يبعث المشهد في السّعوديّة على التّفاؤل، فعلى الرّغم من عدم إحترام النّظام السّياسي في السّعوديّة لحقوق الإنسان، ينطلق حراك مدني سعودي واضعًا الطّرح الحقوقي على الطّاولة، مساعدًا في تحميل المنظّمات الحكوميّة وغير الحكوميّة الدّوليّة مسؤوليّاتها.
لا يخفى على أحد مساهمة إزدهار الأوضاع الإقتصاديّة والرّفاه الإجتماعي في الدّول العربيّة، في ازدياد الوعي الوطني تجاه حقوق الإنسان، ومحاولة إرساء واقع حقوقي جديد، في هذه الدّول التّي لاتزال لا تمتلك رؤية واضحة لهذه القضايا.
فهذه الدّول تشترك بمعظمها بواقع متشابه، في ما يخصّ حقوق المرأة وحريّة التّعبير عن الرّأي، واحترام الحياة الخاصّة وحريّة المعتقد والتّجمهر والإنضمام إلى التّنظيمات المدنيّة والسّياسيّة، وفي الوقت الذّي نجد فيه نخبة مثقّفة وواعية تقود البلاد نحو مشهد يكرّس حقوق الأفراد ويعزّزها.
التّعذيب مثلًا والبقاء على عقوبة الإعدام، والإخفاء القسري، والإعتقال التّعسّفي والمحاكمات غير العادلة وواقع حقوق المرأة، كلّ هذه المشاكل يتشارك فيها العالم العربي، ما يؤكّد وجوب تعاون المجتمع المدني في كلّ الدّول العربيّة، من أجمل تعزيز الوسائل المساهمة في إنشاء نظام حقوقي جديد في هذه الدّول.
فالواقع الإجتماعي والثّقافي المشابه، والتّشارك في أغلب المعضلات يستدعي تعاونًا بين المنظّرين الحقوقييّن في البلاد العربيّة، لتبادل الخبرات والتّجارب، وتكريس رؤية موحّدة لحقوق الإنسان. لأنّ غياب التّعاون بين شعوب الدّول العربيّة ومجتمعاتها المدنيّة سيبقيها عرضةً لاستبداد الحكّام وانتشار المعضلات الإجتماعيّة والسّياسيّة والحقوقيّة.
توحيد المساعي والسّبل يساهم في تفعيل حملات المناصرة ويزيد من تأثيرها أمام المجتمع والمنظّمات الدّوليّة، ويلفت انتباه الرّأي العالم العالمي لوجود مشكلة جذريّة تتعلّق بحقوق الإنسان، وأكثر ما يعيق الحراك الشّعبي في معظم بلدان العربي وسعي المواطنين في هذه الدّول لتحسين واقع حقوق الإنسان في بلادهم، عقد الدّول الأوروبيّة التّي تدّعي الدّيمقراطيّة صلحًا مع حكّام هذه البلاد، واستفادتها من أموالهم التّي تغرق مصارفها، وتحالفاتها السّياسيّة التّي تعزّز نفوذها.
فالواقع السّياسي يشير إلى أنّ أنظمتنا العربيّة ذرعٌ للدّول الكبرى، هذه الدّول التّي تتبنّى حقوق الإنسان لديها، تعمل في الوقت نفسه على إعاقة أي تقدّم إجتماعي حقوقي في بلادنا، وذلك لمآرب معروفة، فالدّول الغنيّة ترى أنّها تحافظ على رفاهيّة شعبها الإقتصاديّة والفكريّة على حساب الدّول الأخرى، لذلك تتوجّس من حصول الشّعوب الأخرى على الرّفاهيّة خوفًا من ضياع إمتيازاتها.
لذلك يحتاج وقف التّواطؤ بين الدّول المدّعية للدّيمقراطيّة والحكّام العرب، إلى حملة حقوقيّة يقودها نخبة المفكّرين العرب، لأنّ مصالح الدّول القويّة تمنع قيام أنظمة تحترم حقوق الإنسان في الدّول العربيّة، وتعمل جاهدة للحؤول دون وصول الشّعوب إلى الرّفاهيّة الفكريّة لأنّ ذلك يقلّل من سيطرتها على الموارد وعلى القرار السّياسي.
التّعاون مع المجتمع المدني في مختلف بلدان العالم مهمّ جدًّا أيضًا، وتوحيد المساعي بين المنظّمات الحقوقيّة في بلدان عالمنا العربي مع بلدان أخرى في مختلف نواحي العالم. فخيارات الشّعوب غالبًا ما تكون مختلفة عن خيارات حكّامها، والتّآزر بين رجالات السّلطة والأعمال وأصحاب النّفوذ على حساب باقي شرائح المجتمع للحصول على المزيد من السّلطة والثّروة يجعل من توحيد وجهات نظر النّقابات والمنظّمات العماليّة والحوقيّة والفئات المثقّفة في كلّ دول العالم ضرورة ملحّة لإرساء واقع حقوقي عالمي متكافئ وجديد. لا يحصل فيه أفراد على حقوقهم في الرّفاه والتّقدم والحريّة مقابل أفراد آخرين.
—
*كلمة عيسى رحمون في المؤتمر السنوي الثالث لضحايا الانتهاكات في المملكة العربية السعودية الذي عقد بتاريخ 9و 10 ديسمبر 2022.