاكات، تصدر بحقهم أحكام بالإعدام، في ظل انعدام اي سبل للعدالة ومحاسبة منتهكي حقوقهم.
ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن مقابلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كرّست المخاوف على حياة الأفراد الذين يواجهون عقوبة الإعدام حاليا. وتشير المنظمة أن سلسلة الإصلاحات والوعود التي أطلقها بن سلمان، بينت الدور المباشر له بعيدا عن فصل السلطات واستقلاليتها، كما أظهرت المقابلة الشوائب الصارخة للنظام القضائي الذي يستخف بالأرواح بحيث لا يتم تجميد أحكام الإعدام في ظل مناقشة تغيير القوانين، والذي يسمح بالقتل بناء على تفسير الحكومة للجريمة والذي لا زال قاصرا عن تأمين شروط العدالة في المحاكمات.