بينما يحتفل العالم في 3 مايو 2018 باليوم العالمي لحرية الصحافة، يقبع روّادها في المملكة العربية السعودية خلف القضبان وفي قاعة المحكمة المخصصة للإرهاب، ثمناً لرغبتهم في ممارسة الحرية. فتحت موضوع ’’توازن القوى: الإعلام والعدالة وسيادة القانون‘‘، أبرزت الأمم المتحدة في “احتفال عام 2018 أهمية تهيئة بيئة قانونية تمكينية لحرية الصحافة”، وأولت “اهتماما خاصا لدور القضاء المستقل لإتاحة الضمانات القانونية لحرية الصحافة ومحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين”.
ويهدف موضوع “توازن القوى” أيضا “إلى استكشاف الثغرات التشريعية فيما يتعلق بحرية التعبير والمعلومات على شبكة الإنترنت، ومخاطر تنظيم الخطاب على الإنترنت”. كما يؤكد على أهمية “تطوير مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشفافة على جميع المستويات” ولهذا فإن “حرية الصحافة ضرورية لهذا الغرض”.
القوانين السعودية وحرية الصحافة
على عكس مضامين احتفال اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام، الهادفة إلى “تهيئة بيئة قانونية تمكينية لحرية الصحافة”، تتواجد في السعودية عدة قوانين – في إطار عمل وزارة الثقافة والإعلام – تتضمن ما يُستخدم لتقييد حرية الصحافة، بينها نظام حقوق المؤلف و اللائحة التنفيذية لنشاط النشر الإلكتروني، و نظام المؤسسات الصحفية، ونظام المطبوعات والنشر واللائحة التنفيذية لنظام المطبوعات والنشر، وعبر هذه القوانين وغيرها، تتمكن الحكومة من استهداف الصحفيين وكل من يعبّر عن رأيه في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة.
بعض المواد القانونية تؤكد ضمان الحق في حرية الرأي والتعبير، ولكنها تُذيل بكلمات إضافية فضفاضة يمكن تفسيرها على نحو تعسفي، وبينها المادة الثامنة من نظام المطبوعات والنشر التي تنص على “حرية التعبير عن الرأي مكفولة بمختلف وسائل النشر في نطاق الأحكام الشرعية والنظامية”، كما توجد في ذات نظام المطبوعات والنشر، مواد أخرى تقلّص الحريات أو تمنعها، بين ذلك المادة التاسعة: “يلتزم كل مسؤول في المطبوعة بالنقد الموضوعي والبناء الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة، ويحظر أن يُنشر بأي وسيلة كانت أي مما يأتي:
1. ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة النافذة.
2. ما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية.
3. التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة أو أيا من موظفيها أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية أو الإعتبارية الخاصة.
4. إثارة النعرات وبث الفرقة بين المواطنين.
5. تشجيع الإجرام أو الحث عليه.
6. ما يضر بالشأن العام في البلاد.
وقائع التحقيقات أو المحاكمات، دون الحصول على إذن من الجهة المخولة نظاما”. وجميع ماورد في هذه المادة، يتم تفسيره من قبل الدولة وأجهزتها، وفق ما ترى، وليس وفق ما يرى المجتمع المدني.
كما تستخدم الحكومة السعودية القضاء وقوانين أخرى لمعاقبة الصحفيين ومنعهم من العمل، من بين ذلك نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الذي تنص مواده على عقوبات ضد الصحفيين أو الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت للتعبير عن رأيهم، حيث تنص المادة السادسة على السجن بما لا يزيد عن خمس سنوات وغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، على: “إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه”.
كما تستخدم الحكومة السعودية، وعلى نطاق واسع، نظام جرائم الإرهاب وتمويله، لتجريم النشطاء السلميين والصحفيين. فمن خلال عباراته الفضفاضة، تستطيع الحكومة تجريم المنتقدين وأصحاب الأراء، حينما لاترتضي مواقفهم. على سبيل المثال، ينص القانون في نسخته المعدلة في نوفمبر 2017، في مادته الثلاثون: “يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على (عشر) سنوات ولا تقل عن (خمس) سنوات، كل من وصف -بصورة مباشرة أو غير مباشرة- الملك أو ولي العهد بأي وصف يطعن في الدين أو العدالة”، ويمكن تحت هذه المادة، أن تجرم الحكومة الكثير من الإراء عبر تفسيرات توسعية.
واقع حرية الصحافة
تقيد القوانين والسياسات الرسمية، حرية الصحافة والعديد من أنواع التعبير عن الرأي، في السعودية. حيث يُفرض على الوسائل الإعلامية، ضمن شروط الترخيص بمزاولة العمل، “السياسة الإعلامية في المملكة العربية السعودية” الصادرة عن وزارة الثقافة والإعلام، ما يوقع العمل الإعلامي في أضيق مساحات الحرية. ومنذ بداية عهد الملك سلمان في يناير 2015، إزدادت حدة القمع والقيود على حرية الصحافة وحرية الراي والتعبير بشكل واضح، وهذا ما تأكد مع سيطرة نجله محمد بن سلمان على ولاية العهد في يونيو 2017، المنصب الذي أضيف إلى عدة مناصب سابقة، أسهمت في مزيد من التقويض لمساحة الحريات، والحقوق المدنية والسياسية.
ففي أبريل 2018 أشارت المعلومات إلى أنه تم إعتقال الصحفي تركي الدوسري بعد يومين من جدل حاد جرى بينه وبين المقرب من محمد بن سلمان، تركي آل الشيخ الذي يشغل مناصب مستشار بالديوان الملكي، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة واللجنة الأولمبية العربية السعودية والاتحاد الرياضي للتضامن الاسلامي والاتحاد العربي لكرة القدم، بسبب تغريدة. وفي فبراير 2018 أعلنت وزارة الثقافة والإعلام السعودية، ايقافها للكاتب السعودي محمد السحيمي، وإحالته للتحقيق بسبب تصريحات تليفزيونية له حول أعداد المساجد والآذان. في الشهر نفسه حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، المختصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة، بالسجن لمدة 5 سنوات تليها 5 سنوات منع من السفر، ضد الكاتب الصحفي صالح الشيحي جراء انتقاده في لقاء تلفزيوني للفساد الكبير في الديوان الملكي، السلطة الأعلى في البلاد.
وفي مايو 2017 إعتقلت الحكومة السعودية المدون والناشط البيئي علي شعبان بسبب مواقفه في الدفاع عن حقوق الإنسان في مواقع التواصل الإجتماعي.
وكانت الإعتقالات التعسفية التي شنتها الحكومة السعودية في سبتمبر 2017 قد طالت عددا من الكتاب والصحفيين، بينهم الكاتب والباحث عبد الله المالكي الذي انتقد عبر تويتر، ما سماه (حكم الفرد)، كما اعتقلت الإعلامي فهد السنيدي ضمن حملة اعتقالات سبتمبر 2017 الغامضة والتعسفية. وضمن إعتقالات شهر سبتمبر أيضا أعتقل الصحفي جميل فارسي الذي كان ينتقد السياسات الإقتصادية.
وإمتدادا للخطوات التي قامت بها السعودية على خلفية الخلاف السياسي مع دولة قطر، قامت في مايو 2017 بحجب وسائل إعلامية قطرية، ليضاف ذلك إلى الحظر الذي تفرضه على عدد كبير من المواقع التي لا تتفق مع سياساتها، أو تنتقدها، وبينها مواقع منظمات حقوقية.
إضافة إلى ذلك لا يزال عشرات الصحفيين في المعتقلات يقضون عقوبات متنوعة على خلفية نشاطاتهم، بينهم الكاتب نذير الماجد الذي حكمت عليه محكمة الإرهاب بالسجن سبع سنوات على خلفية كتابات متعددة تناصر الحريات وحقوق الإنسان، فيما حكم الصحفي علاء برنجي بالسجن خمس سنوات، لتزداد لسبع سنوات فيما بعد، على خلفية تهم بينها تغريدات تعارض الإنتهاكات التي تقوم بها الحكومة، وتهم أخرى تتعلق بتعبيره عن رأيه. أما المصور جاسم مكي آل صفر فيقضي عقوبة بالسجن 7 سنوات بتهم بينها رفع صور في المظاهرات، والإلتقاء بصحفيين أجانب. وحكمت على الشاعر والكاتب عادل اللباد بالسجن ثلاثة عشر عاما جراء بعض قصائده التي استنكر فيها قتل المتظاهرين، وكتاباته التي طالب فيها بالحقوق والحريات. كما حكم الإعلامي الشيخ وجدي الغزاوي لمدة إثني عشرة عاما بسبب مشاركاته الإعلامية التي انتقد فيها الفساد وطالب بالتغيير، كذلك يقبع في المعتقل الكاتب محمد الخويلدي، والإعلامي علي جاسب التحيفة، والكاتب زكريا صفوان، وغيرهم. كما لا زال المدون رائف بدوي خلف القضبان.
مستقبل حرية الصحافة
تكشف أسماء المعتقلين على خلفية تعبيرهم عن رأيهم عبر وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الإجتماعي، أن الحكومة السعودية تعتمد نهجا تعسفياً في ملاحقتهم ومحاكمتهم، وبالتالي تمنع أي صوت ينتقدها أو يعبّر عن آراء تخالف سياستها، كما أنها تستخدم الأجهزة الرسمية في استهدافهم، وبينها القضاء الذي من المفترض أن يساهم في صيانة الحريات وحماية الصحافة، ولكنها بدلا من ذلك جيرته كأداة قمعية.
في اليوم العالمي لحرية الصحافة، تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن حرية الصحافة في السعودية تكاد تكون منعدمة، ساهم بذلك قوانين وأنظمة أقرّتها الحكومة لتشريع الإنتهاكات، وأجهزة قضائية وتنفيذية استخدمت للقمع. وتؤكد المنظمة أن السبيل الأول لتأمين حرية الصحافة في السعودية يرتكز في بعضه، على مضامين موضوع عام 2018، ومنه “تهيئة بيئة قانونية تمكينية لحرية الصحافة”.
وتشدد المنظمة على أن الوعود التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان في مقابلاته الأخيرة وبينها مع مجلة ذا أتلنتيك حول “تشجيع حرية التعبير بقدر ما يستطيع”، لا يمكن أن تكون جدية من دون الكف عن إستخدام القوانين المعيبة، وإطلاق سراح الصحفيين والكتاب والمدونين المعتقلين تعسفيا، وضمان حصولهم على محاكمات عادلة، في حال كانت هناك تهم جنائية معتبرة، وليس تجريما بسبب ممارستهم لحق التعبير المكفول في الأنظمة العادلة.