تحت عنوان: “لم يصدّقني أحد: نظرة عامة عالمية عن النساء اللاتي يواجهن عقوبة الإعدام بسبب جرائم المخدرات”، نشر مركز كورنيل المعني بعقوبة الإعدام في جميع أنحاء العالم، تقريرا أشار فيه، إلى أن المملكة العربية السعودية من الدول التي استمرت بإعدام نساء بتهم الاتجار بالمخدرات في ظل انتهاكات واسعة النطاق للعدالة.
التقرير بيّن أن السعودية بين عامي 2008 و2018 كانت من الدول الخمس التي نفذت 40% من عقوبة الإعدام في العالم، كما استمرت بتنفيذها على خلفية تهم المخدرات. التقرير بحث في الظروف التي تدفع النساء إلى ارتكاب جرائم مخدرات أو مواجهة تهم بارتكابها، وتأثير التحيز الجنساني على العملية الجنائية التي يتعرضن لها.
وأشار التقرير إلى أن الدول التي لا زالت تطبق عقوبة الإعدام بتهم مخدرات تنتهك القانون الدولي، وأنه تتم إدانة غالبية كبيرة من النساء المحكوم عليهم بالإعدام بجرائم تتعلق بالمخدرات. وأوضح التقرير أن الدول التي لا زالت تنفذ عقوبة الإعدام بتهم مخدرات وبينها السعودية، لا تنشر معلومات كافية عن حيثيات هذا الاستخدام، كما لا توجد في كثير من الأحيان بيانات.
التقرير أشار إلى أن الرعايا الأجانب ممثلون بشكل مفرط بين النساء المحكومن عليهم بالإعدام لارتكاب جرائم مخدرات، والعديد من هؤلاء الرعايا الأجانب هم عمال مهاجرون. وفيما من الصعب الوصول إلى بيانات كافية، وثق البحث معلوماته من عدة جهات مطلعة من بينها المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان التي زودته بالأرقام المتعقلة بالسعودية. التقرير أشار إلى أنه في العام 2018 أعدمت السعودية 58 شخصا بجرائم مخدرات 29 منهم أجانب أغلبيتهم من باكستان ونيجريا، وفي 2019 أعدمت امرأتين من الرعايا الأجانب على خلفية جرائم الاتجار بالمخدرات، كما أعدمت في 2020 خمسة أفراد أجانب لذات السبب.
التقرير أكد أن الرعايا الأجانب يواجهون عوائق خاصة في الملاحقات الجنائية، فهم في الغالب لا يتحدثون لغة الشرطة أو المحاكم ويواجهون صعوبة في الوصول إلى مترجمين فوريين، ولديهم القليل من الدعم المحلي في التعامل مع النظام الجنائي؛ وأسرهم بعيدون جدًا عن المساهمة في دعمهم، وفي التحقيق في خلفيات التهم. واستند التقرير إلى توثيق منظمات باكستانية أن المترجم في عدة قضايا في السعودية قال للقاضي أن المتهم يعترف بالجريمة فيما كان في الحقيقة يطلب العفو.
وأشار التقرير إلى شواهد على انتقاص العدالة الجنائية للمتهمين الأجانب، حيث أوضح أنه في العام 2011 وبعد أن تم إعدام عاملة أندونيسية في السعودية، أنشأ رئيس أندونيسيا فريق عمل لتقديم القنصلية المساعدة للإندونيسيين الذين يواجهون أحكام إعدام في الخارج، وبين عامي 2011 و2014 تم تخفيف أحكام الإعدام الصادرة بحق 240 شخصا.
تشير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى أنه في العام 2021 أعلنت هيئة حقوق الإنسان الرسمية في السعودية تعليق تنفيذ أحكام الإعدام بجرائم مخدرات في السعودية. لم يصدر بعد أي بيان أو قرار أو قانون رسمي يوضح العقوبات البديلة أو يبين مصير الأفراد المحكومين حاليا بالإعدام بجرائم مخدرات. وبحسب تتبع المنظمة الأوروبية السعودية لا زال الأفراد الذين صدرت بحقهم أحكاما نهائية، يواجهون مصيرا مجهولا. إضافة إلى ذلك، لا زال مكان ومصير جثامين مئات الأفراد الذين تم إعدامهم في السعودية مجهولا.
التقرير عرض قضايا عدد من ضحايا عقوبة الإعدام بينهم قضية إعجاز فاطمة، المواطنة الباكستانية، التي أعدمت في السعودية مع زوجها في أبريل 2019 بتهمة تهريب الهيروين:
تزوجت إعجاز ومصطفى في عام 2006 وأنجبا بعد ذلك خمسة أطفال. مصطفى، المعيل الوحيد للأسرة، كان يدير متجراً صغيراً للدجاج ويقوم بأي عمل إضافي يمكن أن يجده مقابل أجر يومي. عمل الزوجان بجد وكافحا لإعالة أسرتهما، وتوفي ثلاثة من أطفالهم وهم في فترة الرضاعة.
في 2016، قالت إعجاز ومصطفى لعائلاتهما إنهما يريدان أداء العمرة في مكة. رتبا رحلتهما عن طريق صديقهما وسيم الذي كان يعمل وكيل سفريات. لا نعرف ما إذا كانت إعجاز ومصطفى على علم بتورط وسيم في أنشطة المخدرات، لكنهما شعروا أن الرحلة كانت آمنة بما يكفي للسفر مع ابنتهما بشرى، البالغة من العمر ستة أعوام في ذلك الوقت. اعتقدت عائلة مصطفى أنهم أحضروها لأنها “كانت قريبة جدًا من والديها ولا يمكنها العيش بدونهما”. بقي طفلهما الأصغر علي رضا في باكستان. في 27 يونيو2016، يوم وصول الأسرة إلى السعودية، تم القبض عليهم في مطار جدة بتهمة تهريب الهيروين.
قامت شرطة المطار على الفور بفصل أفراد الأسرة، واقتادوا مصطفى إلى سجن للرجال وإعجاز وبشرى إلى قسم النساء في سجن ذهبان المركزي. بعد ستة أشهر، فصل مسؤولو السجن بشرى عن والدتها واحتجزوها لأكثر من عامين في مركز أحداث منفصل، رغم صغر سنها. لم تخطر السلطات السعودية ولا الباكستانية عائلة إعجاز ومصطفى باعتقالهما.
في مكالمات بين الحين والآخر لعائلاتهم، وصفت إعجاز ومصطفى العملية الجنائية بالمليئة بالانتهاكات، ولم يكن لهما محام ولا مترجم. بما أن أيا منهما لا يتحدث العربية، قال والد مصطفى انهما: “لم يستطيعا فهم التهم، وعندما ادينا لم يفهما أنه تم الحكم عليهما بالإعدام.
في هذه الأثناء، عاشت بشرى، التي كانت في السابعة من عمرها في ذلك الوقت، في ظروف شبيهة بالسجن في دار الأحداث، تحت إشراف المسؤولين السعوديين الذين يتحدثون العربية فقط ويحيط بها الشباب الناطقون بالعربية، وكان يُسمح لها باللعب في الخارج لمدة ساعة واحدة فقط كل يوم. كانت ترى والدتها كل شهرين لمدة 30 دقيقة، تحت إشراف صارم من حراس السجن. في غضون عامين، رأت بشرى والدها مرتين فقط، وبحسب ما ورد “أرعبها” رأسه المحلوق وأطرافه المقيدة. بعد قتال مع السلطات السعودية، سافر أقارب إعجاز إلى السعودية لاصطحاب بشرى وعادت إلى باكستان في 27 فبراير 2019، وفي لقائها الأخير مع والدتها قبل وقت قصير من مغادرتها البلاد، كانت بشرى صامتة.
بعد أقل من شهرين في أبريل 2019، تم قطع رأس إعجاز ومصطفى. مرة أخرى ، تقاعست السلطات عن إخطار عائلاتهم، الذين علموا بالأخبار عندما تمكن زملاء إعجاز ومصطفى من إرسال رسالة.
لم تستجب السلطات السعودية أو حتى تعترف بطلب العائلات استعادة الجثامين، ولم تتسلم العائلات أي وثائق قانونية، أو أي شهادات وفاة من السعودية. لجأت عائلتا إعجاز ومصطفى إلى الحكومة الباكستانية للحصول على المساعدة،تقدما بطلب إلى المحكمة العليا لمطالبة الدولة بالمساعدة في تسهيل إعادة رفات أحبائهم. رفضت المحكمة العليا طلبهم، وما زالت جثتا إعجاز ومصطفى في مكان مجهول في المملكة العربية السعودية.