في إطار تصعيد عمليات القمع التي تقوم بها المملكة العربية السعودية ضد الكتاب والصحفيين والنشطاء وأصحاب الرأي، وتأكيدا على عدم جديتها في إدعاءاتها الإصلاحية ومكافحة الفساد، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، المختصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة، حكماً في 8 فبراير 2008 بالسجن لمدة 5 سنوات تليها 5 سنوات منع من السفر، ضد الكاتب الصحفي صالح الشيحي جراء انتقاده في لقاء تلفزيوني للفساد الكبير في الديوان الملكي الذي يعتبر السلطة الأعلى في البلاد.
والشيحي من الصحفيين البارزين والمشهورين في الأوساط السعودية، وكان يكتب في عدد من الصحف الرسمية السعودية وأبرزها صحيفة الوطن، كما أنه عضو مجلس إدارة نادي الحدود الشمالية الأدبي، وعمل في السابق مديرا لتحرير مجلة (الثقافية) الصادرة عن الملحقية الثقافية في بريطانيا.
كان آخر ظهور إعلامي للشيحي في منتصف شهر ديسمبر 2017، على قناة روتانا خليجية، حيث انتقد فساد الديوان الملكي قائلا: “إذا كنت تعرف أحدا في الديوان الملكي أو كنت تعرف ثغرة في الديوان الملكي أو تعرف رئيس الديوان الملكي في السعودية أو تعرف نائب رئيس الديوان الملكي أو سكرتير رئيس الديوان الملكي في السعودية، يستطيع أن يعطيك منحة أرض في موقع استراتيجي ومهم“. إضافة إلى إنتقاده الديوان الملكي نادى صالح الشيحي علنا بملاحقة ومحاسبة مسؤولين كبار اتهمهم “بسرقة أموال البلد“.
في 8 فبراير نشرت صحفية سبق الرسمية خبرا حول إصدار حكم بسجن مواطن متهم بالقدح والإساءة لأحد أجهزة الدولة (الديوان الملكي) والعاملين فيه، عبر حديثه في لقاء تلفزيوني، ماينطبق على قضية الشيحي.
وكانت عملية الاعتقال في 3 يناير 2018، قد أتت بعد يوم واحد من إصدار خمس مقررين في مجلس حقوق الإنسان بيانا طالبوا فيه الحكومة السعودية الإلتزام بتعهداتها بصفتها عضو في المجلس، وبإيقاف عمليات الإعتقال التعسفي وحثّهم لها على إنهاء القمع والإفراج عن جميع المحتجزين بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم.
من خلال متابعة المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان لسير الكثير من المحاكمات الدائرة في المحكمة الجزائية المتخصصة، تعتقد أن المحاكمات فيها، علاوة على افتقارها لأبسط شروط المحاكمات العادلة، فهي تشهد تفاوتاً وتذبذباً كبيراً من الناحية الزمنية بين الحالات، تتراوح في حالات بين الثلاث سنوات والسنة، ما يشير إلى تدخل سياسي في عملية إبطاء الحالات أو تسريعها بشكل واضح. لذلك ترى المنظمة أن اعتقال الشيحي والحكم عليه خلال 36 يوما على خلاف أغلب الحالات، يؤشر لعدم إستقلالية القضاء في السعودية وإستخدامه بشكل معيب من قبل المسؤولين لقمع أصحاب الرأي ومحاكمتهم في المحكمة الجزائية المتخصصة التي أسست للنظر في قضايا الإرهاب وأمن الدولة. إضافة إلى ذلك، تعتقد المنظمة أن قضية الشيحي تفنّد إدعاءات الحكومة السعودية حول الإصلاح والتغيير ومكافحة الفساد، حيث أنه عبر عن رأي يتعلق بمكافحة الفساد التي تقول الحكومة إنها تمارسها. كما ترى أن هذه القضية تكرّس إفتقار حملة مكافحة الفساد إلى الأسسس التي يجب تستند إليها وبينها إشراك المجتمع المدني والشفافية وضمان حرية التعبير وإستقلالية القضاء والتي تنص عليها إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
إضافة إلى ذلك، تشير المنظمة إلى أن قضية الشيحي تثير المزيد من التساؤلات حول الدور الذي يلعبه الديوان الملكي الذي يعد صلة وصل أساسية بين الملك والمواطنين، وتأثيره على النيابة العامة. كما أن الحكم بالسجن الذي صدر، يؤكد تطويق أي صوت مخالف في البلاد ما يناقض ما قاله الملك سلمان بن عبد العزيز بأن أي مواطن “بمقدوره رفع دعوى قضائية ضد الملك أو ولي عهده، أو أي فرد من أفراد الأسرة الحاكمة“.
إن المنظمة تؤكد ان اعتقال الكاتب الشيحي إنطوى على إنتهاكات واضحة للقوانين الدولية أيضا، وبينها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنصّ على “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود.”
تطالب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، الحكومة السعودية بالإفراج الفوري عن الكاتب صالح الشيحي وكافة المعتقلين على خلفية التعبير عن رأيهم، كما تشدد المنظمة على أهمية ضمان حق الأفراد في التعبير من دون التعرض للملاحقة والمضايقات كخطوة أولى نحو تأكيد جدية إدعاءات الحكومة فيما يتعلق بالإصلاح ومكافحة الفساد.