في 13 ديسمبر 2016، اُختطِف قاضي دائرة الأوقاف والمواريث بالقطيف الشيخ محمد عبدالله الجيراني من قِبّل أشخاص ملثمين، أمام منزله في جزيرة تاروت، واقتادوه إلى مركبة، ومن ثم لمكان مجهول، بحسب رواية صحف رسمية. في 19 ديسمبر 2017 أعلنت وزارة الداخلية السعودية العثور على جثة قالت أنها تعود للجيراني.
لاحظت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن الحكومة السعودية استخدمت هذه القضية في توزيع إتهامات بشكل يثير الشكوك، والقيام باستخدامها ضد الكثيرين، قبل أي تحقيقات شفافة أو محاكمات عادلة.
اعتادت السعودية في قضايا متعددة، توزيع التهم عبر الإعلام، وذلك قبل القيام بأي إجراءات تحقيق أو محاكمة، وهذا أحد الملامح التي تؤكد على هامشية المؤسسات التي يفترض أن تكون مسؤولة عن تحقيق العدالة.
في 1 يناير 2017، أوضح المتحدث الأمني بوزارة الداخلية، اللواء منصور التركي، خلال مؤتمر صحفي، أن نتائج التحقيقات الأمنية حول حادثة الخطف، قادت إلى القبض على ثلاثة أشخاص متورطين في ترصد ومراقبة الجيراني قبل اختطافه، وهم: عبدالله علي آل درويش، مازن علي القبعة، مصطفى أحمد آل سهوان. كما أشار في المؤتمر الصحفي ذاته، إلى أن القبض على الثلاثة المذكورين أدى لمعرفة ثلاثة آخرين ضالعين بشكل مباشر في تنفيذ عملية الاختطاف، وهم: محمد آل عمار، وميثم القديحي، وعلي آل أحمد.
في 2 يناير 2017، نشر المتهمين الثلاثة باختطافه: محمد حسين آل عمار، ميثم علي القديحي، علي بلال آل حمد، بيانات على موقع اليوتيوب كذبوا فيها اتهامات الحكومة السعودية. بسبب إنعدام وجود بيئة عادلة في المحاكم السعودية، واستحالة وجود فرصة للمتهمين بالدفاع عن أنفسهم، وغياب العمل بمبدأ افتراض البراءة من قبل الجانب الرسمي، وفي ظل إنعدام شفافية التحقيقات السعودية، وعدم وجود قضاء مستقل، يصعب التأكد من حقيقة الرواية الرسمية. إن الذي ينتظر متهمين بهكذا جرائم، هو مستوى مميت من التعذيب، مع الحرمان التام من عناصر المحاكمات العادلة، مايجعل القتل محتملا إلى حد كبير بعد الإعتقال، وذلك على ضوء المعطيات التي تتبعها الحكومة السعودية.
في 9 مارس 2017، عقب قتل القوات السعودية للشاب مصطفى المداد خارج أطار القانون أثناء قيادته سيارة في محافظة القطيف، قالت صحيفة عكاظ الرسمية أن المداد أحد المتورطين بعملية أختطاف الشيخ الجيراني، على الرغم أن اسمه لم يرد على لسان المتحدث الأمني. وحتى هنا بلغ المتهمين سبعة أشخاص.
في 3 يونيو 2017، انفجرت سيارة يستقلها محمد الصويمل وفاضل آل حمادة في محافظة القطيف، قالت السعودية أن سبب الانفجار نابع من أسلحة في السيارة، ولكن مصادر أهلية رجحت أن القوات السعودية أطلقت قذيفة على السيارة، ولم تتمكن المنظمة التحقق من ذلك. اتهمت صحيفة الشرق الأوسط الرسمية الضحيتين بالتورط في عملية الاختطاف ذاتها، ليرتفع العدد إلى تسعة متهمين.
في 19 ديسمبر 2017، داهمت القوات السعودية منزل أسرة المطلوب سلمان علي الفرج، وقتلته، كما قُتِلَ الرقيب خالد محمد الصامطي في ذات المداهمة. قبل المداهمة استدعت الشرطة الناشط الاجتماعي زكي محمد الفرج، الأخ غير الشقيق للضحية، ومن ثم اقتادته لسجن مباحث الدمام. في 25 ديسمبر 2017، عقد المتحدث الأمني بوزارة الداخلية اللواء بسام عطية مؤتمراً صحفياً في مقر نادي ضباط قوى الأمن، حول كشف هوية المتهمين في عملية اختطاف وقتل الشيخ الجيراني. وقال قبل عرضه أسماء المتورطين في عملية الاختطاف بحسب زعمه، أن ملامح قضية الجيراني بدأت تتضح وهي في مراحلها النهائية. بعدها كشف عن أسماء تسعة أشخاص بالاضافة إلى الستة الذين اتهمتهم السعودية 1 يناير 2017، زاعماً أنهم جميعاً متورطين بعملية اختطاف الشيخ الجيراني. وهم: محمد الصويمل – فاضل آل حمادة – صادق عبدالله آل درويش، حسن محمود العبدالله – وجعفر حسن آل مبيريك – المعتقل مصطفى السبيتي – محمد آل عبدالعال – سلمان علي الفرج – زكي محمد الفرج. كما كشف المتحدث الأمني عن القبض على أحد المتورطين بهذه الجريمة بدون الإفصاح عن اسمه. وبذلك وصل عدد المتهمين إلى ستة عشر شخصاً.
أدعى اللواء بسام عطية أن الناشط الاجتماعي زكي الفرج كان له الدور الأكبر في شرعنة خطف وقتل الجيراني، إلا أنه لم يشرح طبيعة أدوار الآخرين، واكتفى بوصفهم بالشخصيات المؤثرة في عملية الخطف. على النقيض مما قاله اللواء عن الدور المزعوم للناشط زكي الفرج الذي يحظى بأحترام كبير بين أبناء مدينته، ذكرت صحيفة الشرق الأوسط في تقرير لها في 30 ديسمبر 2017، أن رجل دين إيراني أفتى للمختطفين بجواز قتله. كما قالت صحيفة اليوم في تقرير لها في 26 ديسمبر 2017، أن أصابع الإتهام تشير إلى النظام الإيراني الذي دبر عملية الاختطاف والقتل عبر عملاء لهم.
قال المتحدث الأمني بوزارة الداخلية، اللواء منصور التركي، واللواء بسام عطية من وزارة الداخلية، أن التحقيقات كشفت أن مختطفي الشيخ الجيراني اقتادوه بعدما اختطفوه لمنطقة زراعية تسمى (الصَّالحية) في مدينة العوامية، وهي المنطقة التي قالت الحكومة أنها عثرت على جثته فيها. كما زعم أن العثور عليها كان بعد عملية مسح شاملة تجاوزت مليونين متر مربع في مزارع.
من جانب آخر، تعددت روايات الصحف السعودية الرسمية فيما يتعلق بالفترة الزمنية التي قضاها الشيخ الجيراني منذ عملية اختطافه حتى قتله. ففي حين قال المتحدث الأمني بوزارة الداخلية، اللواء منصور التركي، واللواء بسام عطية أن مختطفي الجيراني اقتادوه بعد عملية الخطف لمنطقة المزارع وقاموا بقتله، ذكرت صحيفة الشرق الأوسط أن المجموعة التي اختطفت الجيراني تلقت توجيه بعد 48 ساعة بالخروج لإحدى المزارع وقتله ودفنه هناك، بيد أن صحيفة مكة المكرمة نقلت عن المتحدث الأمني نفسه، أن المختطفين “أبقوه لأسابيع قبل الغدر به“، وهذا يختلف عما صرح به في المؤتمر.
في 15 يناير 2018، وبعد 20 يوماً من المؤتمر الصحفي، قامت القوات السعودية بقتل عبدالله ميرزا القلاف أثناء قيادته سيارته. في 16 يناير 2018 اتهمت قناة العربية القلاف بالمشاركة في خطف الشيخ محمد الجيراني.
لم تتوقف الاتهامات السعودية في هذه القضية عند حد معين، فبرغم قول اللواء بسام عطية في المؤتمر الصحفي الذي عُقِد في 25 ديسمبر 2017: “أن ملامح قضية الجيراني بدأت تتضح وهي في مراحلها النهائية”، إلا أن النيابة العامة السعودية شرعت بعد عام ونصف بالمطالبة بــ”صلب” عددا من المعتقلين بتهمة التورط في القضية ذاتها. ففي 24 يونيو 2019 طالبت النيابة العامة بـ”صلب” جلال حسن لباد (3 أبريل 1995)، ووجهت له تهمة “المشاركة مع عدد من المطلوبين أمنياً في خطف الشيخ محمد الجيراني ومن ثم قتله”، بالاضافة إلى مزاعم بارتكابه جرائم في فترة كان فيها قاصراً. كما طالبت في أغسطس 2019 بــ”صلب” محمد علوي الشاخوري (21 يوليو 1984)، ووجهت له تهمة المشاركة مع عدد من المطلوبين أمنيا في خطف الجيراني بقصد قتله. تعرض جلال لباد ومحمد الشاخوري لتعذيب وحشي ممنهج مما تسبب لهما بآلام مزمنة ومضاعفات صحية.
وفي 17 سبتمبر 2019، طالبت النيابة العامة بـ”صلب” ستة أشخاص، بينهم ثلاثة وجهت لهم تهم تعود لفترة كانوا فيها قاصرين. وجهت النيابة العامة للمعتقل محمد حسن لباد (5 إبريل 1988) تهمة “التستر على تخطيط عناصر التنظيم الإرهابي والمطلوبين أمنياً لخطف أحد القضاة (محمد الجيراني)، ومكان إخفائه بعد خطفه وقتله وإخفاء جثته وعدم إبلاغ الجهات الأمنية”. كما وجهت للمعتقل محمد عبدالله الفرج (2 سبتمبر 1992) تهمة الاشتراك مع الخلية الإرهابية التي قامت بخطف الجيراني بقصد قتله وتستره عليهم.
كما اطلعت المنظمة على وثائق رسمية تتهم فيها النيابة العامة ماجد آل آدم بالتورط بعملية خطف وقتل الجيراني. في 2 يوليو 2019 قتلت القوات الامنية آل آدم خارج إطار القانون في مداهمة.
وبذلك يصل عدد المتهمين بالتورط في عملية اختطاف وقتل الشيخ الجيراني بحسب وزارة الداخلية والنيابة العامة والصحف السعودية الرسمية ما لا يقل عن اثنين وعشرين شخصاً، بينهم 9 قُتِلوا خارج إطار القانون، وأحد عشر معتقلاً، أربعة منهم طالبت النيابة بصلبهم، وشخصين مطلوبين.
1- مصطفى المداد
2- محمد الصويمل
3- فاضل آل حمادة
4- صادق عبدالله آل درويش
5- حسن محمود العبدالله
6- جعفر حسن آل مبيريك
7- سلمان علي الفرج
8- عبدالله ميرزا القلاف
9- ماجد آل آدم
1- عبد الله علي آل درويش
2- مازن علي القبعة
3- مصطفى أحمد ال سهوان
4- مصطفى السبيتي
5- محمد آل عبدالعال
6- زكي محمد الفرج
7- جلال حسن لباد
8- محمد علوي الشاخوري
9- محمد حسن لباد
10- محمد عبدالله الفرج
11- محمد حسين آل عمار
1- ميثم علي القديحي
2- علي بلال ال حمد
من خلال متابعة المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان لقضية اختطاف الشيخ محمد الجيراني في المؤتمرات الصحفية للداخلية السعودية والصحف الرسمية ولوائح تهم المعتقلين، تعتقد المنظمة أن الحكومة السعودية تتذرع بهذه الجريمة من أجل تبرير تصفية مطلوبين وقتل معتقلين، ويتجلى ذلك في التوسع في اتهام العديد بارتكاب ذات الجريمة دونما شرح لأدوارهم، باستثناء بعضهم.
إن تذرع الحكومة السعودية بجريمة اختطاف وقتل الشيخ محمد الجيراني من أجل تبرير تصفية مطلوبين وقتل معتقلين، والتوسع في اتهام العديد بارتكاب ذات الجريمة ليس حالة استثنائية، ففي 2019 اعدمت خمسة أشخاص بينهم قاصرين ( سلمان آل قريش – عبدالله آل اسريح) بتهمة المشاركة بقتل الجندي حسين بواح زباني وجرح جندي آخر في 2 أغسطس 2012، على الرغم أن المتحدث الأمني بوزارة الداخلية اللواء منصور التركي صرح في 3 أغسطس 2012، أن دوريات أمنية قبضت على أربعة أشخاص متورطين بهذه الحادثة بعد تبادل إطلاق النار معهم، ما نتج مفارقة أحدهم للحياة أثناء نقله إلى المستشفى. كما ذكر أن الجهات الأمنية تلقت بلاغا من المستشفى يفيد بوصول شخصا مصابا بطلق ناري واتضح أنه متورط في الحادثة.
وعلاوة على افتقار الاتهامات السعودية لأدلة ملموسة، مارست السعودية تعذيب قاتل بحق بعض المتهمين بهذه الجريمة، وذلك بهدف انتزاع اعترافات منهم بالإكراه. ترى المنظمة أن المحاكم السعودية غير مستقلة وتفتقر لأبسط معايير العدالة وغير مؤتمنة على تحقيق العدالة في هذه الجريمة.