أقفل النصف الأول من العام 2020 على استمرار اعتقال الحكومة السعودية لثمان وأربعين إمرأة يتوزعون في 5 سجون، وذلك بحسب إحصاءات المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، بينهن ناشطات ومدافعات عن حقوق الإنسان، في ظل محاكمات معيبة لحدود بعيدة، وتعرضهن لأنواع مختلفة من التعذيب وسوء المعاملة. هذه الإحصائية تتعلق بالمعتقلات لأسباب سياسية، ولا تتضمن المعتقلات بتبريرات جنائية، وتعتقد المنظمة أن هذه الأعداد أكثر مما أُحصي.
وكانت الحكومة السعودية قد تضاعفت شهيتها منذ 2018 على الخصوص، لإعتقال النساء، عبر حملة اعتقالات طالت عددا من المدافعات البارزات عن حقوق الإنسان والناشطات بينهن لجين الهذلول، مياء الزهراني، نسيمة السادة، سمر بدوي، نور المسلم، هتون الفاسي، إيمان النفجان، عزيزة اليوسف، حصة الشيخ، مديحة العجروش، ولاء آل شبر، نوف عبد العزيز، وغيرهن.
حملة الاعتقالات أتت ضمن سياق استهداف وإضطهاد النساء في السعودية، حيث بيّنت إحصاءات المنظمة تصاعد أرقام الاعتقالات التعسفية خلال السنوات الأخيرة وخاصة منذ استلام الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، وتم توثيق اعتقال 87 سيدة، فيما تعتقد المنظمة أن العدد أكبر.
على الرغم من التكتم الذي تمارسه الحكومة السعودية في مختلف ملفات الانتهاك، ومن بينها ملف المعتقلات، وخاصة المدافعات عن حقوق الإنسان والناشطات، رصدت المنظمة استمرار اعتقال 48 امراة حاليا معظمهم في السجون السياسية. تتوزع المعتقلات حاليا على سجن ذهبان بجدة، وسجن الطرفية بالقصيم، وسجن الحائر بالرياض، وسجن مباحث الدمام، وسجن شعار في عسير. أفرجت الحكومة السعودية عن 8 معتقلات من ضحايا إعتقالات 2018، عُرِفَ إن من بينهن من أحلن لمحاكمات مضطربة. فيما رصدت المنظمة الإفراج عن 30 معتقلة بشكل نهائي.
إحصاءات المنظمة أظهرت أن الاعتقالات تضمنت من اعتقلت على خلفية تهم، نسبت لها وهي قاصرة، حيث صنفت تغريدات نور المسلم التي نشرتها حين كانت قاصرا على أنها جرائم موجبة للاعتقال، والتي عبرت في بعضها عن التضامن مع المطالب بالعدالة الاجتماعية للشيخ نمر باقر النمر، إضافة إلى تغريدات أخرى تتعلق بآراء سياسية.
إضافة إلى ذلك، أكدت مصادر للمنظمة، من الضحايا السابقات في سجون السعودية، وجود حالات لإعتقال نساء مع أطفالهن، وفي مقابلة خاصة أجرتها المنظمة، أكدت ضحية إعتقال وتعذيب سابقة، أن السعودية تمارس على النساء أساليب تعذيب جسدي ونفسي متعددة، من بينها عزل المعتقلة عن أطفالها المعتقلين معها، وتخويفها عليهم وابتزازها بهم بهدف إرغامها على التوقيع على اعترافات، كما تحدثت عن اعتقال نساء حوامل.
عامان على الاعتقال
على الرغم من مرور عامين على حملة الاعتقالات التي طالت في منتصف 2018 ناشطات بارزات، لا زالت الحكومة السعودية تصر على اعتقال بعضهن ومحاكمة أخريات، ولا زلن يواجهن مصيرا مجهولا. في مارس 2019 وبعد 10 أشهر على الاعتقال تقريبا، بدأت أولى جلسات المحاكمة، حيث حولت المعتقلات قبل 8 ساعات من بدء المحاكمة، من المثول أمام المحكمة الجزائية المتخصصة التي تتعامل مع قضايا الإرهاب، إلى المحكمة الجزائية المختصة المعنية بالقضايا الجنائية، في مخالفة صريحة نظام الإجراءات الجزائية، الذي ينص في مادته الخامسة على أنه: “إذا رفعت قضية إلى محكمة فلا تجوز إحالتها إلى محكمة أو جهة أخرى ولا يحق لأحد سحبها منها قبل الحكم فيها، وتعد القضية مرفوعة من تاريخ قيدها في المحكمة”.
على الرغم من حرمانهن من أبسط شروط العدالة، عقدت أول الجلسات بشكل غير علني للجمهور، ثم توالت عدة جلسات. النيابة العامة وجهت للمعتقلات عددا من التهم بينها الاتصال مع وسائل إعلام أجنبية ومنظمات حقوقية.
خلال الجلسة الثانية من المحاكمة، تحدث عدد منهن عن تفاصيل التعذيب والتحرش الجنسي التي تعرضن لها، حيث أكدن أن المحققين قاموا بصعقهن بالكهرباء وجلدهن والتحرش الجنسي بهن وملامستهن.
توثيق المنظمة الأوروبية السعودية أكد إتباع المحققون لأساليب تعذيب متعددة، فيما أكدت المعلومات ضلوع سعود القحطاني مستشار ولي العهد محمد بن سلمان، في جريمة التعذيب وإشرافه المباشر.
من بين أساليب التعذيب التي تم تأكيدها، ضرب المحققون المعتقلات بأسلاك هاتفية بمساعدة الحارسات، كما أجبرت المعتقلات على الوقوف لساعات طويلة أثناء التحقيق، وفي بعض الأحيان مَنَعت الحارسات المعتقلات من الجلوس داخل الزنزانة حتى بعد نهاية التحقيق. إحدى الشهادات أكدت إن إحدى المعتقلات كانت في شهرها الخامس من الحمل، وأجبرت على الوقوف لعدة ساعات. إضافة إلى ذلك، قيدت الحارسات إحدى المعتقلات، بينما نزع المحققون حجابها لإجبارها على توقيع اعترافات كاذبة.
بحسب التوثيق، تُرِكَت المعتقلات في الحبس الانفرادي لفترات طويلة ومنعن من الاتصال أو زيارة عائلاتهن، وتعرضن إلى المضايقة الجنسية كإجبارهن على مشاهدة مقاطع إباحية لإحراجهن، كما تم تهديد العديد منهن بالاغتصاب إذا لم يتعاون.
على الرغم من تأكيد المعتقلات أمام القاضي تعرضهن لمختلف أنواع التعذيب، لم يُعرف أن هناك أي تحقيق أو محاكمة، بل عمدت النيابة العامة إلى نفي ذلك حيث قال وكيل النيابة العامة “أن جميع الموقوفين يعاملون بصورة حسنة وفق القوانين”، نافياً بشكل قاطع تعرض أي من الموقوفين، سواء من النساء أو الرجال لتعذيب.
نفي النيابة العامة للتعذيب، ينسجم مع مجمل الإدعاءات الرسمية التي تتحدث عن منع التعذيب في السجون، على الرغم من ممارسته على المعتقلين بما يوصلهم لتدهور صحي خطر أو يؤدي لموتهم. ففي 10 أكتوبر 2016، تحدث نشطاء من السعودية عن وفاة المعتقلة حنان الذبياني في سجن ذهبان في مدينة جدة وارجعوا السبب للتعذيب، دون أن يتسنى للمنظمة الحصول على معلومات من مصادر مباشرة. المعلومات التي تم تداولها أشارت إلى أن شهوداً سمعوا أصواتاً عالية وصراخ في نفس الليلة التي تم فيها الإعلان عن وفاتها. المعلومات أشارت أن إدارة سجن ذهبان قامت باستدعاء ذوي حنان للصلاة عليها داخل السجن، ولم يسمحوا لهم إلا برؤية وجهها، وبعدها تم دفنها بمكان سري لا يعرفه حتى ذووها، كما أجبرتهم إدارة السجن على التوقيع على إقرار يقول أنها توفيت وفاة طبيعية حتى لا يستطيع أحد أن يرفع مستقبلا دعوة يتهم فيها مسؤولي السجن بتعذيب المعتقلة.
المواقف الدولية
في يونيو 2018، راسل مقررون وخبراء من الأمم المتحدة السعودية، طلبوا منها إيضاحات ومعلومات حول قضايا اعتقال طالت كل من لجين الهذلول وإيمان النفجان وعائشة المانع ومحمد البجادي. المقررون عبروا عن قلقهم من الحملة واسعة النطاق التي طالت المدافعين عن حقوق الإنسان، معتبرين أن من المثير للقلق العميق إعتقال المدافعات عن حقوق الإنسان اللواتي دافعن عن رفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارة.
في 27 يونيو 2018، وصف مقررون وخبراء من الأمم المتحدة في بيان علني، ممارسات السعودية فيما يتعلق بحقوق الإنسان بالمتناقضة بشكل صارخ، داعين الحكومة إلى الإفراج الفوري عن عدد من المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان اللواتي اعتقلن في حملة القمع الأخيرة في البلاد. كما إعتبروا أن الإدانات التي تواجهها المدافعات عن حقوق النساء، لا تتعلق فقط بعملهن ونشاطهن بل أيضا له خلفيات تمييزية على أساس الجنس.
في يوليو 2018، أعربت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة عن قلقها من استمرار الاعتقالات التعسفية لمدافعين ومدافعات عن حقوق الإنسان وناشطين في السعودية، بما فيهم مدافعات عن حقوق المرأة. المتحدثة باسم المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة السيدة راڤينا شامداساني، حثت الحكومة السعودية على إطلاق سراح فوري وغير مشروط لجميع المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء المعتقلين بسبب عملهم السلمي في مجال حقوق الإنسان وفي الحملات المستمرة منذ عقود لرفع الحظر عن قيادة النساء للسيارة.
في 8 فبراير 2019 أكد تقرير صادر عن الأمانة العامة للأمم المتحدة، أن السعودية تواصل ممارسة أنواع مختلفة من الانتهاكات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين. التقرير استند إلى بواعث قلق المقررين الخاصين بشأن الاحتجاز التعسفي والمعاملة المهينة التي تتعّرض لها المدافعتين عن حقوق المرأة سمر بدوي ولجين الهذلول، اللتان تعاونتا مع لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة.
في مارس 2019، وقعت 36 دولة على بيان قادته آيسلندا أمام مجلس حقوق الإنسان في دورته الأربعين. البيان دعا السعودية إلى إطلاق سراح المدافعات عن حقوق الإنسان المعتقلات بسبب ممارستهن لحرياتهن الأساسية، مطالباً بإطلاق سراح كل من لجين الهذلول، عزيزة اليوسف، إيمان النفجان، نوف عبدالعزيز، هتون الفاسي، سمر بدوي، نسيمة السادة، محمد البجادي، أمل الحربي وشدن العنزي.
في 28 فبراير 2020، أبدت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة في الأمم المتحدة، قلقها حيال وضع المدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية. وفي بيان لها في الذكرى الثانية لمشاركة الناشطة لجين الهذلول في استعراض السعودية أمام اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، الذي يتوجب على السعودية القيام به بشكل دوري بحكم مصادقتها على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في العام 2000، حثت اللجنة الحكومة السعودية على إطلاق سراح لجين من الاحتجاز المطوّل قبل المحاكمة، وضمان حقها في محاكمة عادلة بدون المزيد من التأخير.
مع مرور عامين على حملة الاعتقال، وفي ظل استمرار اعتقال عشرات النساء، ومع عدم وجود بيئة قانونية يمكن من خلالها إجراء أي تحقيق جدي ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، تبدي المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان خشيتها على سلامة ومصير المعتقلات. وتؤكد المنظمة أن الأحكام المنتظرة بحق المعتقلات، وفي ظل المسار الذي سلكته قضاياهن والانتهاكات التي تعرضن لها، ستكون أحكاماَ غير قانونية، بل أن المنطقي أن تقام المحاكمات لمن انتهك وأجرم بحقهن.
وترى المنظمة أن قضايا النساء المعتقلات في السعودية وما تعرضن له، لا تعكس فقط حقيقة التعامل الرسمي في ملف حقوق المرأة وزيف الادعاءات الرسمية حوله، بل تؤكد أيضا توجه الحكومة السعودية نحو المزيد من القمع وخنق الحريات، وانعدام نيته إصلاح سلوكياته فيما يتعلق بحقوق الإنسان.