مساء الأول من يونيو 2017، أقدمت حكومة المملكة العربية السعودية على تنفيذ عملية قتل خارج نطاق القضاء طالت المواطنان محمد الصويمل وفاضل عبدالله آل حمادة.
المشاهد والصور التي تم تناقلها عبر مواقع التواصل الإجتماعي، أظهرت إحتراق سيارة في شارع الملك عبدالعزيز الذي يسمى محليا “شارع الثورة” بعد أن بات مساراً رئيسيا للمظاهرات في محافظة القطيف منذ 2011.
أكد شهود عيان حصلت المنظمة على شهاداتهم، على وقوع تفجير مباغت في السيارة، تطايرت على أثره بعض أجزاءها، وقد لمحوا لحظة الإنفجار أشخاصا داخل السيارة. ومع لحظات الإنفجار الأولى شوهدت القوات السعودية في سيارات المباحث السرية تطوق الموقع، بالإضافة لمدرعات لسد منافذ الطريق. هذا التواجد الفوري والمصاحب للإنفجار يؤشر على علاقة ومعرفة الحكومة السعودية بعملية التفجير، التي فسرها بعض من تتبعوا وحللوا الحادث، أنها تمت غالبا عبر قنبلة ناسفة زرعت في السيارة.
الحكومة السعودية أكدت رسميا استهدافها للسيارة، وقد قالت وزارة الداخلية في بيانها إنها رصدت السيارة وتعاملت معها “بما يقتضيه الموقف” وقامت “بإعطابها” فيما لم توضح طريقة الإعطاب، والسلاح المستخدم. ولا تتناسب كلمة إعطاب مع تفجير بهذه الكيفية.
ذكرت مصادر مطلعة للمنظمة، أن الحكومة السعودية أجبرت فيما بعد، أصحاب المحلات التجارية المحيطة بموقع عملية القتل، تسليم مقاطع الفيديو التي التطقتها كاميرات المراقبة، ما يشير إلى حرص الحكومة السعودية إخفاء طريقة تنفيذ عملية القتل
تعد هذه العملية التي قتل فيها الصويمل وآل حمادة، تطورا غير مسبوق يحدث لأول مرة، ويحمل دلالات خطرة. ومع هذه العملية، يقترب عدد من قتلتهم الحكومة السعودية في محافظة القطيف منذ 2011 حتى الآن لقرابة خمسين شخصا، بطرق مختلفة، بعضهم بمحاكمات غير عادلة بشكل صارخ، أعتمد القضاء فيها على إعترافات منتزعة تحت التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية، وآخرين عبر هجوم خاطف مفاجيء وسط الشوارع، وبعضهم أثناء سيرهم في مظاهرات. وبهذه العملية يبلغ من قتلتهم بطريقة إغتيالات الشوارع، وبحسب بيانات المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، 9 أشخاص:
إن هذا الرصد، الذي يتعلق بمدينة القطيف، لايعني عدم وجود حالات مماثلة في بقية أرجاء السعودية، ولكن يأتي ذكره في سياق إيضاح تعاطي الحكومة السعودية مع الإحتجاجات المستمرة في القطيف بشكل أو بآخر، منذ 2011، وأيضا في سياق إيضاح العملية العسكرية للقوات السعودية في العوامية وما حولها منذ 10 مايو 2017 والمستمرة حتى الآن، تحت ستار إعادة تأهيل البنية التحتية أو مطاردة المطلوبين أو مكافحة الإرهاب، والتي ارتكب فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان باستخدام القوة المفرطة، وتسبب في وفاة وإصابة عشرات السكان، وتدمير واسع النطاق لأحياء بأكملها ومنازل وسيارات وممتلكات أخرى خاصة أخرى.
وفيما يتعلق بعملية القتل خارج نطاق القانون هذه، فإن الحكومة السعودية لم توضح فيها ولا في غيرها من الحالات، أي محاولات بذلتها في موقع العملية، للقبض على الأشخاص قبل قتلهم، بل الملاحظ هو القتل المتعمد والمباغت. تؤكد “مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة” إن القتل خارج نطاق القانون جريمة موجبة للعقوبة، ولايجوز فيها التذرع بالحالات الإستثنائية، كما لايجوز تنفيذ هذه العمليات أيا كانت الظروف مثل حالات النزاع المسلح الداخلي، وذلك وفق المادة الأولى من هذه المبادئ، والتي تؤكد أيضا وبشكل قاطع، أن درجة حظر عمليات القتل هذه، أقوى من المراسيم التي تصدرها الحكومات. ومقابل ذلك، وبحسب ما تم تداوله من معلومات عن عملية القتل، ومقاطع فيديو، لم يظهر أن القوات السعودية بذلت جهودا لتجنب عملية القتل.
وبينما تؤكد مبادئ المنع والتقصي على حظر أوامر الرؤساء التي ترخص أنواع القتل خارج نطاق القانون في المادة الثالثة، تؤكد استمرارية حوادث القتل خارج نطاق القانون والتي يمارسها موظفي مختلف أجهزة وزارة الداخلية، خصوصا منذ 2012 وحتى الآن، والتي وثقتها ورصدتها المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، وجود إيعازات بالقتل من قبل مستويات عليا في وزارة الداخلية التي يديرها ولي العهد محمد بن نايف.
وتؤكد “مدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين” في المادة 3، أن على الدول أن لا تلجأ لإستخدام القوة المميتة: “استخدام القوة فقط عند الضرورة القصوى وبالقدر اللازم لأداء واجبهم”. كما أن المبدأ 9 من “المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين”، الذي اعتمده “مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع من جريمة ومعاملة المجرمين “، يؤكد أنه: “لا يجوز استخدام الأسلحة النارية القاتلة عمدا إلا عندما لا يمكن تجنبها تماما من أجل حماية الحياة”.
وفي الوقت الذي تؤكد مبادئ المنع والتقصي في المادة 18، على محاكمة الأشخاص المشتركين بعمليات القتل هذه، يتضح أن الحكومة السعودية تمارس حماية مؤكدة لعناصرها، ولا يمكن للمواطنين في عدم وجود قضاء مستقل، من الإنتصاف القانوني للضحايا، بل تكاثرت الحالات التي تحرم فيها الحكومة السعودية أهالي الضحايا من إستلام جثامينهم.
إضافة إلى كون القتل التعسفي جريمة، فإن ما قامت به الحكومة السعودية من تنفيذ هذه العملية في هذا الموقع، هو إستهتار إضافي بالأرواح، حيث يقع في منطقة مزدحمة مأهولة بالأسواق، ويتزامن وقت العملية مع ذروة النشاط في هذه الأسواق وعلى جنبات الشارع.
أحد ضحايا العملية فاضل آل حمادة، كانت وزارة الداخلية قد أدرجته في 30 أكتوبر 2016 ضمن قائمة 9 مطلوبين، سردت لهم تهما فضفاضة: (استهداف مواطنين ومقيمين ورجال أمن، وتخريب للمرافق العامة والمنشآت الأمنية والإقتصادية، وتعطيل الحياة العامة)، دون أن تعلن عن أي أدلة ملموسة، أو تكن تلك التهم عبر تحقيق نزيه أو محاكمة عادلة. أما محمد الصويمل، فلم يرد أسمه ضمن أي قوائم معلنة، إلا إنه من ضمن المطلوبين.
وبسبب العيوب الكثيرة في نظام العدالة في السعودية، فإن من ترد أسمائهم ضمن قائمة مطلوبين، ينتابهم الكثير من التردد لتسليم أنفسهم، نظرا للتعذيب الممارس في السجون وعدم إستقلال القضاء، وعدم توفر مبادئ العدالة في المحاكمات التي تقام في المحكمة الجزائية المتخصصة.
إن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، تؤكد أن ما أقدمت عليه الحكومة السعودية، جريمة واضحة بحسب مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة.
وتشير المنظمة إلى أن واقع العدالة المؤسف في السعودية، لايؤهل للقيام بتحقيق عاجل ونزيه في هذه الحادثة أو ما شابهها من حوادث، أو محاكمة الأشخاص اللذين يظهر التحقيق إشتراكهم في العملية، وذلك بحسب القانون الدولي.
وتؤكد المنظمة أن عمليات القتل خارج نطاق القانون، وسياسة الإفلات من العقاب باتت سلوكا تنتهجه الحكومة السعودية، الأمر الذي يخشى منه توليد إشكاليات أمنية وتوسيع رقعة العنف المضاد.
إن هذه التطورات الخطيرة في سلوك الحكومة السعودية داخليا، تلقي بالمسؤولية على حلفاء السعودية في الغرب، ومجلس حقوق الإنسان، وذلك بناءً على إلتزاماتهم ذات الصلة بهذه الإنتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان، ويساعد إغماضهم الواضح عنها، في توسع رقعة إنتهاكات السعودية، بل إن بعض المواقف منهم، تساهم في تدعيم هذا التوجه السعودي، المحاط بسياسة الإفلات التام من العقاب. ولذلك تحث المنظمة المجتمع الدولي على مطالبة الحكومة السعودية بأن تفي بالتزاماتها بموجب القوانين الوطنية والدولية.