في 30 أغسطس من كل عام، يحيي العالم “اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري“. يتزامن مع هذه المناسبة إستمرار إستخدام جريمة الإخفاء القسري من قبل حكومة المملكة العربية السعودية. وتعد السعودية إحدى الدول التي تمارس الإخفاء القسري بشكل ممنهج ومستمر، مع غطاء رسمي يؤمن استمرار سياسة الإفلات من العقاب، في تأكيد لعدم وجود قضاء مستقل.
وثقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إستخدام الحكومة السعودية الإخفاء القسري كمقدمة لممارسة التعذيب، وانتزاع اعترافات، وفي الكثير من الحالات استخدمت هذه الاعترافات لإصدار أحكام، بينها أحكام إعدام. كما قُتل بعض المعتقلين خارج إطار القانون بعد اخفائهم قسرا، كالمعتقل مكي العريض الذي قتل نتيجة التعذيب.
ويُعرف الاختفاء القسري طبقا للمادة الثانية من الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الإختفاء القسري، بأنه “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.
لم تصادق السعودية على هذه الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ عام 2010، والتي تهدف إلى منع الاختفاء القسري والحرص على تحقيق العدالة للناجين والضحايا وعائلاتهم، والكشف عن الحقيقة، وتلقي التعويض المناسب.
إضافة إلى عدم مصادقتها على المعاهدة الدولية، تتيح العيوب في قوانينها وخاصة نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، ذريعة لممارسة جريمة الإخفاء القسري، حيث تسوغ المادة 20 من القانون للحكومة عزل المعتقل عن عائلته والعالم الخارجي لمدة تسعين يوماً إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، “وإن تطلب التحقيق مدة منع أطول، يرفع الأمر إلى المحكمة المختصة لتقرير ما تراه”.
الأمم المتحدة
يشهد الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي التابع لمجلس حقوق الإنسان على انتهاكات السعودية في هذا الخصوص، حيث أرسل للسعودية منذ 2011 حتى أغسطس 2022، 12 قضية يسائل فيها السعودية عن مصير أفراد تعرضوا للإخفاء القسري، إلى جانب مسائلات حول استخدام قانون مكافحة الإرهاب لتبرير عمليات الإخفاء القسري. آخر ذلك، المراسلة التي أُرسلت في 27 أغسطس 2021 قبل 3 أيام من إحياء اليوم الدولي لضحايا الاخفاء القسري، والمتعلقة بالمحكومين بالإعدام آنذاك محمد الشاخوري وأسعد شبر، حيث أعرب المقررون في الرسالة، بينهم الفريق العامل المعني بحالات الإخفاء القسري وغير الطوعي، عن قلقهم من أحكام الإعدام الصادرة بحق الشاخوري وشبر، بعد تعرض الأخيرين لمحاكمة غير عادلة مبنية على الإعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب أثناء الإخفاء القسري، وطالب الخبراء السعودية برفع أحكام الإعدام عن هذين المحكومين. ردت السعودية على الرسالة في 22 أكتوبر 2021، مدعية اعتراف الشاخوري وشبر بالتهم الموجهة إليهم بكامل إرادتهم، نافية تعرضهم للتعذيب وللاخفاء القسري، زاعمة أن المحكومان أجريا عدة اتصالات بذويهم وأصدقائهم وتلقوا عدة زيارات بما يتوافق مع الإجراءات الاحترازية للحد من تفشي فيروس كورونا. كما بررت الرسالة أحكام الإعدام الصادرة بحق الشاخوري وشبر بادعاء تورطهما بأعمال إرهابية. وفي 12 مارس 2022، أقدمت السعودية على إعدام هذين الشابين، ضمن أكبر مجزرة إعدام جماعية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، والتي طالت 81 شخصا. وتجدر الإشارة إلى أن إعدام محمد الشاخوري وأسعد شبر، بالإضافة إلى 39 رجلاً آخر على الاقل، تم بناء على اتهامهم بعدة تهم، منها ما يعد من أبسط حقوق الإنسان في القانون الدولي، كحضورهم الاحتجاجات.
وفي 19 مارس 2021، راسل خبراء من الأمم المتحدة، وهم الفريق العامل المعني بحالات الإخفاء القسري وغير الطوعي والمقرر الخاص المعني بالتعذيب، الحكومة السعودية بشأن المواطن السعودي الأسترالي الدكتور أسامة طلال عباس المحروقي، والذي تسلمته السلطات السعودية من نظيرتها المغربية التي اعتقلته بطريقة عنيفة في المغرب -بعد وصوله إليها لزيارة عائلية في 8 فبراير 2021- بناء على طلب السلطات السعودية المقدم للانتربول، دون تقديم مذكرة توقيف. وأشارت الرسالة إلى عدم توفر أي معلومات عن مصير أو مكان وجود المحروقي منذ 13 مارس 2021. وطلبت الرسالة من السعودية تقديم معلومات كاملة دون تأخير عن مصير ومكان وجود المحروقي، وظروف احتجازه والمعاملة التي تلقاها، وسط احتمال أن يكون قد تعرض للتعذيب. كما طلبت الرسالة تقديم معلومات مفصلة عن الأسس الوقائعية والقانونية لاعتقال واحتجازه، فضلاً عن أي تهم رسمية موجهة إليه، والأحكام القانونية المستخدمة في توجيه الاتهام إليه. الشكوى أوضحت أن المحروقي، عمل أستاذاً مشاركاً في جامعة الملك عبد العزيز بجدة ومستشاراً في شؤون الأعمال والتجارة الدولية بوزارة الصناعة والتجارة الخارجية في السعودية. وفي عام 2015، أُجبر على ترك منصبه كمستشار للحكومة السعودية، بعد التخويف والمضايقات التي يُزعم أنها ناجمة عن رأيه النقدي، ما قد يكون السبب الرئيسي وراء اعتقاله.
ردت السعودية على الرسالة في 28 أبريل 2021، نافية المعلومات التي تحدثت عن اخفاء المحروقي قسرا واعتقاله تعسفيا، مدعية تواجده في دار التوقيف بالرياض بغرض التحقيق معه بتهم تتعلق بسرقة سيارات، زاعمة عدم تواجد أي سجون سرية في السعودية. كما نفت السعودية تعرض المحروقي للتعذيب، مؤكدة التزامها القوانين المحلية والدولية.
إخفاءات قسرية مستمرة
- عبد الرحمن السدحان
في 6 يناير 2022، أعلنت عائلة المعتقل السعودي عبد الرحمن السدحان عن انقطاع الاتصال به مجددا، وسط رفض السلطات الإفصاح عن أي معلومات حول وضعه أو مكان أو ظروف احتجازه. السدحان هو عامل إغاثة سعودي، اعتقل في 12 مارس 2018 من داخل أحد مكاتب الهلال الأحمر بالرياض، وتعرض للاخفاء القسري عدة مرات أثناء اعتقاله. وبقي السدحان معتقلا بشكل تعسفي، إذ لم يعرض على المحكمة ولم يتم توجيه أي تهمة رسمية له لمدة ثلاث سنوات، قبل الحكم عليه في 5 أبريل 2021. لم يُسمح للسدحان بتوكيل محام لتمثيله قانونياً أمام القضاء، ولم يعرف وعائلته بالتهم الموجهة إليه إلا قبل شهر من صدور الحكم. وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الاحتجاز التعسفي، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض حكماً بالسجن20 عاما، والمنع من السفر 20 عاما أخرى بتهم تتعلق بنشاطه الإلكتروني وتعبيره عن رأيه في موقع تويتر. وفي أكتوبر 2020، أيدت محكمة الاستئناف الحكم.
بالإضافة إلى الاخفاء القسري المتكرر وللمحاكمة غير العادلة، تعرض السدحان للتعذيب وسوء المعاملة والإهمال الطبي.
- تركي الجاسر:
منذ أواخر العام 2019، والصحفي تركي الجاسر ما زال مجهول المصير. فمنذ أن اعتقلت السلطات السعودية الصحفي تركي الجاسر في 15 مارس 2018، بعد حصولها على معلومات من مكتب شركة تويتر في دبي تفيد بأنه من يدير حساب “الكشكول” المعارض للحكومة، لم يستطع الجاسر التواصل مع أسرته سوى مرة واحدة أجرى خلالها اتصالا هاتفيا بعائلته في نهاية ديسمبر 2019، بعد إخفاء قسري دام 656 يوماً. ومنذ ذلك التاريخ، انقطعت الأخبار حوله، وسط رفض السلطات إطلاع العائلة على ملف اتهامه، أو السماح لهم بمعرفة أخباره أو أوضاع احتجازه، كما لم يسمح لهم بتوكيل محامي لتمثيله قانونياً. كما أن هناك معلومات غير رسمية تتحدث عن مقتله في السجن جراء التعذيب، دون أن يكون هناك أي نفي أو تأكيد رسمي لها.
- الداعية سليمان الدويش:
ما زال مصير الداعية سليمان الدويش مجهولا منذ أكثر من 5 سنوات. فالمرة الأخيرة التي شوهد فيها الدويش تعود إلى أبريل 2017، حيث كان يقبع في سجن الحائر في الرياض. اعترف أحد المسؤولين بإعتقاله بتهمة إثارة الرأي العام دون أن يعطي أية تفاصيل. ويعتقد أنه تم اعتقاله بناء على تغريدات اعتبرتها الحكومة السعودية مسيئة للملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان. بعيد اختفائه، قصدت العائلة الجهات الرسمية لمعرفة مكان وجوده مثل سجن المباحث العامة سيء السمعة، وكذلك الديوان الملكي، دون جدوى، وحين سؤال الديوان الملكي مرة ثانية تم إعتقال الإبن لمدة 15 يوما.
- أحمد المغسل:
في أغسطس 2015 أعلنت الحكومة السعودية اعتقال أحمد المغسل في العاصمة اللبنانية بيروت، بعد 6 سنوات من عدم تمكن عائلته من التواصل معه أو معرفة مكان وجوده. وعلى الرغم من إعلان السعودية خبر الاعتقال، لم تعلن عن مكان اعتقاله، أو التهم التي يواجهها بشكل رسمي. ولا يزل مصيره مجهولا منذ أكثر من 7 سنوات.
- المهندس اللبناني علي مزيد:
ما زال المهندس علي مزيد -الذي يحمل الجنسية اللبنانية- في عداد المخفيين قسرا منذ اعتقاله قبل سنة. ويعمل مزيد في السعودية منذ أكثر من 18 عاماً. في 8 أغسطس 2021، فقدت عائلة مزيد الاتصال به بشكل مفاجئ، وبعد التواصل مع شهود عيان، عرفوا أن 7 رجال بثياب مدنية دخلوا إلى منزله في الرياض، وأخذوه معهم بعد تفتيش دقيق ومصادرة الأجهزة الالكترونية. حاولت العائلة من خلال أصدقاء مزيد في الرياض معرفة مكان تواجده، من خلال مركز الشرطة دون جدوى. تواصلت العائلة مع السفارة اللبنانية في الرياض، بعد عدة مراسلات رسمية، تلقت العائلة معلومات غير رسمية أن المزيد معتقل لدى جهاز رئاسة أمن الدولة لأسباب أمنية، من دون أي معلومات إضافية. وعلى الرغم من مرور سنة على اختفائه لم يتواصل مع عائلته، كما لم تتواصل أي جهة رسمية في السعودية معها.
ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن الحكومة السعودية تستخدم الإخفاء القسري لأسباب مختلفة. ففيما تستخدمه في كثير من الحالات كمقدمة للتعذيب بهدف انتزاع اعترافات، تستخدمه لدوافع إنتقامية بحيث ترفض الإفصاح بشكل نهائي عن وضع ومكان المخفي قسريا، كما تستخدمه لترهيب المجتمع والعائلات ولقتل أصحاب الرأي خارج نطاق القضاء.
وتؤكد المنظمة أن السعودية، ومن خلال ممارستها للإخفاء القسري ترتكب “جريمة ضد الإنسانية”، وتخالف قوانينها المحلية والقوانين الدولية. وتشير إلى أن هذه الجريمة لا يمكن التذرع بأي حجة للإستمرار بالقيام بها وهذا ما أكدته الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري “لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري”.
وتعتبر المنظمة أن ممارسات الحكومة السعودية بحق المعتقلين، ومنها الإخفاء القسري، هي دليل على عدم إمكانية الوثوق بالنظامين الأمني والقضائي في السعودية، اللذين يعتبران أرض خصبة لإفلات الموظفين الحكوميين والمسؤولين الرسميين من العقاب. كما تعتبر المنظمة أن كل تلك الممارسات تدحض مزاعم الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان بإصلاح النظام القضائي في السعودية، وبتطوير النظام في السعودية بما يتماشى مع حقوق الإنسان والحريات، ما يؤكد أن ادعاءاتهم لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد.