تمارس المملكة العربية السعودية الإخفاء القسري، الذي تعرّفه الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، بأنه “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”. هذه الممارسة في السعودية ليست عارضة أو فردية، إنما ممارسة ممنهجة ولأهداف عديدة.
وفيما يحيي العالم في 30 أغسطس من كل عام اليوم الدولي لضحايا الإختفاء القسري، الذي أشارت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أنه بات يستخدم كأسلوب”استراتيجي لبث الرعب داخل المجتمع”، لا تزال العديد من العائلات تتنظر معرفة مصير أبنائهم وسط الترقب والخوف.
الأمم المتحدة:
يشهد الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي التابع لمجلس حقوق الإنسان على انتهاكات السعودية في هذا الخصوص، حيث أرسل للسعودية منذ 2011 حتى اليوم، 7 قضايا يسائل فيها السعودية عن مصير أفراد تعرضوا للإخفاء القسري، إلى جانب مسائلات حول استخدام قانون مكافحة الإرهاب لتبرير عمليات الإخفاء القسري. من بين الشكاوى التي أرسلت إلى السعودية، قضايا 17 مواطنا يواجهون عقوبة الإعدام على الرغم من عدة إنتهاكات تعرضوا لها، منها ما يتعلق بتعرضهم للإخفاء القسري. إضافة إلى ذلك أشارت إحدى الرسائل إلى قضية مدافعين ومدافعات عن حقوق الإنسان تعرضوا للإعتقال والإخفاء القسري وهم إيمان النفجان ولجين الهذلول ومحمد البجادي، كما أرسلت إلى الحكومة السعودية شكوى حول المدافع عن حقوق الإنسان خالد العمير. إضافة إلى ذلك شارك الفريق العامل في شكاوى أرسلت إلى السعودية حول كل من الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وشكوى أخرى حول 5 معتقلين في قضية قتله، إلى جانب شكوى حول الإخفاء القسري للصحفي اليمني مروان علي ناجي المريسي. إضافة إلى ذلك ظهرت ممارسة السعودية في تقارير الفريق العامل الدورية، كما تبين تجاهل الحكومة للرد على هذه الشكاوى والأسئلة.
من بين القضايا التي تعامل معها الفريق العامل قضية الداعية سليمان الدويش، الذي لا زال مصيره مجهولا على الرغم من مرور 3 سنوات على إختفائه. في يوليو 2017 راسل الفريق العامل الحكومة السعودية حول حالة الدويش، غير أن السعودية لاتزال تتجاهل بشكل مثير للريبة، في ظل معلومات تم تداولها في الشبكات الإجتماعية قالت أنه قتل تحت التعذيب، دون ورود نفي أو تأكيد رسمي. إضافة إلى ذلك، راسل الفريق العامل ضمن إجراءاته العاجلة، الحكومة السعودية حول قضية المسنة عايدة الغامدي وإبنها الذين تعرضوا للإخفاء القسري في مارس 2018.
وفي مايو 2018، أكد بيان للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، أن السعودية تمارس عمليات الإعتقال والإخفاء القسري ضد أشخاص من دون أي تفسير أو مراعاة للأصول القانونية، وأشارت إلى قضية المواطن نواف الرشيد الذي تعرض للإخفاء القسري بعد أن سلمته الكويت إلى السعودية.
الإعدام والقتل:
يشكل الإخفاء القسري الذي تمارسه السعودية مقدمة للإعدام في بعض الحالات. فبحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، حكم على عدد من المتهمين بالإعدام ونفذ الحكم بحقهم، على الرغم من تعرضهم لعدد من الإنتهاكات. فبحسب توثيق المنظمة شملت الإعدامات أفرادا كانوا قد أخفوا قسريا عند الإعتقال، تعرضوا خلال فترة إخفائهم إلى التعذيب وسوء المعاملة الذي أدى إلى الإدلاء باعترافات استخدمت لاحقا في المحاكمة وإصدار الأحكام.
من بين هؤلاء، المواطن الأردني حسين أبو الخير الذي لا زال يواجه عقوبة الإعدام بتهم تتعلق بالمخدرات، الذي تعرض للإخفاء القسري 12 يوما، حيث اعتقلته قوات سلاح الحدود السعودي عند دخوله السعودية من دون أن تبلغ عائلته أو محام.
إضافة إلى ذلك، من بين الأفراد الذين تم إعدامهم المواطن أمجد المعيبد، الذي أعدم مع آخرين في يوليو 2017 على الرغم من الانتهاكات التي اعترت محاكمته، ومن بين ذلك تعريضه للإخفاء القسري لمدة أسبوع بعد اعتقاله على يد رجال يرتدون ثياباً مدنية. إضافة إلى المعيبد، أعدمت الحكومة السعودية الشاب عبد الله آل طريف في أبريل 2019 مع 36 آخرين، بعد تعرضه للعديد من الإنتهاكات من بينها الإخفاء القسري لمدة 12 يوما بعد إعتقاله، وبناء الحكم ضده بالإعدام بناء على اعترافات منتزعة تحت التعذيب.
إلى جانب الأفراد الذين عرضوا على المحاكمات، مارست السعودية الإخفاء القسري على مواطنين وعرضتهم للتعذيب الشديد في المعتقلات ما أدى في بعض الحالات إلى الوفاة. من بين هؤلاء الشاب مكي العريض الذي اختفى لمدة يومين، وبعد سؤال العائلة عن مكانه قال مركز شرطة العوامية أنه توفي بسبب الخوف بعد اعتقاله، إلا أن الآثار التي وجدت على جسده كانت في غاية الوضوح على أنه تعرض للتعذيب الشديد أثناء فترة الإخفاء القسري.
القضية الأبرز التي وضعت السعودية بشكل علني عالميا على لائحة الدول التي تمارس الاخفاء القسري، كانت عملية اخفاء الصحفي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر 2018، حيث بقي مصيره مجهولا لمدة 17 يوما، حتى اعترفت الحكومة السعودية بمقتله على يد موظفين حكوميين داخل القنصلية السعودية في اسطنبول. الإخفاء الذي تعرض له خاشقجي امتد إلى الإخفاء القسري لجثته، حيث لاتزال السعودية تمتنع عن الإفصاح عن مصيرها حتى اليوم.
ممارسات منهجية:
إضافة إلى ذلك، في سبتمبر 2017، إختفى المواطن السوري الجنسية خالد محمد عبد العزيز خلال تأديته شعائر الحج، وبقي غير معروف المكان حتى فبراير 2019 حيث عرفت العائلة أنه معتقل في السجون السعودية. لم تتمكن العائلة من التواصل معه، حتى أبريل 2019 حيث سمح لأخيه بزيارته مرة واحدة، حتى تم ترحيله في أغسطس 2019.
في أغسطس 2015 أعلنت السعودية تسلمها المعارض أحمد المغسل بعد أن تم القبض عليه في مطار بيروت. على الرغم من مرور 4 سنوات على عملية الإعتقال، لم يعرف مصير المغسل أو المكان المعتقل فيه وذلك على الرغم من مطالبة العائلة بذلك.
في يناير 2018، اعتقلت الحكومة السعودية الشاعر فاضل المغسل من مقر عمله في جزيرة تاروت، وهو أخ المعتقل أحمد المغسل. تعرض فاضل للإخفاء القسري لمدة 5 اشهر لم تستطع خلالها عائلته معرفة مكان اعتقاله أو مصيره. بعد ذلك تمكن من أجراء اتصال هاتفي قصير أكد خلاله لزوجته أنه لا يزال على قيد الحياة وأنه معتقل من دون تفاصيل إضافية.
في أبريل 2019 شنت الحكومة السعودية حملة اعتقالات واسعة طالت 15 مواطنا على الأقل بينهم كتاب ونشطاء ومدونيين. المعلومات أكدت تعرض عدد منهم إلى الإخفاء القسري حيث لم تعلم عائلاتهم بمكان وجودهم إلا بعد مرور أيام، وهذا ما يثير الشكوك حول تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة.
على الرغم من محدودية المعلومات، بسبب القمع الشديد الذي يتعرض له المجتمع المدني والترهيب المكثف الذي تمارسه السعودية وخصوصا في الشبكات الإجتماعية، تؤكد المعلومات الموثقة لدى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، ومنظمات أخرى، أن الإختفاء القسري ممارسة ممنهجة في السعودية، وتمارس بشكل مستمر على نسبة كبيرة من المعتقلين السياسيين، وتتخذ فترات وأشكالاً مختلفة، كما أن هناك أفراداً تعرضوا للإخفاء القسري ولايزال مصيرهم غير مؤكد، من بينهم: الشيخ سليمان الدويش، مروان علي ناجي المريسي، أحمد المغسل، عبدالرحمن السدحان. كما إن هناك إخفاء قسرياً على مستوى الجثامين، بلغ لحد الآن 83 جثماناُ من ضحايا القمع، في الفترة بين 2016 حتى أغسطس 2019، حيث لايعرف الآهالي أماكن جثامين أبنائهم، ولاتزال الحكومة ترفض إرجاعهم على الرغم من مطالب أسرهم المستمرة بإستعادة الجثامين.
تؤكد المنظمة أن على الحكومة السعودية الكشف عن مصير كافة المخفين قسريّا، ومحاسبة المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عن عمليات الإخفاء وما تبعها من انتهاكات وتعذيب قد تصل إلى القتل. وتشدد المنظمة على أن عدم تحمل الحكومة السعودية لمسؤولياتها تجاه المخفيين قسريا يجعلها متورطة بشكل مباشر في جريمة ضد الإنسانية، حيث تنص المادة 5 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري على أن ممارسة الاختفاء القسري تشكل” جريمة ضد الإنسانية كما تم تعريفها في القانون الدولي المطبق وتستتبع العواقب المنصوص عليها في ذلك القانون”.
في اليوم الدولي لضحايا الإختفاء القسري، تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن السعودية تمارس الإخفاء القسري كنهج بهدف ترهيب الأفراد والمجتمع وقتل أصحاب الرأي خارج نطاق القضاء وإصدار أحكام الإعدام التعسفية.