أبدت منظمات حقوقيّة خشيتها من تفاقم الأوضاع السيئة التي يعيشها الروهينجا والفلسطينيين في المملكة العربية السعودية، إلى جانب أكثر من ربع مليون نسمة من عديمي الجنسية (البدون)، وطالبت المنظمات الحكومة السعودية بإتخاذ خطوات جدية وسريعة لمعالجة أوضاعهم وفقاً لإلتزاماتها الدولية.
وكانت ثلاث منظمات متخصصة هي: المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، ومعهد إنعدام الجنسية والاندماج، والحملة العالمية للمساواة في حقوق الجنسية، قد رفعت تقريراً إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حول حالة البدون في السعودية، وذلك في إطار الدورة الواحدة والثلاثين للإستعراض الدوري الشامل، والتي تناقش فيها دولُ ومنظمات الحكومة السعودية حول مختلف أوضاع حقوق الإنسان في البلاد في نوفمبر 2018،. المنظمات الثلاث، ركزت على قضيتين رئيسيتين في السعودية، وهما التمييز ضد المرأة في القوانين التي تتعلق بالجنسية، وإستمرار إنعدام الجنسية الذي تعاني منه بعض الفئات، إلى جانب إضاءات على أوضاع الفلسطينيين والروهينجا في البلاد.
التقرير أشار إلى أن السعودية لم تعلّق خلال المراجعة الدورية الشاملة السابقة في ٢٠١٣، على مسألة الفئات التي لا تتمتع بجنسية على أراضيها، أو المحرومة منها، ولم تتناول التمييز المباشر الموجود في قانون الجنسية، وإكتفت بالتطرق إلى بعض الجهود التي تستهدف حالات أطفال النساء السعوديات المتزوجات من غير السعوديين.
التقرير أوضح أن هناك فجوات في قانون المواطنة السعودي الحالي، وأشار إلى التحديات التي يواجهها العديد من الأفراد والجماعات للحصول على حقهم في الجنسية، ما ينتهك الالتزامات الدولية للسعودية. فعلى الرغم من أنها لم تصادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو على اتفاقيتي انعدام الجنسية في الأمم المتحدة واتفاقية اللاجئين، فإنها وبصفتها عضواً في الأمم المتحدة، ملزمة بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكد على أنه “لكل شخص الحق في الجنسية” و “لا يجوز حرمان أحد من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغيير جنسيته”، إضافة إلى ذلك فإن السعودية طرف في معاهدات أخرى تحافظ على الحق في الجنسية دون تمييز، بينها اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
المنظمات أوضحت العيوب القانونية، حيث أنه وفقا لقانون الجنسية السعودي، يحصل أبناء الآباء السعوديين على الجنسية السعودية عند الولادة، بغض النظر عن مكان ولادة الطفل، لكن المرأة السعودية لا تستطيع نقل جنسيتها السعودية تلقائياً إلى أطفالها. وعلى الرغم من أن القانون يسمح لأبناء السعوديات بتقديم طلب بعد بلوغ سن الرشد، فإن ذلك يتخلف كثيراً عن معايير المساواة بين الجنسين وحقوق الطفل، ولا يمنح الأمهات نفس حقوق الآباء، ويحرم الأطفال من الحصول على العديد من الحقوق في طفولتهم. كما تحرم المرأة السعودية من حقها في نقل جنسيتها إلى الزوج الأجنبي، وهو حق يقتصر على الذكور السعوديين.
البدون
حول قضية البدون اشار التقرير إلى أن عددهم كبير في السعودية، حيث توضح التقديرات الرسمية أن أعدادهم تقرب الربع مليون. تتألف هذه الفئة بشكل رئيسي من أحفاد القبائل التي لم تُسجل في سجلات الدولة قبل قرابة نصف قرن. تعتبر الحكومة السعودية اليوم أن البدون “مقيمين غير شرعيين” وليسوا مؤهلين للحصول على الجنسية السعودية وبدلاً من ذلك، يتم إصدار وثائق هوية، تُعرف باسم “البطاقات السوداء” التي بدأت الحكومة إصدارها في عام 2009 وتشير إلى “تصريح بالإقامة لمدة خمس سنوات”.
لايملك البدون خياراً آخر للحصول على الجنسية في أماكن أخرى من العالم، ولم تنجح السعودية في حل ناجح لمشكلتهم، ولا تقدم حماية لحقوقهم الإنسانية والقانونية، كما إن القمع وضيق مساحة الحريات المدنية، يقلل من الدعم الاجتماعي لهم، على عكس دول أخرى في منطقة الخليج، يبرز فيها التعاطف الشعبي مع البدون بشكل أفضل.
التقرير أشار إلى أن الحكومة السعودية أخذت تعهدات على البدون لتقديم وثائق تثبت أصولهم، حتى العام 2020، ما يثير المخاوف من إحتمالية ممارسة خيارات أكثر قسوة عليهم، أو ترحيلهم من البلاد.
الروهينجا
كذلك تطرقت المنظمات للعدد الكبير من الروهينجا الذين يقيمون في السعودية. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية، تشير التقديرات إلا أن عددهم قد يصل إلى قرابة نصف مليون، وعلى الرغم من قيام الحكومة ببعض الخطوات الإيجابية تجاههم، إلا أنها ليست كافية بشكل كامل لحل الوضع القانوني، حيث أن تصاريح الإقامة قصيرة الأجل، كما ان الخطوات لم تشمل جميع سكان الروهينجا في البلاد، وهي لا تضمن الوصول إلى كافة الحقوق، إضافة إلى أنها لا تسمح للأطفال المولودين في السعودية بالحصول على جنسية وفق ما تفرض إتفاقية حقوق الطفل.
الفلسطينيون
التقرير تطرق إلى قضية الفلسطينيين في السعودية، الذين يقدر عددهم بأكثر من 250 ألف نسمة يعيشون في السعودية منذ خمسينات القرن الماضي ولا يتمتعون إلا بوضع الإقامة فقط، ويستثنون من إجراءات التجنيس، وغير مؤهلين للاستفادة من بعض الخدمات العامة، ومعرضين للترحيل، خاصة مع عدم وجود منظمة الإغاثة الفلسطينية في السعودية وبالتالي لا يحق لهم الحصول على الحماية الأساسية التي تمنح للمواطنين أو للاجئين.
التقرير عدد الآثار التي تترتب على إنعدام الجنسية في السعودية، وخاصة الإنتهاكات الكبيرة للحقوق بما في ذلك عدم الوصول إلى التعليم العام والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات، إضافة إلى عدم القدرة على الوصول إلى العمل، وإعاقة لم شمل الأسرة، والاغتراب الاجتماعي والتحديات النفسية. وأشار التقرير إلى أن البدون في السعودية مهمّشون بشكل خاص، ولعلهم أفقر الشرائح من السكان في السعودية، ومع التغييرات الإقتصادية الأخيرة وفرض الضرائب ومضاعفة الأسعار رجح التقرير أن تزداد أوضاعهم الإقتصادية سوءاً.
التوصيات
المنظمات قدّمت عددا من التوصيات إلى لمعالجة مسألة إنعدام الجنسية والتمييز المتعددة الجوانب في السعودية، وهي:
- ضمان اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتعديل قانون المواطنة، لتمكين المرأة السعودية من نقل الجنسية إلى أطفالها وزوجها دون قيود، على قدم المساواة مع الرجل، ودون تأخير، وفقا للمعايير الدولية.
- إتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتسهيل المسار إلى المواطنة والحقوق الكاملة المرتبطة بالجنسية، لأولئك الذين تم تحديدهم ضمن فئة البدون عديمي الجنسية.
- اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتنفيذ ضمانات شاملة ضد انعدام الجنسية لأي طفل يولد في السعودية، وهذا من شأنه حماية حق جميع الأطفال في اكتساب الجنسية والحفاظ عليها دون تمييز.
- ضمان وصول جميع السكان عديمي الجنسية في السعودية من اللاجئين والمهاجرين، مثل الفلسطينيين والروهينجا، إلى الحقوق والخدمات ووضع إقامة آمن، وضمان منح جميع الأطفال المولودين لهذه المجتمعات في السعودية للجنسية، وفقاً للالتزامات بموجب اتفاقية حقوق الطفل.
- اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للانضمام إلى اتفاقيتي انعدام الجنسية لعام 1954 و 1961 وتنفيذهما بالكامل.