أبدت عدة دول في مجلس حقوق الإنسان في 18 سبتمبر 2018 مواقف نقدية لإنتهاكات السعودية المستمرة والمتصاعدة لحقوق الإنسان. فقد عبرت دول فنلندا وفرنسا والنرويج وآيسلندا، وذلك خلال بياناتهم الشفهية تحت البند الرابع في الدورة 39 لمجلس حقوق الإنسان، عن قلقهم حول التطورات السيئة في قضايا الإعدام وإستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، وحثوا السعودية على حماية الحريات وتأمين بيئة العمل اللازمة لدور المدافعين عن حقوق الإنسان.
ممثلي البعثة السعودية في جنيف، وكجزء من دورهم في إستخدام عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان، في التضليل وتبرير الإضطهاد الذي يُمارسُ على الشعب، بدلا من تعزيز حقوقه عبر الإستفادة من توصيات وحث ونقد الدول وتطبيقها على أرض الواقع، تقدموا بطلب “حق الرد” الذي تتيحه آلية المجلس الحوارية، للرد على الدول الأربعة، معللين طلبهم بورد “معلومات غير دقيقة” في بيانات الدول.
تناقش المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان وبإيجاز، بيان* الوفد السعودي في الأسطر التالية:
ماقاله الوفد السعودي يوحي بإن السعودية، ومن الأساس، قد تتقبل الرأي السلمي وتسمح بالأنشطة المشروعة، وأنها فقط تقوم بالإعتقالات بسبب جرائم جنائية محددة. غير أنه ومن خلال المئآت من النماذج الموجودة في السجون السعودية يتضح بشكل قاطع أن الرأي السلمي يُعامل كجريمة، كالمطالبة ببرلمان منتخب أو الإعتراض على الضرائب، ويتم إتهامه بإستخدام توصيفات تجريمية فضفاضة، كزعزعة الأمن القومي أو تعطيل التنمية أو إثارة الفتنة والقلاقل. كما إنه لايوجد لدى السعودية لائحة عقوبات منصوصة لهذه التهم الفضفاضة، فقد يتم توجيه هذه التهم لأحد ما ومن ثم يطلق سراحه بعد شهور ويتم الإكتفاء بتوقيع تعهد بعدم معاودة النشاط، وقد يتم إصدار أحكام بسنوات تصل إلى 30 سنة مع 30 سنة منع من السفر بعد إطلاق السراح، وقد تصل لتنفيذ أحكام بالقتل.
تستخدم السعودية بإستمرار هذا النمط منذ العبارات، وذلك في بياناتها وإجتماعاتها مع الوفود المتنوعة، أو في الإجابات التي يقدمها المسؤولون في المؤتمرات والمقابلات، غير أن البيئة القانونية والممارسات المتبعة لاتدعم هذا الإدعاء.
لاتوجد في السعودية أطر فعلية تحمي حرية التعبير، وبدلا من ذلك أوجدت السعودية قوانين يتم من خلالها تجريم الاراء التي لاترغب بها الحكومة. ففي 25 مارس 2007 أوجدت الحكومة قانون نظام جرائم المعلوماتية، وعبر هذا القانون شرعنت لنفسها تجريم ماترغب من محتوى محفوظ على الأجهزة الألكترونية أو مرسل عبر البريد الإلكتروني أو منشور على حسابات التواصل الإجتماعي أو المواقع الإلكترونية، وغالبا تستخدم المادة السادسة التي تنص على معاقبة من يتهم بـ “إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية” بأحكام قد تصل إلى السجن خمس سنوات وبغرامة قد تصل إلى ثلاثة ملايين ريال. كما تستخدم وعلى نطاق أوسع ومنذ 2014 نظام جرائم الإرهاب وتمويله، ومازالت تستمر بإستخدامه مع نسخته المحدثة في نوفمبر 2017، وقد نشرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تحليلين لخبير قانوني، الأول حلل نسخة 2014 وخلص إلى أن السعودية “تنتهك حقوق الإنسان بحجة مكافحة الإرهاب”. والثاني حلل نسخة 2017 وخلص إلى أن القانون “يسقط القليل المتبقي من إحترام حقوق الإنسان ويفشل في الإلتزام بالمعايير القانونية”.
بالتالي إن ماتسميه السعودية إجراءات قانونية هو في الإساس إجراءات معيبة تتناقض مع القوانين الدولية التي تكفل حقوق الإنسان، وتمنح السلطات التنفيذية مساحة واسعة من الجور على الضحايا. أما القوانين التي سبقت “نظام جرائم الإرهاب وتمويله”، وأشهرها “نظام الإجراءات الجزائية” فإن كثيرا من مواده لم تكن تطبق، ويمكن القول أنه أهمل بشكل كبير بعد إيجاد نظام الإرهاب، ولكن لاتزال السعودية تستشهد ببعض مواده في نقاشاتها، دون أن يكن لهذه المواد تطبيق فعلي.
أما ما يتعلق بالمحاكمة العادلة، فلايوجد في السعودية -مثلا- دليلا مستقلاً يحدد ماهي الإجراءات التي ينبغي إتباعها من أجل تحقيق العدالة في المحاكمات، ولكن توجد ملامح في أنظمة أخرى مثل نظام الإجراءات الجزائية وتتضمن موادا من قبيل المادة الرابعة التي تقول: (يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة)، ولكن من الشائع على نطاق واسع حرمان المتهمين في السعودية من الإستعانة بمحامين في مرحلة التحقيق. من خلال الكثير من المحاكمات التي تابعتها المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ووجدت أنها تفتقر إلى حد كبير إلى شروط المحاكمات العادلة الموضحة في “دليل المحاكمة العادلة” الصادر عن منظمة العفو الدوالية.
على الرغم من تكرار السعودية في المحافل الدولية قولها أنها تستخدم عقوبة الإعدام في نطاق الجرائم الأشد خطورة وفي أضيق الحدود، فإن الواقع يثبت العكس، حيث تستخدم هذه العقوبة بناء على تهم المخدرات غير الجسيمة في القانون الدولي، حيث أعدمت 351 خلال 13 عاما بهذه التهمة وفق إحصاءات المنظمة، كما يواجه العشرات حاليا العقوبة بتهم سياسية. إضافة إلى ذلك، تفتقر المحاكمات في السعودية إلى شروط العدالة، حيث يحرم المعتقلون في معظم الحالات من حقهم في الدفاع عن أنفسهم أو التواصل مع العالم الخارجي. كما أن القضاء السعودية يخالف تعهدات الحكومة وفق إتفاقية مناهضة التعذيب، بإستخدام عقوبة الإعدام على متهمين إنتزعت إعترافاتهم تحت التعذيب.
يتزايد إستخدام هذه الحجة من قبل الأجهزة الحكومية ووسائل الإعلام الرسمية، في محاولة لتشتيت الإنظار عما تقوم به، غير أن نسبة الإعدام المرتفعة في السعودية تجعلها في صدارة الدول حينما يتم التطرق لعقوبة الإعدام، ومن الصعوبة التغاضي عن ذكرها في سياق الإنتقادات الدولية لعقوبة الإعدام. فقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 2017، أن السعودية واحدة من الدول المسؤولة عن تنفيذ 87% من أحكام الإعدام على مستوى العالم، إلى جانب إيران والعراق وباكستان، في ظل الأرقام الفعلية عن إعدامات الصين.
لا تلتزم السعودية بالمشتركات المتفق عليها في عقوبة الإعدام، كإقتصارها على الجرائم الجسيمة، أو إتباع إجراءات صارمة في المحاكمات وهذا ما يجعل المنهج المتبع في عقوبة الإعدام مارقاً على عدد من الأطر المتفق عليها دولياً، والتذرع بالخلاف لايصمد أمام الفحص القانوني لإلتزامات السعودية بموجب المعاهدات التي إنضمت لها وقوانينها المحلية، حيث تقر السعودية بعدم قانونية الإعدام في الجرائم الغير جسيمة.
منذ أن أطلقت السعودية رؤية 2030 وهي تستمر بزجها في معظم أحاديثها الوهمية عن حقوق الإنسان، غير أن نظرة فاحصة على ديباجة الرؤية لايتضح إنها أولت إهتماما بحقوق الإنسان وفق القضايا ذات الأولوية لدى النشطاء في البلاد، والتي تعتلي إهتمامات المواطنين من قبيل حرية الرأي والتعبير والمشاركة السياسية وإطلاق المساحات للمجتمع المدني وحرية التجمع والتظاهر ومكافحة الفساد وإستقلال القضاء، بل على العكس من ذلك، فإنه ومنذ إطلاق الرؤية في إبريل 2016 هناك إستمرارية وتصاعد في العديد من ملفات إنتهاكات حقوق الإنسان كالإعدام والمدافعين عن حقوق الإنسان وأصحاب الرأي والمتظاهرين والمرأة، وحتى مايتم الإشارة إليه من قبيل التوقف عن حرمان المرأة من سياقة السيارة وتوظيفه في سياق نقلة نوعية في حقوقها فإن ذلك تزامن في الحقيقة مع قمع غير مسبوق للمرآة وسبقه إعتقال ناشطات مثل لجين وعزيزة وإيمان وأعقبه إعتقالات مثل سمر ونسيمة، كما شهد هذا العام أول مطلب إعدام لناشطة، وهي المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام.
تعبر السعودية بإستمرار عن الإنتقادات الدولية لملفها في حقوق الإنسان على أنها تدخلات في شؤونها، في الوقت الذي باتت فيه الآليات والأعراف الدولية تتيح للدول التطرق لأوضاع حقوق الإنسان في العالم، كما أن السعودية بذاتها تتحدث حول أوضاع حقوق الإنسان في أماكن مختلفة في العالم.
كما أنها بالإضافة للتضليل الذي تمارسه حول واقعها الداخلي في حقوق الإنسان، فإنها تمارس أيضا تكتيماً على مايجري داخليا، وأقفلت كثير من المنافذ للوصول إلى المعلومات عبر سلسلة إجراءات قمعية وأبرزها عملياتها المتعددة في القضاء على النشطاء ومؤسسات المجتمع المدني، وعليه فإن وجود أي معلومة تحتوي على نسبة ما من عدم الدقة لاتنفي حقيقة الصورة الكلية للقمع والإنتهاكات، وللجرائم الرسمية كالتعذيب، وإن شح المعلومات يحمل في طياته دلالة على ماتقوم به السعودية من جهد مكثف للتستر على إنتهاكاتها، وجرائمها كالتعذيب.
ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن رد السعودية على دول فنلندا وفرنسا والنروج وأيسلندا، جزء من التضليل الذي تمارسه أمام المجتمع الدولي، كما ترى المنظمة أن رد السعودية على الدول إشارة مبطنة لعدم النية في إصلاح واقع حقوق الإنسان في السعودية، الذي يزداد تدهورا.