تلقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، شكوى حول قيام موظفين في إحد دور الملاحظة في السعودية، وهي السجون المخصصة للأطفال، بالإعتداء الجنسي المتكرر على أطفال معتقلين. وبحسب الشكوى، فإن هناك أطفال متعددون تعرضوا للإعتداءات الجنسية، ويخشى أغلبهم من الإفصاح عما يتعرضون له، خشية التعذيب والمزيد من التنكيل، ومع إنعدام من الثقة في أن تقوم الأجهزة الحكومية بحمايتهم من الإنتقام.
وتمارس دور الملاحظة إساءة المعاملة والتعذيب، وقد رصدت المنظمة الأوروبية السعودية عددا من الحالات، من بينها حالة الطفل مرتجى القريريص الذي أعتقل في 20 سبتمبر 2014 حينما كان يبلغ من العمر 13 عاما. وبعد إرساله لسجن دار الملاحظة في الدمام المخصص للأحداث، ورغم صغر سنه، وضعه المحققين في زنزانة إنفرادية لمدة شهر، وتعرض للتعذيب وسوء المعاملة لإجباره على الإعتراف بتهم، من خلال الصفع والضرب على أنحاء مختلفة من جسده.
إضافة إلى قضية الطفل عبد الله الزاهر حينما أعتقل بعد إطلاق النار عليه، ثم نقل إلى دار الملاحظة الاجتماعية في الدمام حيث حقق معه من قبل ضباط، وضرب بسلك حديد على كافة أنحاء جسده كما ضربوه بأرجلهم حتى بقت الآثار على جسده، بعد ذلك أجبر على التصديق على أقواله والتوقيع على أرواق لا يعرفها وبدون قرائتها أو علم أحد من أهله أو محام. كذلك في حالة داوود المرهون الذي أعتقل في المستشفى، حيث كان من المفترض أن يخضع لعملية جراحية في عينه. حرم المرهون من علاج عينيه وتم حجزه في زنزانة انفرادية لمدة أسبوع، كما تعرض لمختلف أنواع التعذيب من الضرب المبرح بالأيدي والأرجل وإجباره على الاستلقاء على بطنه ثم الدوس عليه.
المحامي طه الحاجي الذي تعامل مع عدد من قضايا لقاصرين، رأى أنه “مؤخراً بدأ المعتقلون والمعتقلات بالحديث بشكل أكبر وأكثر تفصيلا عن أشكال التعذيب والإساءة التي يتعرضون لها ومن بين ذلك التحرش الجنسي، وبما أنه تم التوثيق مسبقا إنتهاكات بحق الأطفال مماثلة للكبار فإنه من غير المستبعد تعرضهم لهذا النوع من الإنتهاكات”. وأوضح الحاجي، أن “القوانين المحلية والدولية وبينها نظام الأحداث، أكدت على وجوب حماية الأطفال والقاصرين وأن يعاملوا معاملة خاصة، وأن هذا كان الهدف وراء إنشاء دور الملاحظة الإجتماعية، إلا أن هذا لم يحصل، حيث تمت إساءة معاملتهم داخل الدور”.
إلى جانب ذلك، تترافق الإنتهاكات مع صعوبة في إخضاع الموظفين في الأجهزة التي تستخدمها السعودية لقمع الناس، كموظفي وزارة الداخلية ورئاسة امن الدولة، للمحاسبة، بسبب عدم وجود جهاز قضائي مستقل، حيث تحاط هذه الأجهزة بشكل غير معلن، بحالة من الحصانة ضد المحاسبة. وفيما تقوم الحكومة السعودية تحت الضغوط، وبشكل طفيف جدا، بالتحقيق أو المحاسبة، فإن الفساد والتخادم بين أفراد الأجهزة القمعية، يساعد بشكل كبير على التستر على مرتكبي الجرائم والإنتهاكات العاملين في الأجهزة القمعية.
يلعب الغياب التام للإعلام الحر في داخل السعودية، دوراً يجعل من مثل هذه القضايا، طي الكتمان، كما إن المؤسسات والإدارات الحكومية التي تعمل تحت عناوين حقوق الإنسان، مثل هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وإدارة حقوق الإنسان في وزارة الداخلية، يعملون وفق حدود مرسومة سلفاً من قبل ذات القائمين على سياسة القمع والإنتهاكات في البلاد، حيث لايمتلكون أي سلطة مستقلة قبال الملك أو ولي العهد او من هو على صلة بهم، وكذلك لاسلطة لهم أمام مؤسسات الحكم مثل رئاسة أمن الدولة أو وزارة الداخلية، بل إنها كثيراً ما تبارك وتؤيد الإنتهاكات، وتتستر على الجرائم كالتعذيب، وتبرر الممارسات القمعية الممنهجة كالإعتقالات التعسفية.
إلا أنه وعلى الرغم من هذا الغياب، فقد أكدت متابعة المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، كما متابعة منظمات حقوقية أخرى، حالات أخرى مورس فيها الإعتداء والتحرش الجنسي كوسيلة للترهيب والتعذيب والضغط. فإلى جانب توثيق إنتهاكات جنسية بحق بعض المعتقلين خلال التعذيب، أكدت المعلومات تعرض معتقلات لأنواع مختلفة من التحرش الجنسي، وهو ما يشير إلى أن ذلك قد يكون ممارسة أوسع مما هو متعارف ولا يوجد ما يمنع وقوعها على قاصرين. وتأتي هذه المعلومات على الرغم من العادات الإجتماعية التي قد تكون سببا في عدم إفصاح المعتقلين عن هذه الإنتهاكات.
وكانت السعودية قد تلقت مطالبات متعددة من أطراف متنوعة بإتاحة المجال أمام مراقبين دوليين لزيارة المعتقلات بعد دعاوى التعذيب والتحرش، وخاصة بعد المعلومات الأخيرة التي صدرت عن المدافعات عن حقوق الإنسان والناشطات المعتقلات اللواتي أكدن تعرضهن للتعذيب والتحرش الجنسي. على الرغم من ذلك تتجه السعودية لحماية نفسها من الآراء الدولية المستقلة والمحايدة، عبر منع كثير من المراقبين الدوليين من زيارتها وتقصي الحقائق. فعلى سبيل المثال، لازالت ومنذ 2006 تتجاهل طلبات متكررة من قبل المقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية التابع للأمم المتحدة. كما إنها حينما تسمح في مرات محدودة للغاية بالزيارات لمقرري الأمم المتحدة، فإنها لاتتيح لهم التحرك بحرية ولا تستجيب لطلباتهم في مقابلة ضحايا وفق إختيارهم، وقد أوضح المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، السابق، بن إميرسون، الذي زار السعودية مرتين في 2016 و 2017، أنه وخلال زيارته الميدانية منعه الموظفون “من التحدث إلى السجناء الذين أعرب عن رغبته في مقابلتهم على إنفراد” وأخذوه عوضا عن ذلك إلى مرافق مختارة بعناية.
تجتمع ممارسة التعذيب في دور الملاحظة، مع العوامل الأخرى كسياسة حماية موظفي الأجهزة القمعية، وتبعية القضاء للدولة، وغياب الإعلام الحر، ومايعيشه المجتمع المدني من ترهيب أدى لإقصائه بشكل كبير من المشهد العام، دورا في إحداث صعوبة بالغة في التحقيق في هذه القضايا ومحاسبة الجناة.
تدرك المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان المخاطرة في طرح مثل هذه القضايا دونما إشارات مباشرة ومحددة، ولكنها تعول من خلال هذا الطرح، على قرع ناقوس الخطر، وتوعية الأهالي، وإيقاف أو الحد من هذه الممارسات، عبر الطرح العلني لهذه الإنتهاكات والتعديات على الأطفال في دار الملاحظة الإجتماعية. تحتفظ المنظمة بإسم دار الملاحظة وبإسم المراقبين العاملين فيها، وبإسم الضحايا، وذلك تجنيباً لهم من البطش والإنتقام الحكومي.