تجاهلت المملكة العربية السعودية وعلى نحو صارخ، طلبات وتوصيات متعلقة بعدد ممن قطعت رؤوسهم في 23 أبريل 2019، كان قد قدمها المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، السابق، بن إميرسون. وكان بن أميرسون قد طالب بنحو صريح ومباشر، “بإعادة النظر في جميع حالات الأفراد الذين يقضون حاليا عقوبات بالسجن بسبب ممارسة حقهم في حرية التعبير وحرية الفكر أو الوجدان أو الرأي أو التجمع السلمي وتكوين الجمعيات” ووجهت لهم تهم إرهاب. كما أكد أنه ينبغي أن تكون هناك آلية لها “صلاحية تخفيف الأحكام أو العفو فورا عن جميع هؤلاء السجناء”، مشيراً ضمن تقريره، إلى محاكمة 24 سجينا، بينهم أطفال ومتظاهرون، كان 14 منهم، ضمن ضحايا إعدام أبريل.
المجزرة الجماعية التي نفذتها 23 أبريل بحق 37 معتقلا، أوضحت أن السعودية لاتهدف من خلال علاقتها بآليات الأمم المتحدة المختلفة، والمتعلقة بحقوق الإنسان، إصلاح وتحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد. إذ تؤكد الممارسات الداخلية، من الإنتهاكات المتصاعدة وجرائم التعذيب، من جهة، والخطاب الغير واقعي، والذي ينطوي على قدر كبير من الكذب والنفاق والذي تقدمه في أروقة مجلس حقوق الإنسان من جهة أخرى، على أن السعودية مصرة على إستخدام منصات وآليات الأمم المتحدة، للتضليل عن سجلها المروع في حقوق الإنسان، والذي يتجه للأسوأ، بلا هوادة.
وقد أثبت تعامل السعودية مع توصيات وطلبات المقرر الخاص بن إميرسون، على وجه الخصوص، مدى الإستهتار الذي تضمره للجهود الذي تبذلها الأمم المتحدة، والهادفة لإيقاف تدهور غير مسبوق في حالة حقوق الإنسان في البلاد، منذ تسلم الملك سلمان وإبنه مقاليد الحكم. حيث نشر المقرر في فبراير 2019 توصياته ونتائج زيارته التي قام بها للسعودية، غير أنه وبعد قرابة شهرين، وعوضاً عن أن تستفيد مما جاء فيها، نفذت مجزرة مروعة، هي الأشد فظاعة بعد مجزرة سابقة نفذتها في مطلع 2016.
وكان المقرر قد شدد، على أنه لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا في أخطر الجرائم، التي تؤدي إلى خسائر في الأرواح، وينبغي ألا تفرض بحق أشخاص كانوا قاصرين وقت إرتكاب الجرائم، أو أشخاصاً من ذوي الإعاقة النفسية أو الفكرية. لكن هذا وغيره من توصيات أممية، لم يمنع السعودية من تضمين ستة قاصرين ضمن الضحايا، وأفراداً آخرين يواجهون تهماً، من بينها ما يتعلق بممارسة حقوق مشروعة من بينها التظاهر، كما أن القليل فقط ممن تم إعدامهم، وجهت لهم تهما بالقتل، دون أن تكون هناك أدنى معايير المحاكمة العادلة. وقد أوضحت المنظمة الأوروبية السعودية في تقارير سابقة، نهج التعذيب الممارس على نطاق واسع في البلاد.
كما أشار المقرر، إلى أن السعودية، ومن الأساس، تستخدم تعريفاً فضفاضا للغاية، للجرائم الإرهابية، يصل حتى لوصف من يطعن في سلطة الدولة أو سياساتها بالإرهاب، وبالتالي فإن التعريف لا يتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
المقرر أكد أن أحكاماً بالإعدام صدرت على عدة أفراد من الأقلية الشيعية، وهم يواجهون تنفيذ الأحكام بشكل وشيك لمشاركتهم في مظاهرات في المنطقة الشرقية. وأوضح أنه في يونيو 2016 قدم للمحاكمة 24 شخصاً بسبب الإحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، التي وقعت في عام 2011، وقد: “حاكمت المحكمة الجزائية المتخصصة 14 منهم وقضت بإعدامهم، وتفيد التقارير أن المحاكمة لم تستوف الإجراءات القانونية الواجبة، ومعايير المحاكمة العادلة، وقد تعرض المتهمون للتعذيب، ولم يتمكنوا من توكيل محامين، وتشكل هذه القضية مصدر قلق شديد”.
كما أنه ونتيجة للعيوب والتجاوزات الجذرية والعميقة في المحاكمات، أوصى المقرر بإنشاء آلية مستقلة، تعيد النظر في جميع الحالات المتعلقة بجرائم، يزعم أنها ارتكبت عن طريق التعبير، في شكل خطابي أو خطي، وينبغي أن تكون لها صلاحية تخفيف الأحكام أو العفو فوراً، ويجب أن تضم ممثلين عن المجتمع المدني وأكاديميين قانونيين مستقلين.
المقرر الخاص أبدى قلقه إزاء “نمط القمع المنهجي في المنطقة الشرقية التي تسكن فيها غالبية السكان الشيعة”. وشدد على أن ضرورة مكافحة الإرهاب “لا يمكن أن يساء إستخدامها كذريعة قانونية لقمع حملات الدعوة العامة، التي يقوم بها منتقدون سلميون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان وأفراد الأقليات. غير أن هذا ما يحدث بشكل معتاد حاليا في السعودية”.
ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن التجاهل التام، لمطالبات وتوصيات المقرر الخاص، الذي كانت السعودية قد قبلت زيارته طوعياً، استهتار صارخ بجهود الأمم المتحدة الجادة في إصلاح الحالة الحقوقية في السعودية.
وتعتبر المنظمة أن الإعدامات أوضحت على نحو التأكيد، أن تعامل الحكومة السعودية مع آليات الأمم المتحدة، ينطوي على قدر كبير من التعال والتجاهل، ويفصح عن زيف إدعاءاتها في التعاون مع الآليات الحقوقية الأممية.
إن تجاهل تقرير المقرر المعني بحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، وتنفيذ هذه الإعدامات الفظيعة، يطرح تساؤلاً ملحاً عن مدى جدوائية إستمرار آليات الأمم المتحدة، بذات التعاطي مع السعودية، كما يطرح تساؤلاً حول جدوائية موافقة السعودية على زيارات المقررين الخاصين.
إن عدم إتخاذ خطوة تجاه عضوية السعودية الرابعة في مجلس حقوق الإنسان، عبر تجميدها كما طالبت 170 منظمة حقوقية، أفرغ هذا المنصب إلى حد كبير، من دوره المناط به، في إصلاح واقع حقوق الإنسان في العالم، بل إنه أسيء إستخدامه من السعودية إلى حد ممجوج.
عشرون معتقلاً على الأقل، مدرج حالياً على قوائم الإعدام، والتوجه الرسمي يسير في إتجاه تكرار هذه الإعدامات، وبحسب متابعة المنظمة لمجريات الإعتقالات، فإن هناك طوابيراً أخرى، مرشحة للإنضمام للمهددين الحاليين بالإعدام.