بدأت المملكة العربية السعودية في أكتوبر 2018 محاكمة الباحث الإسلامي البارز الشيخ حسن فرحان المالكي في المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، التي أُسست في يناير 2008 خصيصاً للنظر في قضايا الإرهاب وقضايا أمن الدولة.
قالت صحيفة “سبق” السعودية الرسمية في 1 أكتوبر 2018، أن المحكمة الجزائية المتخصصة بدأت بـ”محاكمة المشكك في ثوابت الدين والمتهم بالطعن في السنة ورد الأحاديث النبوية”، في إشارة للباحث المالكي الذي دأب على طرح آراء متسامحة مغايرة للمؤسسة الدينية الرسمية التي تعتمد منهجاً متشدداً.
وجهت النيابة العامة التي ترتبط مباشرة بالملك السعودي تهماً متعلقة تقريباً بالكامل بآراء المالكي الدينية، وطالبت المحكمة بقتله تعزيراً بالاستناد إلى نصوص دينية منتقاة وأفهام متطرفة، في احتقار واضح لحقه الأصيل في حرية التفكير والوجدان المكفول بحسب القانون الدولي. عُقدت عدة جلسات للمالكي في المحكمة الجزائية المتخصصة، ومن المقرر أن تكون جلسته القادمة في 29 أبريل 2019، والتي هي الخامسة تقريباً. السعودية اعتقلت المالكي في شهر سبتمبر 2017. بالإضافة إلى اعتقاله، شهد شهر سبتمبر سلسلة اعتقالات طالت علماء دين بارزين، بعضهم يواجهون طلبات مماثلة بالإعدام.
بعد شهر تقريباً على اعتقال المالكي، عُرف أن ابنه (العباس) اُعتقل على خلفية تغريدات تطرق فيها إلى ظروف اعتقال والده. يأتي اعتقال العباس المالكي في سياق عقوبات غير إنسانية تمارسها السعودية بحق أطفال وأسر معتقلي الرأي.
أطلعت المنظمة على لائحة التهم الموجهة للمالكي، والتي ضمت أربعة عشر تهمة، من بينها:
1-عدم الاعتقاد بصحة كافة الأحاديث التي رواها البخاري.
2- انتقاد أفعال بعض أصحاب الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
3- القيام بالعديد من اللقاءات التلفزيونية مع صحف أجنبية ولقاءات مع قنوات “معادية” للمملكة (قناة الجزيرة، قناة العالم).
4- وصف هيئة كبار العلماء الرسمية بالتطرف.
5- تأليف عدداً من الكتب والأبحاث ونشرها خارج المملكة رغم علمه بمنعه من ذلك من قبل الجهات المختصة.
6- إعداد وتخزين وإرسال ما من شأنه المساس بالنظام العام والقيم الدينية المجرم.
7- حيازة (348) كتاباً غير مرخص من الجهة المختصة.
يبدو واضحاً من خلال التهم الموجهة للمالكي، أن مزاعم ولي العهد محمد بن سلمان التي أطلقها في أكتوبر 2017 في العاصمة الرياض، أن السعودية في صدد العودة إلى ما كانت عليه من إسلام وسطي معتدل ومنفتح على العالم، وعلى جميع الأديان، وقوله أن بلاده لن تضيع ثلاثين سنة أخرى في التعامل مع أي أفكار متطرفة، مجرد أكاذيب، وتهدف للترويج لذاته في الدول الغربية. فعلاوة على حالة المالكي، وثقت المنظمة في مراجعة لها لعددا من صكوك أحكام تخص 27 معتقلاً سياسياً بعضهم تم إعدامهم، صادرة من المحكمة الجزائية المتخصصة -سيئة الصيت-، وعددا آخر من “لوائح التهم” الصادرة من النيابة العامة، تخص 7 معتقلين سياسيين، استخدام السعودية لـ منهج متطرّف لتبرير إعدام وقمع المعارضين.
بالرغم من السجل السيء للسعودية في مجال حرية العقيدة واستخدام الفكر المتطرف من أجل تصفية المعارضين في الداخل، يبدو أنها تجد نفسها ملزمة دولياً بالظهور بشكل متسامح مخالف للواقع بغية تضليل الرأي العام الدولي. في 2012 أسست السعودية في فيننا عاصمة جمهورية النمسا مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، الذي يسعى -بحسب القائمين- “لدفع مسيرة الحوار والتفاهم بين أتباع الأديان والثقافات المتعددة، والعمل على تعزيز ثقافة احترام التنوع”.
وفي 21 مايو 2017 أعلنت السعودية عن تأسيس المركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال)، ودشنه الملك سلمان بن عبدالعزيز بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقادة من الدول العربية والإسلامية. من مرتكزات المركز الإستراتيجية “تعزيز الجانب الفكري المرتبط بمحاربة وتفنيد خطاب الإقصاء ونشر مفاهيم الاعتدال وتقبل الآخر”. ينشر المركز بشكل مستمر زيارات يقوم بها أعضائه لجهات دولية، وزيارات تقوم بها جهات دولية وأفراد من خارج المملكة، في أطار التعاون على نشر التسامح في العالم بحسب تعبيره. قبل عدة أيام (19 مارس 2019)، نشر (اعتدال) على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: إن “رسالة الأديان الأسمى هي الانتصار للإنسان وتعزيز قيم التعايش والتسامح والسلام” تحت وسم “#حادث_نيوزيلندا_الإرهابي”، إضافة لإرفاقه لثلاث تعليقات لقادة دينية من مختلف الأديان، من بينهم المفتي العام للسعودية، الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في قوله: “أكثر الأفكار خطراً هي أفكار تسوق باسم الدين”. على الصعيد الداخلي في السعودية، لم يعلق المركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال) أو المفتي العام للسعودية على التهم الدينية التي وجهت للباحث الإسلامي المالكي، والتي بموجبها يواجه مطالب بتنفيذ عقوبة الإعدام بحقه، وذلك على الرغم من قيام صحف رسمية بنشرها قبل أكثر من نصف عام.
في 2 يوليو 2018، اعتقلت السعودية المواطن زهير حسين بوصالح لتنفيذ حكم سجن وجلد سابق صادر بحقه في يوليو 2015، بتهمة إقامة الصلاة في منزله. بوصالح الذي ينتمي للطائفة الشيعية ويعيش في مدينة الخبر لم يفرج عنه تقريباً إلا في يناير 2019، بالرغم أن حكم السجن الصادر بحقه مدته شهرين. وعلاوة على أن حكم بوصالح تضمن ستين جلدة، تعرض في سجنه للتعذيب الشديد. تواصلت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في أغسطس 2018 مع جهات متعددة زارت المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف على خلفية اعتقال بوصالح، وأطلعتهم على قضيته على أعتبارها مثالاً واضحاً على أن ما يقوم به المركز تضليل متعمد يهدف لتزوير الحقائق الموجودة على أرض الواقع.
على خلاف التغييرات السطحية التي جرت مؤخراً في السعودية، لا يظهر أن هناك قرارا سياسيا جديا قد أُتخذ لتغيير الفكر الديني المتطرف الذي يستخدم لقتل المختلفين في الرأي، على الرغم من الأموال الطائلة التي تُصرف على المراكز التي تسعى لتجميل صورة السعودية في الخارج. قضية المالكي ليست استثنائية في تاريخ السعودية، ففي 1992 قتلت السعودية الشاب صادق مال الله عبر قطع رأسه في سوق “الخميس” الواقع في مدينته القطيف على خلفية نقاشات عقائدية، حيث كان مال الله ينتمي إلى الطائفة الشيعية الجعفرية. إن المطالبة بإعدام الباحث المالكي بعد مرور ما يقارب 27 عاماً على جريمة قتل مال الله، تكشف أن السعودية في عمقها لم تتغير، وكل التغييرات التي تجري سطحية إعلامية تهدف لتضليل الرأي العام وصرف نظره عن الانتهاكات الجسيمة التي تطال المختلفين سياسيا ودينيا مع السعودية.
استخدمت النيابة العامة نصوصاً دينية منتقاة وأفهام متطرفة لأقوال علماء دين بشكل مرعب جداً لتبرير المطالبة بقتل الباحث المالكي. بسبب عدم اعتقاد المالكي بصحة كافة الأحاديث الموجودة في كتابي الحديث المعروفين بصحيحي البخاري ومسلم، استندت النيابة العامة لأقوال علماء بقصد تكفير المالكي تمهيدا لقتله. ومن بينها قول لابن الوزير” التكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه حديثه كفر صريح”. يوجد في السعودية ملايين يتشاطرون مع الباحث المالكي في آرائه التي قد يعدم لاعتقاده بها. وفق هذه الأفهام المتطرفة للنصوص الدينية المنتقاة وأقوال العلماء، تستطيع السعودية قتلهم جميعاً.
تعتقد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن مطالبة النيابة السعودية التي ترتبط مباشرة بالملك بإعدام الباحث البارز حسن فرحان المالكي بتهم تتعلق بآرائه الدينية وقناعاته الشخصية تكشف بوضوح أن الملك سلمان وابنه ولي العهد، يرعيان الفكر المتطرّف، ويعززان حضوره بقوة في المحاكم السعودية لكونه يوفر الغطاء الديني اللازم لتصفية كافة أصحاب الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان.
ترى المنظمة أن العهد السعودي الحالي، على خلاف ما يتم إظهاره في الأحاديث الإعلامية، من أكثر العهود السعودية تطرفاً، وهذا ما يتجلى من المطالبة بإعدام المالكي، والأفهام الدينية المتطرفة التي تستخدمها السعودية لإعدام وقمع المعارضين وأصحاب الرأي.