قدمت المملكة العربية السعودية، كلمتها الرئيسية في مجلس حقوق الإنسان، وذلك في دورته الرابعة والثلاثين والتي تقام في المدينة السويسرية جنيف في الفترة من 27 فبراير حتى 24 مارس 2017.
الإجراءات الرسمية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان
قالت السعودية في كلمتها، إنها وفي عهد الملك سلمان، ماضية في جهودها لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وأشارت إلى أن هذه الجهود شملت تطوير الإطار التشريعي والمؤسسي لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، موضحة أنه “تم تعديل تنظيم هيئة حقوق الإنسان، لتصبح مرتبطةً بالملك مباشرة، وأُنشئت الهيئة السعودية للمحامين، ومجلس شؤون الأسرة وصدر نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، كما يجري حاليا مراجعة نظام الإجراءات الجزائية، وإعداد مشروع نظام جزائي جديد لمكافحة إساءة استعمال السلطة”.
إن المنظمة الاوروبية السعودية لحقوق الإنسان، تؤكد أن الممارسات التي قالت عنها السعودية أنها تقع ضمن جهود حماية وتعزيز حقوق الإنسان، تنطوي على خلط وتدليس، في تعريف العمل الحقوقي الذي يهدف للحد من الإنتهاكات التي تزداد وتتصاعد، والذي يتطلب مؤسسات مدنية تتمتع بالإستقلالية، إذ تصاعدت الملاحقات مؤخرا للنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان وكل من يعبر عن رأيه في الشبكات الإجتماعية، ومن أمثلة ذلك الإستهداف الذي يواجهه المدافعان عن حقوق الإنسان عبد الله العطاوي ومحمد العتيبي اللذان أحيلا إلى المحاكمة بتهم منها تأسيس جميعة الإتحاد لحقوق الإنسان، كما إعتقلت السعودية الكاتب نذير الماجد من المحكمة وقبل الإستئناف وذلك مباشرة بعد الحكم عليه بسبع سنوات.
إضافة إلى ذلك، فإن إشارة السعودية إلى إنشاء هيئة للمحامين في الوقت الذي تستهدف فيه المحامين بالتهديد والإستدعاءات أمر لايحمل دلالة على تقدم العمل الحقوقي، إذ أن الحكومة السعودية قد تستهدفهم حينما يمارسون وظيفتهم وخصوصا حينما يعملون في قضايا معتقلي الرأي، وهذا ما دفع المحاميان عبدالعزيز الحصان وطه الحاجي إلى العيش خارج البلاد.
وفيما وظفت السعودية إنشاء مجلس لشؤون الأسرة في سياق التقدم في المجال الحقوقي، فإن إستمرار إستهداف النساء والأطفال يؤكد أن هذا المجلس لم يكن له فاعلية في حماية حقوقهم، إذ تستمر بإستهداف الناشطة سمر بدوي والتي تنشط في قضايا الدفاع عن المرأة، وتستمر في إعتقال الناشطة إسراء الغمغام منذ 8 ديسمبر 2015، والناشطة نعيمة المطرودة، كما أنها تعتقل أطفالا، وتحكم بعضهم بالإعدام، وتستمر بإعتقال الطفل مرتجى قريرص الذي أعتقلته بعمر 14 عاما.
التعاون مع إجراءات الأمم المتحدة
ادعت السعودية أمام مجلس حقوق الإنسان أنها تتعاون مع أجهزة وآليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان تعاوناً “فاعلاً”، وأنها تواصل جهودها كعضو في مجلس حقوق الإنسان للمرة الرابعة، كما بينت أنها أكملت تقديم جميع التقارير الخاصة باتفاقيات حقوق الإنسان الأساسية التي أصبحت طرفاً فيها. إضافة إلى ذلك أشارت كلمة السعودية إلى أنها نفذت التوصيات التي إلتزمت بها في “إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل، وتواصل تعاونها مع الإجراءات الخاصة حيث زار السعودية خلال الأشهر الماضية المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، والمقرر الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان.”.
إن المنظمة تؤكد أن ممارسات السعودية تثبت عدم واقعية التصريحات الرسمية، وهذا ما دفع مقرر الفقر وحقوق الإنسان الذي زار البلاد في يناير 2017 في بيانه الختامي، إلى إبداء استغرابه من أن السعودية لم تستقبل خلال 15 عاما سوى ثلاث مقررين، كما إنها لا زالت تتجاهل طلبات زيارة قدمها سبعة من مقرري الأمم المتحدة. وتشير المنظمة إلى أن إدعاء السعودية أن زيارة مقرر الإرهاب دليل على التعاون طلبات المقررين الخاصين، هو جزء من التضليل لان الزيارة لم تكن في سياق زيارات المقررين -الذين لا تزال ترفض زيارة سبعة منهم- التي تتضمن توصيات وملاحظات وتستغرق عدة أيام، ولكن السعودية استغلتها في الإعلام لتمرير التضليل الذي إعتادت على ممارسته. كما أن السعودية كانت قد تعهدت خلال الدورة الماضية للمجلس بأن تسمح بزيارة مكتب المفوضية إلا أن الزيارة تم إلغاؤها من قبل الحكومة.
وعلى الرغم من أهمية تقديم الحكومة السعودية تقارير لآليات مجلس حقوق الإنسان، إلا أنها تتأخر عن الإلتزام بتقديم التقارير في المواعيد، كما إن قولها بتنفيذ التوصيات التي قدمتها لها الدول، مناف للواقع، وهذا ما أكدته عدد من المنظمات الحقوقية التي رأت ان السعودية فشلت في الوفاء بتوصيات الإستعراض الدوري الشامل، الذي تلقت في 225 توصية قبلت منها 187 توصية.
كما تشير المنظمة إلى أن تعاطي الحكومة السعودية مع إجراء الشكاوى الخاص بمجلس حقوق الإنسان، يعد مخالفا للتصريحات الرسمية التي أطلقتها، حيث أنها لم تتجاوب مع أكثر من نصف البلاغات المقدمة منذ العام 2010، كما أنها لم تستجب لتوصيات الفريق العامل المعني بالإحتجاز التعسفي في إطلاق سراح بعض المعتقلين تعسفيا.
خطط الحكومة
أثارت السعودية أمام مجلس حقوق الإنسان خططها الإقتصادية ورؤية 2030، معتبرة أنها تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة وتعزيز وحماية حقوق الإنسان واتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير لاحترام هذه الحقوق وحمايتها منها الحق في التعليم، والحق في العمل وحماية الأسرة وتمكين المرأة وتعزيز المشاركة في الحياة السياسية والعامة، وتكوين الجمعيات ودعمها. وأمام هذه الإدعاءات حول رؤية 2030، شدد المقرر الخاص بالفقر وحقوق الإنسان الذي زار السعودية في يناير 2017، على أهمية “مشاركة الجمهور” وذلك إن أرادت الحكومة السعودية بلوغ أهداف رؤية 2030، موضحا “وليس من السهل تحقيق ذلك في بلد لا توجد فيه أحزاب سياسية، ولا انتخابات وطنية، فضلا عما به من قيود كبيرة على حرية التعبير، ولا سيما فيما يتعلق بانتقاد سياسات الحكومة”. كما إن حق التعليم في السعودية الذي قالت الكلمة إن الرؤية تستهدف توفيره وحمايته، لا يتلائم في عدد من جوانبه مع معايير التعليم الدولية.
مكافحة الإرهاب
وحول موضوع مكافحة الإرهاب، قالت السعودية أنها تعمل لأن تتفق جهودها في مكافحته مع معايير حماية حقوق الإنسان، كما أشارت إلى أن “تعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، يقتضي اعتماد صك دولي يعرِّف الإرهاب بجميع أشكاله وصوره تعريفا محددا”.
الحديث عن إحترام حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب يتناقض مع ممارساتها على أرض الواقع، حيث تستخدم القوانين والمحاكم التي قالت أنها مخصصة لمكافحة الإرهاب في ملاحقة المطالبين بالعدالة والمدافعين عن حقوق الإنسان، وبينهم الشيخ نمر النمر الذي تم إعدامه في يناير 2016، وهذا ما أكده تحليل قانوني لنظام جرائم الإرهاب وتمويله، خلص إلى أن النظام ينتهك حقوق الإنسان بحجة مكافحة الإرهاب، وهذا ما تؤكده عدد من الأحكام الأخيرة التي صدرت بموجب هذا القانون، ومنها حكم عضوي جمعية حسم النشطاء عبدالعزيز الشبيلي و عيسى الحامد.
القضية الفلسطينية
في الجانب الحقوقي الدولي، تحدثت السعودية عن القضية الفلسطينية، وأشارت إلى “ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي”، مؤكدة حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. هذه التصريحات، تتناقض مع ممارسات السعودية تجاه القضية الفلسطينية، ومنها الإعتقال الذي طال الناشط السياسي خالد العمير، حيث إعتقلته لمدة ثمان سنوات بتهم منها دعوته إلى التظاهر نصرة للقضية الفلسطينية، كما أنها وبعد إنتهاء محكوميته حولته إلى مركز محمد بن نايف للمناصحة المخصص لمناصحة المتهمين بالإرهاب والتطرف.
الأزمة اليمنية
وحول موضوع اليمن، أدانت السعودية قتل المدنيين في اليمن بمن فيهم النساء والأطفال والمسنين من قبل الأطراف اليمنية، وإدعت انها مستمرة في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني. هذه الإدعاءات تثبت ممارسة السعودية للتضليل، خاصة أن تقارير دولية وثقت حجم الدمار الذي أحدثته في اليمن، إضافة إلى التقارير التي أثبتت تورطها في جرائم فيه، عبر قيادتها لتحالف يخوض حربا على اليمن منذ مارس 2015.
إن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، تضع الكلمة التي أدلى بها مندوب السعودية أمام مجلس حقوق الإنسان، في إطار محاولات التغطية على واقع الإنتهاكات المستمرة في البلاد، كما إن هذه الكلمة تأتي وسط غياب كبير للمجتمع المدني السعودي عن الدورات التي تعقد في مجلس حقوق الإنسان، وذلك على أثر الإعتقالات والمنع من السفر والتهديدات وأجواء التخويف الذي تزرعها في البلاد بمختلف الأساليب.
تحث المنظمة مكتب المفوض السامي وهيئات المجلس والدول الأعضاء فيه، على مطالبة السعودية على إيجاد مساحة آمنة للمجتمع المدني في مجلس حقوق الإنسان، وعدم ممارسة أساليب الإبعاد والإقصاء للنشطاء، وتؤكد إن منهج السعودية في القمع قاد إلى جعل النشطاء السعوديين من بين النشطاء الأقل تواجدا في محافل مجلس حقوق الإنسان، مقارنة بالكثير من دول العالم.