في محاولة جديدة لتمجيد الإصلاحات والتستر على الحقائق، نشرت المملكة العربية السعودية مؤخرًا تقرير: المرأة لعام 2022. التقرير الذي يعكس نظرة الحكومة يأتي في ظل تغييب لأي دور للمجتمع المدني وفي ظل انعدام أي قدرة للوصول إلى المعلومات. غياب المنظمات المستقلة للمجتمع المدني يؤدي إلى نقص في التحقق لتأكيد فعالية هذه الإصلاحات، كما يكرس كون التقرير انعكاس لوجهة نظر الحكومة.
تتبع وتوثيق المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان وفحص الحقائق، يؤكد أن المرأة في السعودية تواجه أشكالا مختلفة من العنف الرسمي والأسري، إلى جانب انتهاكات واسعة تطال الناشطات واعتقالات تعسفية بحق المدافعات عن حقوق الإنسان بعد محاكمات غير عادلة.
تمكين مقابل قمع الناشطات:
اعتقلت الحكومة السعودية على الأقل 121 امرأة منذ عام 2015، وأصدرت أحكاما قاسية بحقهن. من بين ذلك الحكم بالسجن 27 عاما بحق طالبة الدكتوراه سلمى الشهاب و45 عاما بحق نورة القحطاني، و30 عاما بحق فاطمة الشوارب بسبب نشاطهن على تويتر، كما طالبت النيابة العامة بقتل إسراء الغمغام بسبب مطالبتها بحقوق الإنسان لتستبدلها لاحقا بالسجن 13 عاما. ؤخرا، حولت السعودية الناشطة على مواقع التواصل، مناهل العتيبي إلى المحكمة الجزائية المتخصصة بالإرهاب بسبب تغريدات ومقاطع على سناب شات.
تبين هذه الحالات البيئة العدائية التي تواجهها الناشطات، على عكس فكرة تمكين المرأة التي روج لها التقرير.
قانون الأحوال الشخصي:
يسلط التقرير الرسمي الضوء على إصدار قانون الأحوال الشخصية كإنجاز كبير، إلا أنه يغفل بشكل ملائم عن تفاصيل حاسمة حول قيود القانون. يُعرض القانون في التقرير كخطوة نحو التحديث، ويغفل عن الجوانب التمييزية لنظام ولاية الرجل، الذي يواصل فرض السيطرة على حياة المرأة الشخصية، مع عدم وجود وكالة حقيقية للمرأة في مسائل الزواج وحضانة الأطفال.
العنف ضد المرأة:
يؤكد رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان التزايد المقلق للعنف عبر الإنترنت ضد الناشطات والمؤثرات النساء. ناشطات مثل لجين الهذلول واجهن هجوما رقميا وحملات مضللة تستهدف كتم أصواتهن. استخدمت الحكومة لـ “الذباب الإلكتروني” لمراقبة وتهديد النساء، ومنعهن عن التعبير عن آرائهن عبر الإنترنت. يتناقض ذلك مع سرد التقرير الرسمي لما وصفه ب”التمكين والحوار المفتوح”، كما يكشف عن فجوة كبيرة بين التقدم المبلغ عنه والواقع الفعلي.
إلى جانب العنف الرقمي، يشيد التقرير لعام 2022 بالتغيير في معالجة العنف ضد النساء وإنشاء ملاذات نسائية. تأتي هذه الإشادة في ظل معلومات تؤكد عدم ثقة المعنفات بالآليات الرسمية المختصة بمواجهة العنف ضد النساء، إلى جانب توثيق قصور هذه الجهات عن التحرك إلا بعد أن تأخذ القضايا تغطيات إعلامية. إضافة إلى ذلك، كانت فتيات من دار الرعاية الاجتماعية في مدينة خميس مشيط قد تعرضن للضرب والاعتداء على يد جهات رسمية في أغسطس 2022. بدلا من التحقيق في هذه المعلومات، تعرضت الفتيات اللواتي وثقن الاعتداء للاعتقال والمضايقات.
فجوة الأجور بين الجنسين والتمييز:
تتعارض الفجوة الدائمة في الأجور بين الجنسين مع مزاعم التقرير بتمكين النساء اقتصادياً. على الرغم من الجهود العالمية لتحقيق المساواة بين الجنسين والالتزام السعودي بالاتفاقيات الدولية، تستمر النساء في الحصول على أجور أقل من الرجال. تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن نهج الحكومة السعودية يدور حول اللفتات السطحية، مثل تعيين النساء في أدوار محددة، في محاولة لخلق وهم المساواة بين الجنسين. ومع ذلك، تلك الإجراءات تحول الانتباه بعيدًا عن المسؤوليات والالتزامات الأساسية للحكومة لمكافحة التمييز. بدلاً من التعامل مع القضية، يبدو أن التركيز هو على عروض رمزية لا تعالج التحديات النظامية المماثلة.
ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن تقرير الحكومة السعودية لعام 2022 حول حقوق المرأة، على الرغم من تصويره الإيجابي لوضع النساء، مليء بالتناقضات عند مقارنته بتجاربهن الفعلية في البلاد. وتؤكد المنظمة أن انعدام الشفافية والتخويف وإخفاء الحقائق تشكل عائقا أمام الوصول إلى المعلومات. وعلى الرغم من هذه العقبات، تسلط القضايا التي تم رصدها الضوء على خطورة الانتهاكات التي ترتكب ضد النساء، وكون التقرير كما معظم مزاعم التغيير، محاولة لغسل الصورة وتزييف الواقع.