كرّرت السعودية خطاباتها في مجلس حقوق الإنسان بجنيف، وتحدّثت عن إصلاحات وهمية، وتغيرات غير واقعية في مجال حقوق الإنسان. ففي بيان لها خلال إفتتاح الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان، قالت في بيان قدمه وزير الخارجية عادل الجبير في 27 فبراير 2019، أن هناك تطورات على جميع المستويات، بأمر من الملك سلمان بن عبد العزيز وإشراف مباشر من ولي عهده محمد بن سلمان وذلك ضمن إطار رؤية 2030 التي رأى أنها خارطة طريق نحو تنمية مستدامة.
فيما تستمر السعودية بإعتقال أبزر المدافعات عن حقوق الإنسان والناشطات، وما يجري عليهن من تعذيب وإنتهاك للحقوق ومعاملة حاطة بالكرامة، تحدث البيان عن تغييرات دفعت إلى تطورات في مجال حقوق الإنسان، وصفت بعضها بالقفزات النوعية نحو بلوغ أفضل المستويات، خصوصا في حقوق المرأة والطفل. وتحدث البيان عن المبادرات لتمكين المرأة إقتصاديا من خلال رفع مشاركتها في سوق العمل، وتعزيز دورها الريادي في مراكز القرار.
ما وصفه البيان بالقفزة النوعية، تجاهل الواقع الذي تعيشه النساء في السعودية، حيث تعتقل الحكومة المدافعات والناشطات على خلفية نشاطهن السلمي في الدفاع عن حقوق الإنسان. وفيما تحدث البيان عن سياسات لتمكين المرأة، فإن أبرز الحقائق تعاكس ذلك، ومنه طلب النيابة العامة الإعدام للمدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام قبل أن يتراجع عنه إلى السجن، كذلك لايمكن إغفال القوانين التمييزية التي تواجهها النساء، والممارسات التي تمنعهن من الحصول على حقوقهن وخاصة مع بقاء نظام ولاية الرجل.
البيان تحدث عن سياسات للحماية من العنف وأشار إلى أن من بين ذلك صدور أمر سامي في فبراير 2018 قضى بتقديم المساعدة الحقوقية لكل النساء والأطفال الذين يتعرضون للعنف. تغنى البيان بالأمر السامي، متجاهلا أن الإعتقالات التي طالت النساء حدثت بعد أشهر من صدور الأمر السامي، كما أنه لم يتطرق إلى مناقشة ما تعرضن له المعتقلات من مختلف أنواع التعذيب والتحرش والجنسي. إن هذا البيان الغير واقعي، يأتي مع اقتراب بدء محاكمتهن الفاقدة لشروط العدالة، في ظل مخاوف من صدور أحكام قاسية بحقهن على خلفية ممارسات مشروعة وإصلاحية.
وفيما إعتبر البيان، أن التطورات تستهدف حماية الأطفال من العنف، تم توثيق تعرض أطفال معتقلين لأنواع مختلفة للتعذيب وإنتزاع إعترافات منهم. وعلى الرغم من تأكيدهم لذلك أمام القاضي، إلا إنه وبدل محاسبة المعذبين، فإن هناك ٨ منهم صدرت بحقهم أحكام إعدام نهائية، وقد يقتلون في أي لحظة.
إلى جانب ذلك، نوّه البيان إلى سياسة السعودية في مكافحة الإرهاب وموازنتها بين ذلك وبين حقوق الإنسان، وذلك من خلال ما وصف بالإلتزام بضمانات المحاكمة العادلة، وسلوك أعلى المستويات في ظروف الإعتقال وإعادة تأهيل المعتقلين.
السياسات التي أشاد بها البيان والتي يستخدم فيها نظام مكافحة الإرهاب وتمويله، تجاهلت التحاليل القانونية التي قام بها خبراء دوليين وأكدت أن النظام ينتهك قانون حقوق الإنسان وأنه يسقط القليل المتبقي من إحترامها، ويفشل في الإلتزام بالمعايير الدولية، مع التأكيد أن النظام يجرّم ممارسات سلمية كالتعبير عن الرأي.
إلى جانب ذلك تجاهل البيان تأكيد المقرر الخاص السابق المعني بحماية وتعزيز حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب بن أمرسون، بعد زيارة قام بها للسعودية، أنها تستخدم تعريفاً واسعا لمصطلح الإرهاب، وتلاحق به النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان وتصدر أحكاماً قاسية بحقهم قد تصل إلى الإعدام. إلى جانب ذلك وثق بن أمرسون إفتقار المحاكمات التي تحصل في المحكمة الجزائية المتخصصة لشروط المحاكمة العادلة.
وفيما تحدث البيان عن تأمين أعلى المستويات في ظروف الإعتقال، فإن قضايا موت معتقلين في السجون بسبب الإهمال أو سوء المعاملة أو التعذيب لاتزال بلا تحقيق نزيه أو محاكمات للضالعين فيها، من بين ذلك موت الشاب حبيب الشويخات -رغماً عن تواصل والده مع عدة جهات بينها مكتب الملك “الديوان الملكي”- بسبب إهمال وضعه الصحي في السجن، والذي يأتي ضمن السياق العام للمعاملة السيئة والحاطة بالكرامة التي يتلقاها المعتقلين في السعودية، كما تؤكد تقارير متعددة أن التعذيب يستخدم بشكل ممنهج في السجون ومراكز التوقيف، وقد وثقت المنظمة مقتل عدد منهم تحت التعذيب مثل الشاب مكي العريض.
إلى جانب ذلك فإن إعادة التأهيل التي أشار إليها البيان تستغل لاستهداف المطالبين بالحقوق والإصلاح، حيث تم إستخدام مراكز من المفترض أنها مخصصة لذلك، لتمديد إحتجاز نشطاء بينهم خالد العمير ومحمد البجادي، والمتظاهر الطفل علي الربح الذي أعدم في يناير ٢٠١٦، وغيرهم.
البيان إنتهى بالإشارة إلى أن السعودية تؤكد الإستمرار بالتعاون مع كافة أجهزة وآليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان. ما روجه البيان يتناقض مع الحقائق فيما يتعلق بالإستجابة لطلبات المقررين الخاصين بزيارة السعودية أو بالإفراج عن المعتقلين وضمان حمايتهم، إلى جانب ذلك فإن الردود على المقررين الخاصين والتقارير التي تقدمها إلى اللجان الأممية تحوي على مغالطات كبيرة.
تضع المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان هذا البيان في إطار الحملات الدعائية المضللة والتي تحاول صرف الأنظار عن الإنتهاكات. كما ترى المنظمة أن البيان عجز عن تقديم موقف مقبول نظريا وعمليا، تجاه جريمة القتل الوحشية للصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطبنول على يد موظفين رسميين، وتجاه ما وقع من جرائم تعذيب وتحرش بحق المدافعات عن حقوق الإنسان المعتقلات، ما يفهم منه أن البيان كان معنيا في المقام الأول بممارسة التضليل على مستوى دولي.