حمّل تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول عقوبة الإعدام، المملكة العربية السعودية، ودول في الشرق الأوسط مسؤولية الزيادة الحادة في حالات الإعدام حول العالم التي ارتفعت عام 2022، بنسبة 59% مقارنة بعام 2021، حيث نفذت السعودية وحدها 24% من هذه الإعدامات.
وفي تقريره السنوي، الذي يغطي الفترة من يوليو 2022 إلى يونيو 2024، استند الأمين العام إلى مداخلات وزعت على الدول والمؤسسات الوطنية وكيانات الأمم المتحدة الحكومية والدولية والإقليمية والمنظمات غير الحكومية لجمع المعلومات حول العقوبة. ويظهر استناد التقرير بشكل كبير في المعلومات المقدمة حول السعودية إلى تقديمات المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان المنفردة والمشتركة إلى جانب تقاريرها.
التقرير شدد أن على الدول التي لم تلغ عقوبة الإعدام بعد بشكل كامل ينبغي أن تكون على مسار لا رجعة فيه نحو القضاء التام عليها بحكم الواقع وبحكم القانون، في المستقبل المنظور، حيث لا يمكن التوفيق بين عقوبة الإعدام والاحترام الكامل للحق في الحياة.
التقرير أشار إلى أن نحو 170 دولة ألغت عقوبة الإعدام، أو فرضت وقفاً مؤقتاً عليها، إما في القانون أو في الممارسة، أو أوقفت عمليات الإعدام لأكثر من 10 سنوات.
وخلال عمليات الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان، قدمت الدول العديد من التوصيات للدول التي أبقت على عقوبة الإعدام. وقد شملت هذه التوصيات التصديق على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، أو النظر في التصديق عليه، واتخاذ التدابير المناسبة لإلغاء عقوبة الإعدام، وتبديل جميع أحكام الإعدام السارية إلى أحكام بديلة، وفرض وقف رسمي على عمليات الإعدام بهدف إلغائها، والتخلي عن جميع الإجراءات الرامية إلى تمديد عقوبة الإعدام، وإلغاء العقوبة المفروضة على الجرائم المتعلقة بالمخدرات، ونشر بيانات سنوية عن عقوبة الإعدام كخطوة أولى نحو إلغائها، وإنهاء عقوبة الإعدام عن الجرائم غير العنيفة، وإنهاء عقوبة الإعدام للأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة.
القيود المفروضة على استخدام ونطاق عقوبة الإعدام أو حدودها الاستخدام
خلال الفترة المشمولة بالتقرير، كان هناك زيادة مطردة في عدد الأشخاص المعروف أنهم أعدموا في جميع أنحاء العالم، على الرغم من انخفاض عدد البلدان التي تنفذ عمليات الإعدام. تعكس هذه الأرقام اتجاهًا عالميًا حيث يعمل عدد متناقص من الدول التي تطبق عقوبة الإعدام على زيادة عدد حالات الإعدام بشكل كبير.
وفي نوفمبر 2022، أفاد مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأن عمليات الإعدام جرت بشكل شبه يومي على مدار أسبوعين في السعودية بعد أن أنهت السلطات وقفًا غير رسمي لمدة 21 شهرًا على استخدام عقوبة الإعدام في الجرائم المتعلقة بالمخدرات.
الشفافية واستخدام عقوبة الإعدام
في قراره 54/35، دعا مجلس حقوق الإنسان الدول التي لم تلغ عقوبة الإعدام بعد إلى توفير معلومات كاملة ودقيقة وذات صلة بشكل منهجي وعلني، ومفصلة حسب الجنس والعمر والجنسية والعرق والإعاقة وغير ذلك من المعايير المعمول بها، فيما يتعلق باستخدامها لعقوبة الإعدام.
وأشار المجلس إلى أن مثل هذه المعلومات يمكن أن تساهم في إجراء مناقشات وطنية ودولية مستنيرة وشفافة، مع الأخذ في الاعتبار أن الوصول إلى معلومات موثوقة بشأن فرض عقوبة الإعدام وتطبيقها يمكّن أصحاب المصلحة الوطنيين والدوليين من فهم وتقييم نطاق هذه الممارسات. على الرغم من ذلك، لا يزال من الصعب الحصول على أرقام عالمية دقيقة بشأن تطبيق عقوبة الإعدام.
الضمانات التي تكفل حماية حقوق أولئك الذين يواجهون عقوبة الإعدام
أعاد المجلس التأكيد على الضمانات التي تكفل حماية حقوق أولئك الذين يواجهون عقوبة الإعدام، والتي تشكل الحد الأدنى من المعايير المعترف بها دولياً والتي يتعين على الدول التي تواصل فرض عقوبة الإعدام مراعاتها:
تقييد استخدام عقوبة الإعدام على “أشد الجرائم خطورة”
أشارت لجنة حقوق الإنسان إلى أن مصطلح “الجرائم الأشد خطورة” يجب أن يُقرأ بمعناه الضيق ولا ينطبق إلا على الجرائم البالغة الخطورة التي تنطوي على القتل العمد. وذكرت اللجنة أن الجرائم التي لا تؤدي مباشرة إلى الموت عمداً، مثل الجرائم المتعلقة بالمخدرات، على الرغم من خطورتها في طبيعتها، لا يمكن أن تشكل أساساً لفرض عقوبة الإعدام في إطار الحق في الحياة.
وأكدت لجنة حقوق الإنسان أنه لا يجوز تحت أي ظرف من الظروف تطبيق عقوبة الإعدام كعقوبة على سلوك يشكل تجريمه انتهاكًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك تأسيس جماعات معارضة سياسية، أو الإساءة إلى رئيس دولة.
ضمانات المحاكمة العادلة
وفقًا للجنة حقوق الإنسان، فإن انتهاك ضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في الإجراءات التي تؤدي إلى فرض عقوبة الإعدام من شأنه أن يجعل الحكم تعسفيًا بطبيعته، ويشكل انتهاكًا للحق في الحياة.
وتشمل هذه الانتهاكات استخدام الاعترافات القسرية، والافتقار إلى التمثيل الفعال، والتأخير المفرط وغير المبرر، والافتقار العام إلى عدالة العملية الجنائية، والافتقار إلى الاستقلال أو حياد المحاكمة أو الاستئناف.
التقرير أشار إلى أن بعض أحكام الإعدام صدرت بعد اعتقالات تعسفية، وبعد عدم احترام ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة، وبعد مزاعم التعذيب، في دول من بينها السعودية. كما أعربت لجنة مناهضة التعذيب والعديد من حاملي ولايات الإجراءات الخاصة عن قلقهم وغضبهم إزاء الافتقار إلى الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة في العديد من قضايا عقوبة الإعدام في دول بينها السعودية.
الحق في طلب العفو أو تخفيف الحكم
تلزم الفقرة (4) من المادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الدول الأطراف بالسماح لأي شخص محكوم عليه بالإعدام بطلب العفو أو تخفيف الحكم، وتنص على أن العفو أو الصفح أو تخفيف الحكم قد لا يكون متاحاً إلا بعد موافقة المحكمة. ويجب أن تُمنح هذه الفرصة في جميع حالات عقوبة الإعدام.
استخدام عقوبة الإعدام ضد الأطفال والأشخاص ذوي الإعاقات النفسية الاجتماعية أو الذهنية
الأطفال
شدد التقرير أن اتفاقية حقوق الطفل تحظر فرض عقوبة الإعدام على الجرائم التي يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عامًا وقت ارتكاب الجريمة. وقد ذكرت لجنة حقوق الطفل أن المادة 37 (أ) تعكس حظر القانون الدولي العرفي لفرض عقوبة الإعدام على جريمة ارتكبها شخص يقل عمره عن 18 عامًا وأن المعيار الصريح والحاسم هو السن وقت ارتكاب الجريمة. وأوضح أنه إذا لم يكن هناك دليل موثوق به وقاطع على أن الشخص كان دون سن 18 عامًا وقت ارتكاب الجريمة، فإن الفرد له الحق في الاستفادة من الشك ولا يمكن فرض عقوبة الإعدام
التقرير أشار إلى أن تسعة شبان، كانوا جميعًا أطفالًا وقت اعتقالهم، يواجهون التهديد الوشيك بالإعدام في السعودية على الرغم من الأمر الملكي لعام 2020 الذي ألغى عقوبة الإعدام للأشخاص الذين كانوا أطفالًا وقت ارتكاب جريمتهم المزعومة. كما أوضح التقرير أن المعلومات أشارت إلى أنها تتابع حاليًا حالات 68 فردًا، من بينهم 9 أطفال، حُكم عليهم بالإعدام بموجب قوانين مكافحة الإرهاب في المملكة العربية.
الأبعاد الجنسانية لعقوبة الإعدام
تحظر المادة 6 فقرة (5) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الدول الأطراف تنفيذ عقوبة الإعدام على النساء الحوامل، وتمتد الضمانات التي تكفل حماية حقوق أولئك الذين يواجهون عقوبة الإعدام إلى الأمهات الجدد.
وخلال الفترة المشمولة بالتقرير، سُجلت زيادة في إعدام النساء في السعودية، من امرأة واحدة أُعدمت في عام 2022 إلى ست نساء أُعدمن في عام 2023.
حقوق الإنسان لأطفال الوالدين المحكوم عليهم بالإعدام
وفقاً للجنة حقوق الإنسان، يجب على الدول الامتناع عن إعدام الأشخاص الذين من شأن إعدامهم أن يؤدي إلى نتائج قاسية للغاية عليهم وعلى أسرهم، مثل آباء الأطفال الصغار جداً أو المعالين. وفي قراره 48/9، دعا مجلس حقوق الإنسان الدول إلى ضمان تزويد أطفال المحكومين بمعلومات كافية عن تنفيذ حكم الإعدام، والسماح بزيارة أخيرة أو اتصال مع الفرد المدان وإعادة الجثة إلى الأسرة للدفن، أو تقديم معلومات عن مكان وجود الجثة.
ثامناً. الاستنتاجات والتوصيات
- أوصى التقرير الدول التي لا تزال تستخدم عقوبة الإعدام بتبني وقف مؤقت لعمليات الإعدام بهدف إلغائها، وأكد أنه بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا في حالة “أشد الجرائم خطورة”. وقد تم تفسير هذا المصطلح باستمرار على أنه يشير إلى جرائم بالغة الخطورة تنطوي على القتل العمد.
- حث الدول على إلغاء عقوبة الإعدام الإلزامية. وإلى أن يتم ذلك، ينبغي وضع عملية تأخذ في الاعتبار الوضع الشخصي للمجرم والظروف الخاصة للجريمة، بما في ذلك عناصرها المشددة أو المخففة المحددة، لمراجعة جميع الحالات التي فرض فيها حكم الإعدام إلزامياً.
- شجع الدول على ضمان وضع الضمانات القانونية والتدابير الوقائية وتنفيذها بشكل فعال، بما في ذلك الحق في طلب العفو وتبديل العقوبة من خلال إجراءات توفر ضمانات أساسية معينة.
- حث الدول على ضمان الشفافية بشأن فرض عقوبة الإعدام وتطبيقها، وتوفير بيانات كاملة ودقيقة ومفصلة بشكل منهجي وعلني عن أحكام الإعدام لتسهيل مناقشة عامة مستنيرة بالكامل حول نطاق استخدام عقوبة الإعدام وتأثيرها على حقوق الإنسان.
- في غياب دليل موثوق به وقاطع على أن الشخص لم يكن أقل من 18 عامًا وقت ارتكاب الجريمة، يجب على الدول أن تمنح الفرد المعني فرصة الشك وتضمن عدم فرض عقوبة الإعدام.
- ينبغي للدول أيضًا أن تحظر فرض عقوبة الإعدام على الأشخاص ذوي الإعاقات النفسية الاجتماعية أو الفكرية.
- ينبغي على الدول التي لا تزال تستخدم عقوبة الإعدام أن تضمن على وجه السرعة بيئة وقائية لأطفال الآباء المحكوم عليهم بالإعدام أو الذين يتم إعدامهم، ومنع التمييز والوصم والضيق، وتزويدهم بالمساعدة على أساس مبدأ المصلحة الفضلى للطفل.