تلقى الديوان الملكي في السعودية رسالة عاجلة وخطرة كانت قد وجهتها أسرة الشاب حبيب الشويخات في 18 يناير 2018، توضح فيها حالته الصحية المتدهورة، والخطر الذي تمثله ظروف الإعتقال التعسفي على حياته. وخلال أيام من عدم ورود أي ردود رسمية سواء من الديوان أو جهات حكومية أخرى، عُرف خبر وفاة الشويخات، وأقيمت جنازته في 21 يناير 2018. وكان قد أعتقل تعسفيا في 9 سبتمبر 2015.
وقد سبق وفاته منع الزيارة عنه في الأسابيع الأخيرة من حياته، ما يثير غموضا حول زمن وملابسات الوفاة. وفي ظل إنعدام أي إستقلالية للجهات القضائية في البلاد، يتعذرالتوصل للحقائق أو الإنتصاف من الجناة الذين تسببوا في وفاته، وفي ذات الوقت لا يمكن مسائلة أو محاسبة الديوان الملكي، السلطة الأعلى في البلاد.
قال السيد يوسف الشويخات، والد حبيب، للملك سلمان في الرسالة التي بعثها إليه: (خادم الحرمين الشريفين، إن حالة ابني الصحية لا تحتمل مزيداً من التأخير، حيثُ أنه يعاني من اضطرابات في القلب واضطرابات في الغدة الدرقية التي تتسبب له بضيق التنفس وعدم القدرة على المشي وصعوبة كبيرة في الحركة، حيث أدى ذلكَ لعدم قدرته على حضور جلسة مقررة له في المحكمة الجزائية المتخصصة بتاريخ 16/4/1439 (3 يناير 2018) حيث أنه أثناء محاولته صعود الدرج فقد وعيه بسبب ما وصلت إليه حالته الصحية وسقط مغماً عليه، وأحيل إلى المستوصف التابع للمحكمة لتقديم العلاج الإسعافي له. وبحسب ما قاله الدكتور المعالج له في سجن المباحث العامة بعد القيام بعدة فحوصات وتحاليل فإنه قد تأكدت إصابته بسرطان الحنجرة -عافاكم الله- وأصبحت حاجته ماسة لتلقي العلاج الكيماوي). ولقد أكد والد الشاب أن ابنه أصيب بسرطان الحنجرة، وتعرض لنوبة قلبية:
(خادم الحرمين الشريفين، لقد تم تأكيد إصابة حبيب المذكور بالسرطان في حنجرته قبل سبع أشهر ولكنه مما يؤسف له لم يتلق علاجاً عن هذا المرض الخطير حتى الآن، وقد أسفر عن ذلك ازدياد حالته الصحية سوءًا حيث تردى وضعه الصحي بمرور الوقت. بالإضافة إلى ذلك فقد تعرض حبيب إلى نوبة قلبية قبل شهر حيثُ توقفت على إثرها أعضاؤه عن العمل، واضطر الطاقم الطبي لإنعاشه باستخدام الصعق الكهربائي.)، لكن الديوان الملكي تجاهل بشكل تام رسالة والد حبيب العاجلة، رغما عن الطلب الواضح في الرسالة بنقله لتلقي العلاج والعناية اللازمتين: (فكل ما أرجوه من مقامكم السامي أن تتكرموا بتوجيه أمركم الكريم للجهات المختصة بنقل موكلي إلى مستشفى مختص لتقديم العلاج الكيماوي، ولذلك لعدم توافره في مستشفى السجن وليس مؤهلاً لتقديم خدمات علاجية كالتي يحتاجها موكلي).
يلجأ المواطنين في السعودية لمخاطبة الديوان الملكي، الذي هو بمثابة مكتب مباشر متصل بملك البلاد الحالي سلمان، وذلك في شؤون مختلفة، وكثير من هذه الشؤون من المفترض أن يتم إنجازها مع مؤسسات البلاد المتنوعة، كالمحاكم أو ديوان المظالم، أو الوزارات المتنوعة، أو أمارات المناطق، ولكن لأسباب متعددة، من بينها فشل هذه المؤسسات في الإستجابة لقضايا المواطنين، وكذلك عدم إستقلاليتها خصوصا في مايتعلق بالقضايا ذات الطابع السياسي.
كذلك يلجأ بعض المواطنين بسبب ماتسميه السعودية بإستمرار (سياسة الأبواب المفتوحة)، على التواصل مع الديوان الملكي، غير أنه يلحظ وبشكل مستمر، عدم تلبية كثير من حاجات وقضايا المواطنين والمقيمين، فلايتم حلها سواء مع مختلف المؤسسات الحكومية، ولا مع الديوان الملكي الذي يقصده المواطنون كحل أخير في أحيان عديدة.
يمكن اعتبار الديوان الملكي بمثابة مكتب تنفيذي للملك، ومنه تصدر الأوامر الملكية، وفي 2014 أنشأ الديوان الملكي بوابة “تواصل“، وهي خدمة إلكترونية، يتم من خلالها الرفع للملك “عن أي تقصير من أي جهة كانت، والنظر فيما يعود بالنفع على المواطنين كافة”، بحسب التعريف الرسمي للموقع، ولكن من غير المعروف مدى فعالية هذا الموقع.
إن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ترى أن تصرف الديوان الملكي المحبط، مع حالة حبيب الشويخات الصحية الحرجة، هو أحد المواقف الذي تزيد من أسى المواطنين والمقيمين فيما يتعلق بحقوقهم المنتهكة والمهدرة، ويزيد من حالة القهر الناتجة عن المظالم التي تتراكم في البلاد، في ظل إنتهاكات ممنهجة ويومية ترتكبها الأجهزة الرسمية، تتمظهر في السجون وصولا إلى قاعات المحاكم.
إن تجاهل الديوان الملكي لرسالة الشويخات، على الرغم من خطورتها، يؤكد فشل التسلسل المؤسساتي في الأجهزة التنفيذية والقضائية كالسجون والنيابة العامة والمحاكم، إذ لو كانت تلك المؤسسات ناجحة لما أضطر المواطنون أو المقيمين مخاطبة الديوان الملكي.
كما يحمل تجاهل الديوان لرسالة إنقاذ الشويخات، دلالات متعددة على عدم فاعلية إدعاءات إصلاح القضاء والنيابة العامة.
إن المنظمة تشدد على أن ما تعرض له الشاب محمد الشويخات من أهمال في المعتقل يأتي ضمن السياق العام للمعاملة السيئة والحاطة بالكرامة التي يتلقاها المعتقلين في السعودية، كما تؤكد تقارير متعددة نشرتها المنظمة أن التعذيب يستخدم بشكل ممنهج في السجون ومراكز التوقيف، وقد وثقت المنظمة مقتل عدد منهم تحت التعذيب مثل الشاب مكي العريض، والذي لم يحاسب أي أحد حتى الآن على جريمة قتله تحت التعذيب.
إن حرمان الشويخات من العلاج يعد ضربا من ضروب التعذيب، كما إن وفاته جراء حرمانه من العلاج، إنتهاك صارخ لحقه في الحياة والأمان الذي تقرّه المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إضافة إلى ذلك فإن حرمانه من العلاج ينتهك القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي تنص على “أما السجناء الذين يتطلبون عناية متخصصة فينقلون إلى سجون متخصصة أو إلى مستشفيات مدنية”.
إن الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بتعليق عضوية السعودية، وذلك بناء على الفقرة 8 من قرار اتخذته الجمعية العامة لتأسيس مجلس حقوق الإنسان في 2006: (ويجوز للجمعية العامة أن تقرر، بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين والمشتركين في التصويت، تعليق حقوق عضوية المجلس التي يتمتع بها أي من أعضائه إذا ما أرتكب انتهاكات جسيمة ومنهجة لحقوق الإنسان). وإن حصول السعودية على العضوية للمرة الرابعة والتي تمتد حتى 2019، يمثل تقليلا من قيمة عضوية مجلس حقوق الإنسان، التي ومن المفترض بحسب الفقرة 9 من قرار إنشاء مجلس حقوق الإنسان، أن تمثل الدول الأعضاء نماذج فاضلة في حماية حقوق الإنسان: (يتحلى الأعضاء المنتخبون في المجلس بأعلى المعايير في تعزيز وحماية حقوق الإنسان).
إن عدم التحقيق والمحاسبة في الحالات الكثيرة المشابهة، والتي وقعت على مدار السنوات الأخيرة، يؤكد بما لايدع مجالاً للشك إن مصادقة السعودية على إتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية إجراء شكلي حتى الآن، إذ لم تقم السعودية بأي تحقيق أو محاسبة إزاء حالات متعددة ماتت أو قُتلت في السجون السياسية والعامة، وبعضها توافرت إشارات تؤكد أو ترجح ممارسة جرائم تعذيب.