بات من المؤكد في 23 يوليو 2017، إن القضاء السعودي وعبر المحكمة العليا، صادق وبشكل نهائي على حكم إعدام الشاب المعاق منير آدم. سبق ذلك تصديق محكمة الإستئناف على الحكم في في 25 مايو 2017.
قامت السعودية وفي وقت سابق، بعزل منير آدم في زنزانة إنفرادية في 12 يونيو 2017، وقطع صلته بالعالم الخارجي، ونعتقد في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، إن ذلك إجراء يهدف لمنع آدم عن الإخبار بأي شي عن قضيته، وذلك بعد أن قامت اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الأمم المتحدة، ومجموعة من الخبراء في الأمم المتحدة، بمراسلة الحكومة السعودية أكثر من مرة، حول الإنتهاكات التي تعرض لها آدم، كان آخرها قبل نقل منير للإنفرادي بقرابة أسبوعين.
وقد كان إجراء عزل آدم في الإنفرادي، من المؤشرات السابقة والتي أثارت القلق حول اتجاه السعودية لتأكيد حكم إعدامه، يضاف لها مضي عدة أسابيع دون إتصال منه أو السماح لأسرته بزيارته. وفي سياق القلق على آدم، لايمكن تجاهل الخطوة المروعة التي أقدمت عليها السعودية حينما قتلت في 11 يوليو 2017 وبشكل فجائي وبدون مقدمات، 4 من المعتقلين ممن صادقت أحكامهم في وقت سابق، مايؤكد إن حياة آدم وآخرين، في خطر مؤكد.
منذ إعتقاله في 8 ابريل 2012، تعرض منير آدم إلى التعذيب والضغوطات والمعاملة المهينة. ففي بداية اعتقاله عُذب “بالفلكة” في مركز شرطة القطيف، ولم يتمكن بعدها من السير على قدميه لعدة أيام. وحينما نقل بعد قرابة أسبوعين إلى سجن مباحث الدمام، تم تعذيبه بالصعق الكهربائي، والحرمان من النوم، والوقوف لفترات طويلة، والضرب بالعصي والأسلاك الكهربائية والقضبان المطاطية والبلاستيكية، والمنع من الأكل والشرب والمنع من الدخول لدورات المياه، والركل والصفع، بما فيها الضرب على رأسه وأذنه، مما أدى إلى فقده السمع في إحدى أذنيه، كما ضعف نظره. إضافة إلى توجيه الألفاظ المهينة لمعتقداته وتهديده، وحبسه في زنزانة إنفرادية لمدة طويلة، ومرات متكررة.
لم يعرف آدم أو أحد من أسرته تهمه بشكل رسمي إلا بعد 3 سنوات وخمسة أشهر من إعتقاله، وذلك مع بدء محاكمته في سبتمبر 2015، وجهت له تهم: فضفاضة ومضخمة، وبإطلاع المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان على الإقرار المنسوب إليه، ومقارنته مع تهمه التي تتم صياغتها بطريقة وأسلوب المدعي العام، يتضح الفرق وتعمد الإدعاء العام صياغتها بطريقة مضخمة وبأسلوب يعتمد على التهويل.
وجه له الإدعاء، وبحسب ما جاء في قائمة التهم، الإنضمام لخلية إرهابية وقيامه مع آخرين بالتخطيط والتنسيق للمظاهرات والمواجهة المسلحة، والسير في المظاهرات بالسلاح تحسباً لأي طارئ (المقصود بالطارئ هو أي هجوم مسلح تقوم به قوات الطواريء السعودية على المسيرة)، وإطلاقه النار على العربات المصفحة التابعة لقوات الطوارئ، وإطلاقه النار على مركز الشرطة، والمشاركة في المظاهرات، وإيصاله بدراجته النارية لمسلحين، وعدم إبلاغه عنهم، وترديد عبارات معادية للدولة، وتحريض الناس على المشاركة في المظاهرات، رمي الحجارة على مركز شرطة العوامية، عضويته في مجموعة في أحدى تطبيقات الجوال يتلقى فيها رسائل تدعو وتنسق للمظاهرات.
وفي 1 يونيو 2016 صدر بحقه حكما إبتدائياً بالإعدام. وبغض النظر عن وسائل التعذيب والإكراه التي استخدمتها الحكومة السعودية مع آدم، إلا أن جميع التهم لاتندرج تحت الجرائم الجسيمة، أو الأشد خطورة، وقد قالت السعودية في أكتوبر 2013: “إن عقوبة القتل لا تصدر إلا في الجرائم الأشد خطورة”، الفقرة 14 “Outcome of the review – Addendum 1” وذلك في تقريرها الدوري الشامل الثاني الذي قدمته في مجلس حقوق الإنسان في 2013. وبحسب التعريف الوارد في تقرير صادر عن الأمم المتحدة، فإن المقصود بأشد الجرائم خطورة هي تلك التي تؤدي مباشرة وبصورة مقصودة إلى الوفاة، الفقرة 23. وبالنظر للجرائم المنسوبة لآدم فإن أي منها لم يتضمن تهمة تتفق مع تعريف أشد الجرائم خطورة.
بعد 3 سنوات و 5 أشهر، عرف آدم بشكل رسمي التهم التي نسبت إليه، وذلك في الجلسة الثانية من محاكمته والتي عقدت في 7 سبتمبر 2015، وكانت هذه المرة الأولى التي أتيح له فيها بتوكيل محامي. لم يحصل آدم على التسهيلات اللازمة لتقديم دفاعه، ولم يتمكن من تقديم دفاعه إلا في 2 ديسمبر 2015، وقال فيه: (وقد تعرضت للضرب المبرح والضغوط النفسية بسبب تهديدات المحقق المتواصلة لي)، وطالب أمام القاضي بأدلة على التهم الموجهة له، فقدم الإدعاء إقرارا عن منير تمت كتابته من قبل المحقق، بدعوى إن آدم لايجيد الكتابة، وقال آدم إنه أجبر على التبصيم عليه بالإكراه دون أن يمكن من قراءته، كما أكد أمام القاضي إنه يجيد الكتابة ويستطيع كتابته بنفسه. كما قال آدم إنه أجبر في وقت سابق على الإقرار بصحة أقواله أمام (قاضي التصديق) بعد أن تم تهديده من قبل المحقق بالتعذيب إن لم يوقع، كما قال آدم إن قاضي التصديق لم يقم بقراءة التهم عليه. وطالب آدم بإحضار الفيديو الذي ألتقطته كاميرات سجن المباحث كدليل على الإكراه الذي وقع عليه، وطالب بحضور المحققين اللذين عذبوه في سجن المباحث وسجن القطيف، ولكن لم يتم إعارة طلباته أهمية. أيضا لم تقدم المحكمة التسهيلات التي يحتاجها الدفاع، وقام القاضي بتجاهل طلبات الدفاع، وإساءة المعاملة للمتهم ووكلاءه. الدليل الوحيد الذي استخدم القاضي ضد آدم كان الإعترافات المنتزعة تحت الإكراه والتعذيب.
في 1 أغسطس 2016، قام المقررين الخاصين في الأمم المتحدة: المقررة الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً – المقرر الخاص المعني بحق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية – المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين – المقرر الخاص المعني بحالات التعذيب، بإرسال رسالة للحكومة السعودية عن حالات: الشيخ نمر النمر، رائف بدوي، علي النمر، اليزن الجزائري، مجتبى السويكت، ومنير آدم. وقد ردت الحكومة السعودية في 17 يناير 2017، ونفت فيما يتعلق بمنير، تعرضه للتعذيب، ونفت إصابته في إصبعه، ونفت فقده لحاسة السمع في إحدى أذنيه جراء التعذيب، ونفت عدم تقديم الرعاية الطبية.
في 13 سبتمبر 2016، أرسلت اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الأمم المتحدة، رسالة للحكومة السعودية حول منير آدم. اللجنة أرسلت رسالتها بموجب إنضمام السعودية في 24 يونيو 2008 إلى البروتوكول الإختياري لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهذا يعني إمكانية قيام اللجنة بالتحري في القضايا التي ترفع لها عن الإنتهاكات التي تقع على المعاقين في السعودية، ويجوز أن يتضمن التحري قيام اللجنة بزيارة السعودية.
في 7 ديسمبر ردت السعودية، وكان ردها سلبيا، يتضمن التهرب من الإجابة المباشرة على تساؤلات اللجنة، وأدعت أن منير يمكنه أن يستخدم وسائل الإنتصاف المحلية لتقديم شكوى، ولكنه لم يفعل بحسب إدعاء الحكومة السعودية، رغم إنه قدم شكوى أمام القضاء ولكن تم تجاهلها بشكل تام. كما أدعت أن الشكوى لم تتضمن دليلا على ما ورد فيها، في الوقت الذي لايمكن للسجين ان يقدم دليلا وهو مقيد ولايتاح له دفاع فعال وتسهيلات قانونية. كما إدعت السعودية إن المنظمات التي رفعت الشكوى لايوجد لديها تفويض، في الوقت الذي قامت المنظمات بإرفاق التفويض الذي بحوزتها حين أرسلت الشكوى.
في أواخر مايو 2017 علمت اللجنة بتصديق حكم إعدام منير، وقامت اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على الفور، بمراسلة الحكومة السعودية في 26 مايو 2017، وتلقت في 19 يونيو 2017 ردا من الحكومة السعودية قالت فيه، إنها ترفض الشكوى مجدداً، لعدم إستيفائها للشروط، وقامت بإيضاح الجهات المحلية التي يمكن للضحية أن يقدم لها شكواه. إن المنظمة الأوروبية تؤكد إن وسائل الإنتصاف المحلية قد استخدم بعضها من قبل أسرة آل أدم، وآخرها زيارة قامت بها آسرة آدم إلى هيئة حقوق الإنسان فرع الدمام في 24 يوليو 2017 دون أن يتم اخذ شكواهم بعين الإعتبار، وتم إبلاغهم بعدم إمكانية العمل على قضيتهم لأن الوقت متأخر وحكم الإعدام تم تصديقه. كما خاطبت الإسرة عدة جهات ومنها محكمة الإستئناف، ولكن دون جدوى. إن تهرب المؤسسات الرسمية من تلقي الشكاوى وتفعيلها، هو سلوك معتاد في السعودية، كما إن الجهات الحكومية جميعها غير مستقلة، ولا تملك أمام القرارات التي تأتي من الديوان الملكي أو وزارة الداخلية، أي قوة.
المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، ترى إن سلوك السعودية في التعاطي مع قضية منير آدم، مثال واضح لتجاهل القوانين الدولية والآليات الدولية، وإصرارا على عدم مراعاة أصول المحاكمة العادلة. إن تصديق السعودية على حكم منير آدم، وإرسال حكمه لوزارة الداخلية من أجل تنفيذ الحكم، لايحمل في طياته مراعاة للقوانين الدولية التي توصي بالتأني والتدقيق في أحكام الإعدام على وجه الخصوص.
كما لم تعط السعودية في قضية منير آدم، أي إعتبار للمادة 4 الفقرة (1) من البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إن السعودية مطالبة بإتخاذ ” تدابير مؤقتة لتفادي إلحاق ضرر لا يمكن رفعه بضحية الانتهاك المزعوم”.
إن إعدام منير آدم، قد يتم تنفيذه في أي لحظة، وفيما لو أقدمت الحكومة السعودية على إعدامه، فإن ذلك سيؤكد إنحيازها لتنفيذ حكم الإعدام، دون إعتبار للقوانين الدولية وآليات الأمم المتحدة التي إنضمت لها، في وقت تشغل السعودية عضوية مجلس حقوق الإنسان للمرة الرابعة.