قالت هيومن رايتس ووتش اليوم في خطاب موجه إلى وزير الداخلية السعودي، محمد بن نايف آل سعود، إن على المملكة الإعلان الفوري عن الأساس القانوني لاحتجاز مئات الأشخاص، والكشف عما تتخذه من خطوات لإنهاء ممارسة الاعتقال التعسفي.
من بين المحتجزين تعسفاً فادي مسلم، أستاذ الرياضيات الأردني الذي يبلغ من العمر 27 عاماً، والذي اعتقل في مارس/آذار 2014 من دون توجيه اتهام إليه. قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات السعودية الإفراج عن مسلم فوراً أو توجيه الاتهام إليه إذا كانت لديها أدلة على ارتكابه لجريمة معترف بها.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “أنفق الملك عبد الله ملايين الدولارات على إصلاح منظومة العدالة، لكن إذا أمكن احتجاز معتقل لشهور متصلة بدون اتهامات فمن الواضح أن المنظومة لا تزال معطوبة وجائرة. وعلى السلطات إما الإفراج عن المحتجزين أو توجيه الاتهام إليهم، ووضع حد للاعتقال التعسفي”.
في أوائل عام 2013 أنشات وزارة الداخلية موقعاً إلكترونيا باسم “نافذة تواصل”، وهو قاعدة بيانات إلكترونية يتم تحديثها دورياً وتزعم نشر قضايا المحتجزين في السجون السعودية، دون تسميتهم، وكذلك أوضاع قضاياهم. وقد قامت هيومن رايتس ووتش بتحليل بيانات من الموقع حسبما ظهرت في 15 مايو/أيار 2014، حين أظهر وجود 2766 شخصاً قيد الاحتجاز. واشتمل هؤلاء على 293 شخصاً محتجزين فيما يبدو قبل محاكماتهم، لمدد تزيد على 6 أشهر ودون إحالة القضايا إلى القضاء، وبينهم 16 شخصاً تجاوز احتجازهم العامين، وواحد زادت مدة احتجازه على 10 سنوات.
وكان مسلم قد بدأ العمل بجامعة الملك سعود في الرياض في سبتمبر/أيلول 2013. وقال لأحد أفراد عائلته في مكالمة هاتفية من السجن إنه اعتقل يوم 7 مارس/آذار 2014، أثناء زيارة إلى الحرم الشريف بمكة المكرمة، في أعقاب مشادة وجيزة بدأت حين نهاه أحد رجال الشرطة عن التقاط الصور داخل الحرم.
أخذته الشرطة إلى مخفر محلي، كما قال قريبه لـ هيومن رايتس ووتش، حيث احتجزته السلطات طوال الليل، ثم نقلته إلى سجن ذهبان على أطراف جدة، حيث بقي لمدة 59 يوماً دون السماح له بالاتصال بأفراد عائلته أو رؤية محام. قال مسلم فيما بعد لأفراد أسرته إن السلطات لم تبدأ في السماح له بإجراء مكالمة هاتفية واحدة إلى الأردن مدتها 10 دقائق أسبوعياً إلا بعد إضرابه عن الطعام.
وقال قريب مسلم لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات لم تكشف عن أية معلومات تتعلق بالقضية، وإن اجتماع مسلم الوحيد بأي مسؤولين كان في اليوم التالي لاحتجازه، حين استجوبه بعض أفراد المباحث بشأن الواقعة لمدة نصف ساعة. ورغم مرور أكثر من 190 يوماً على احتجاز مسلم دون اتهام، بحسب قريبه، إلا أن السلطات الأردنية أبلغت العائلة بأنها لم تتلق أية معلومات عن القضية من الحكومة السعودية.
ويقول الموقع الإلكتروني التابع لوزارة الداخلية حالياً بشأن قضية مسلم إنه “جار استكمال إجراءات إحالته للادعاء وانفاذ ما صدر بحقه من توجيه”، بمعنى أن ملف القضية لم يقدم إلى النيابة حتى الآن.
وتنص المادة 114 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي على عدم جواز احتجاز أي شخص دون اتهام أكثر من 5 أيام، قابلة للتمديد حتى 6 أشهر بأمر من هيئة التحقيق والادعاء. وبعد ستة أشهر تشترط المادة 114 “إحالته إلى المحكمة المختصة أو الإفراج عنه”.
ومع ذلك فإن بيانات الموقع الإلكتروني حتى 15 مايو/أيار كشفت عن احتجاز 31 شخصاً من المسجلين في الموقع وهم “رهن التحقيق” لفترات تتجاوز الستة أشهر.
وقد قرر فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي أن الاحتجاز يصبح تعسفياً إذا أخفقت سلطة الاحتجاز، كليا أو جزئياً، في الالتزام بالمعايير المتعلقة بالحق في المحاكمة العادلة، بما في ذلك سرعة العرض على القضاء. كما يقرر المبدأ رقم 11 من مجموعة مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن أن المحتجز يجب “أن يعطى فرصة حقيقية للإدلاء بأقواله في أقرب وقت أمام سلطة قضائية أو سلطة أخرى”، وأنه يجب أن تكون لسلطة قضائية أو سلطة أخرى صلاحية إعادة النظر حسب الاقتضاء في استمرار الاحتجاز.
وكذلك يضمن الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي صدقت عليه السعودية في 2009، حق أي شخص موقوف أو محتجز بتهمة جنائية في سرعة العرض على قاض أو مسؤول قانوني آخر، والحصول على محاكمة خلال مهلة معقولة أو الإفراج عنه. وبحسب الميثاق العربي فإنه “لا يجوز أن يكون الحبس الاحتياطي هو القاعدة العامة”.
إن الاحتجاز المطول دون اتهام أو محاكمة، أو دون العرض على قاض، هو احتجاز تعسفي، وينتهك القانون السعودي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان على السواء.
قالت سارة ليا ويتسن: “لقد احتجزت السلطات مسلم لشهور، لكنها ترفض التصريح بسبب احتجازه، كما أنها لم تتهمه بأية جريمة. وإذا لم تكن هناك أدلة على سلوك إجرامي فإن على السلطات السعودية أن تفرج عنه فوراً وتعوضه عن الكابوس الذي عرضته له”.